الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْناهُ في قُلُوبِ المُجْرِمِينَ﴾ ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ﴾ ﴿فَيَأْتِيَهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ ﴿أفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ ﴿أفَرَأيْتَ إنْ مَتَّعْناهم سِنِينَ﴾ ﴿ثُمَّ جاءَهم ما كانُوا يُوعَدُونَ﴾ ﴿ما أغْنى عنهم ما كانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ ﴿وَما أهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ إلا لَها مُنْذِرُونَ﴾ ﴿ذِكْرى وما كُنّا ظالِمِينَ﴾ الإشارَةُ بِـ "ذَلِكَ" إلى ما يَتَحَصَّلُ لِسامِعِ الآياتِ المُتَقَدِّمَةِ مِنَ الحَتْمِ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الأعْجَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٨] الآيَةُ. و"سَلَكْناهُ" مَعْناهُ: أدْخَلْناهُ، والضَمِيرُ فِيهِ لِلْكُفْرِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ قَوْلُهُ: ﴿ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٩]، قالَهُ الحَسَنُ. قالَ الرُمّانِيُّ: لا وجْهَ لِهَذا إلّا أنَّهُ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهُ، وإنَّما الضَمِيرُ لِلْقُرْآنِ وإخْطارُهُ بِالبالِ، وحَكى الزَهْراوِيُّ أنَّ الضَمِيرَ لِلتَّكْذِيبِ المَفْهُومِ، وحَكاهُ الثَعْلَبِيُّ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "كَذَلِكَ جَعَلْناهُ في قُلُوبٍ"، ورُوِيَ عنهُ "نَجْعَلُهُ". و"المُجْرِمُونَ" أرادَ بِهِ مُجْرِمِي كُلِّ أُمَّةٍ، أيْ أنَّ هَذِهِ عادَةُ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى فِيهِمْ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يَرَوُا العَذابَ، فَلا يَنْفَعُهُمُ الإيمانُ بَعْدَ تَلَبُّسِ العَذابِ بِهِمْ، وهَذا عَلى جِهَةِ المِثالِ لِقُرَيْشٍ، أيْ: هَؤُلاءِ كَذَلِكَ. وكَشَفَ الغَيْبُ ما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ يَوْمَ بَدْرٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "فَيَأْتِيهِمْ" بِالياءِ، أيِ: العَذابُ، وقَرَأ الحَسَنُ: "فَتَأْتِيهِمْ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، يَعْنِي الساعَةَ، وفي قِراءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "فَيَرَوْهُ بَغْتَةً"، ومِن قَوْلِ كُلِّ أُمَّةٍ مُعَذَّبَةٍ: ﴿هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ أيْ مُؤَخَّرُونَ، وهَذا عَلى جِهَةِ التَمَنِّي مِنهم والرَغْبَةِ حَيْثُ لا تَنْفَعُ الرَغْبَةُ. (p-٥٠٨)ثُمَّ رَجَعَ لَفْظُ الآيَةِ إلى تَوْبِيخِ قُرَيْشٍ عَلى اسْتِعْجالِهِمْ عَذابَ اللهِ تَعالى في طَلَبِهِمْ سُقُوطَ السَماءِ كِسْفًا وغَيْرِ ذَلِكَ، وقَوْلُهم لِمُحَمَّدٍ ﷺ: أيْنَ ما تَعُدُّنا؟ أيْ:إنَّهُ لا يَنْبَغِي لَهم ذَلِكَ لِأنَّ عَذابَنا بِالمِرْصادِ إذا حانَ حِينُهُ. ثُمَّ خاطَبَ مُحَمَّدًا ﷺ بِإقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ في أنَّ مُدَّةَ الإرْجاءِ والإمْهالُ والإمْلاءُ لا يَعْنِي مَنعَ نُزُولِ العَذابِ بَعْدَها، ووُقُوعَ النِقْمَةِ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: "أفَرَأيْتَ" الآيَةُ، قالَ عِكْرِمَةُ: "سِنِينَ" يُرِيدُ: عُمْرُ الدُنْيا، ولِأبِي جَعْفَرٍ المَنصُورِ قِصَّةٌ في هَذِهِ الآيَةِ. ثُمَّ أخْبَرَ تَبارَكَ وتَعالى أنَّهُ لَمْ يُهْلِكْ قَرْيَةً مِنَ القُرى إلّا بَعْدَ إرْسالِ مَن يُنْذِرُهم عَذابَ اللهِ تَعالى ذِكْرى لَهم وتَبْصِرَةً وإقامَةَ حُجَّةٍ؛ ﴿لِئَلا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥] و"ذِكْرى" عِنْدَ الكِسائِيِّ نُصِبَ عَلى الحالِ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ في نَصْبٍ عَلى المَصْدَرِ، وهو قَوْلُ الزَجّاجِ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى خَبَرِ الِابْتِداءِ، تَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ ذِكْرى، ثُمَّ نَفى عن جِهَتِهِ عَزَّ وجَلَّ الظُلْمَ؛ إذْ هو مِمّا لا يَلِيقُ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب