الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿إذْ قالَ لَهم أخُوهم صالِحٌ ألا تَتَّقُونَ﴾ ﴿إنِّي لَكم رَسُولٌ أمِينٌ﴾ ﴿فاتَّقُوا اللهَ وأطِيعُونِ﴾ ﴿وَما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إنْ أجْرِيَ إلا عَلى رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أتُتْرَكُونَ في ما ها هُنا آمِنِينَ﴾ ﴿فِي جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿وَزُرُوعٍ ونَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ﴾ ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا فارِهِينَ﴾ ﴿فاتَّقُوا اللهَ وأطِيعُونِ﴾ ﴿وَلا تُطِيعُوا أمْرَ المُسْرِفِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ في الأرْضِ ولا يُصْلِحُونَ﴾ ﴿قالُوا إنَّما أنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ﴾ ﴿ما أنْتَ إلا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إنْ كُنْتَ مِنَ الصادِقِينَ﴾ ﴿قالَ هَذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ ولَكم شِرْبٌ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ ﴿وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكم عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿فَعَقَرُوها فَأصْبَحُوا نادِمِينَ﴾ ﴿فَأخَذَهُمُ العَذابُ إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَحِيمُ﴾
"ثَمُودُ": قَبِيلَةٌ عَرَبِيَّةٌ. وتُصْرَفُ ولا تُصْرَفُ عَلى مَقْصِدِ الحَيِّ أوِ القَبِيلَةِ، وقُرِئَ بِالوَجْهَيْنِ: الجُمْهُورُ بِغَيْرِ صَرْفٍ، وابْنُ وثّابٍ وغَيْرُهُ بِالصَرْفِ. و"صالِحٌ" أخُوهم في النَسَبِ، والأنْبِياءُ مِنَ العَرَبِ أرْبَعَةٌ: هُودٌ وصالِحٌ وشُعَيْبٌ ومُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ وسَلَّمَ عَلَيْهِ وعَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ، وإسْماعِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ عَرَبِيُّ اللِسانِ سُرْيانِيُّ النَسَبِ، وهو أبُ العَرَبِ المَوْجُودِينَ اليَوْمَ.
وقَوْلُهُ: ﴿أتُتْرَكُونَ في ما ها هُنا﴾ تَخْوِيفٌ لَهُمْ، بِمَعْنى: أتَطْمَعُونَ أنْ تُقِرُّوا في النِعَمِ عَلى مَعاصِيكُمْ؟ و"الهَضِيمُ" مَعْناهُ: اللِينُ الرَطْبُ. و"الطَلْعُ": الكُفُرّى، وهو عُنْقُودُ النَخْلِ قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ مِنَ الكَمِّ في أوَّلِ نَباتِهِ، فَكَأنَّ الإشارَةَ إلى أنَّ طَلْعَها يُثْمِرُ ويُرَطِّبُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أيْنَعَ وبَلَغَ وهو هَضِيمٌ، وقالَ الزَهْرِيُّ: الهَضِيمُ: الرُخْصُ اللَطِيفُ أوَّلُ ما يَخْرُجُ، وقالَ الزَجّاجُ: هو -فِيما قِيلَ- الَّذِي رَطْبُهُ بِغَيْرِ نَوى، وقالَ الضَحّاكُ: الهَضِيمُ: المُنَضَّدُ بَعْضُهُ عَلى بَعْضٍ.
(p-٥٠٠)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا ضَعِيفٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "تَنْحِتُونَ" بِكَسْرِ الحاءِ، وقَرَأ الكِسائِيُّ بِفَتْحِها، وذَكَرَ أنَّها لُغَةٌ، قالَ أبُو عَمْرٍو: وهي قِراءَةُ الحَسَنِ، وأبِي حَيْوَةَ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وعاصِمْ، وابْنُ عامِرٍ: "فارِهِينَ"، وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: "فَرِهِينَ"، وقَرَأ مُجاهِدٌ: "مُتَفَرِّهِينَ" بِمِيمٍ، عَلى وزْنِ: مُتَفَعِّلِينَ، واللَفْظَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الفَراهَةِ، وهي جَوْدَةُ مَنظَرِ الشَيْءِ وقُوَّةُ كَمالِهِ في نَوْعِهِ، فَمَعْنى الآيَةِ: كَيِّسَيْنِ مُهْتَمِّينَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَ مُجاهِدٌ: شَرِهِينَ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: أقْوِياءُ، وقالَ أبُو عَمْرٍو بْنُ العَلاءِ: أشِرِينَ بَطِرِينَ، وذَهَبُ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدّادٍ إلى أنَّهُ بِمَعْنى: مُسْتَفْرِهِينَ، أيْ: مُبالِغِينَ في اسْتِحازَةِ الفارِهِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مِمّا يَصْنَعُونَهُ ويَشْتَهُونَهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تُطِيعُوا أمْرَ المُسْرِفِينَ﴾ خاطَبَ بِهِ جُمْهُورَ قَوْمِهِ، وعَنى بِالمُسْرِفِينَ كُبَراءَهم وأعْلامَ الكُفْرِ والإضْلالِ فِيهِمْ. وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ المُسَحَّرِينَ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما مَأْخُوذٌ مِنَ السِحْرِ (بِكَسْرِ السِينِ) أيْ: قَدْ سُحِرْتَ فَأنْتَ لِذَلِكَ مَخْبُولٌ لا تَنْطِقُ بِقَوِيمٍ، والثانِي أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ السِحْرِ (بِفَتْحِ السِينِ) وهي الرِئَةُ، وقِيلَ: السِحْرُ: قَصَبَةُ الرِئَةِ وما يَتَعَلَّقُ بِها مِن كَبِدٍ وغَيْرِهِ، أيْ: أنْتَ ابْنُ آدَمَ مِثْلُنا لا يَصِحُّ أنْ تَكُونَ رَسُولًا عَنِ اللهِ تَعالى، وما بَعْدَهُ في الآيَةِ يُقَوِّي هَذا التَأْوِيلَ، ومِنَ اللَفْظَةِ قَوْلُ لَبِيدٍ:
؎ فَإنَّ تَسْألِينا فِيمَ نَحْنُ فَإنَّنا عَصافِيرُ مِن هَذا الأنامِ المُسَحَّرِ
ويُقالُ لِلِاغْتِداءِ: التَسْحِيرُ، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:(p-٥٠١)
؎ ................. ∗∗∗ ونَسْحَرُ بِالطَعامِ وبِالشَرابِ
ثُمَّ اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ آيَةً، ورُوِيَ أنَّهُمُ اقْتَرَحُوا خُرُوجَ ناقَةٍ مِن جَبَلٍ مِن جِبالِهِمْ. وقِصَّتُها في هَذِهِ الآيَةِ وجِيزَةٌ وقَدْ مَضَتْ مُسْتَوْعِبَةً، فَلَمّا خَرَجَتِ الناقَةُ قالَ لَهُمْ: ﴿هَذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ﴾، أيِ: الحَظُّ مِنَ الماءِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "لَها شُرْبٌ ولَكم شُرْبٌ" بِضَمِّ الشِينِ فِيهِما، وقَدْ تَقَدَّمَ قِصَصُ وُرُودِ الناقَةِ. و"السُوءُ": عَقْرُها، وتَوَعَّدَهم عَلَيْهِ بِعَذابٍ، وظاهِرُ أمْرِهِ أنَّهُ أرادَ: في الدُنْيا، ونَسَبَ عَقْرَها إلى جَمِيعِهِمْ مَعَ اخْتِصاصِ قِدارِ الأحْمَرِ بِعَقْرِها مِن حَيْثُ اتَّفَقُوا عَلى ذَلِكَ رَأْيًا وتَدْبِيرًا. وقَوْلُهُ: ﴿فَأصْبَحُوا نادِمِينَ﴾، لَمّا ظَهَرَ لَهم تَغْيِيرُ ألْوانِهِمْ حَسَبَما كانَ صالِحٌ عَلَيْهِ السَلامُ أخْبَرَهم نَدِمُوا، ورَأوا أنَّ الأمْرَ عَلى ما أخْبَرَ بِهِ حَتّى نَزَلَ بِهِمُ العَذابُ، وكانَتْ صَيْحَةٌ جَمَدَتْ لَها أبْدانُهُمْ، وانْشَقَّتْ قُلُوبُهُمْ، وماتُوا عن آخِرِهِمْ، وصُبَّتْ عَلَيْهِمْ حِجارَةٌ خِلالَ ذَلِكَ.
{"ayahs_start":141,"ayahs":["كَذَّبَتۡ ثَمُودُ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَـٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ","إِنِّی لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِینࣱ","فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ","وَمَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","أَتُتۡرَكُونَ فِی مَا هَـٰهُنَاۤ ءَامِنِینَ","فِی جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ","وَزُرُوعࣲ وَنَخۡلࣲ طَلۡعُهَا هَضِیمࣱ","وَتَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُیُوتࣰا فَـٰرِهِینَ","فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ","وَلَا تُطِیعُوۤا۟ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِینَ","ٱلَّذِینَ یُفۡسِدُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا یُصۡلِحُونَ","قَالُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِینَ","مَاۤ أَنتَ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُنَا فَأۡتِ بِـَٔایَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","قَالَ هَـٰذِهِۦ نَاقَةࣱ لَّهَا شِرۡبࣱ وَلَكُمۡ شِرۡبُ یَوۡمࣲ مَّعۡلُومࣲ","وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوۤءࣲ فَیَأۡخُذَكُمۡ عَذَابُ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ","فَعَقَرُوهَا فَأَصۡبَحُوا۟ نَـٰدِمِینَ","فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِینَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ"],"ayah":"وَتَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُیُوتࣰا فَـٰرِهِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق