الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿كَذَّبَتْ عادٌ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿إذْ قالَ لَهم أخُوهم هُودٌ ألا تَتَّقُونَ﴾ ﴿إنِّي لَكم رَسُولٌ أمِينٌ﴾ ﴿فاتَّقُوا اللهَ وأطِيعُونِ﴾ ﴿وَما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إنْ أجْرِيَ إلا عَلى رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكم تَخْلُدُونَ﴾ ﴿وَإذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ﴾ ﴿فاتَّقُوا اللهَ وأطِيعُونِ﴾ ﴿واتَّقُوا الَّذِي أمَدَّكم بِما تَعْلَمُونَ﴾ ﴿أمَدَّكم بِأنْعامٍ وبَنِينَ﴾ ﴿وَجَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿إنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أوَعَظْتَ أمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الواعِظِينَ﴾ ﴿إنْ هَذا إلا خُلُقُ الأوَّلِينَ﴾ ﴿وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأهْلَكْناهم إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَحِيمُ﴾ عادٌ: قَبِيلَةٌ، وانْصَرَفَ لِلْخِفَّةِ، وقِيلَ: هو اسْمُ أبِيهِمْ. وخاطَبَهم هُودٌ عَلَيْهِ السَلامُ (p-٤٩٧)بِمِثْلِ مُخاطَبَةِ سائِرِ الرُسُلِ، ثُمَّ كَلَّمَهم فِيما انْفَرَدُوا بِهِ مِنَ الأفْعالِ الَّتِي اقْتَضَتْها أعْمالُهُمْ، فَقالَ: " ﴿أتَبْنُونَ﴾ عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ، "والرِيعُ": المُرْتَفَعُ مِنَ الأرْضِ، ومِنهُ قَوْلُ المُسَيِّبِ ابْنِ عَلْسٍ يَصِفُ طَرِيقًا: ؎ في الآلِ يَخْفِضُها ويَرْفَعُها رَيْعٌ يَلُوحُ كَأنَّهُ سَحْلُ والسَحْلُ: الثَوْبُ الأبْيَضُ. ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُمَّةِ: ؎ طِراقُ الخَوافِي مُشْرِقٌ فَوْقَ رِيعَةٍ ∗∗∗ نَدى لَيْلِهِ في رِيشِهِ يَتَرَقْرَقُ ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى: ؎ ويَهْماءُ قَفْرٌ تَجاوَزْتُها ∗∗∗ إذا خَبَّ في رِيعِها آلُها ويُقالُ: "رِيعٌ" بِكَسْرِ الراءِ، ويُقالُ: "رَيْعٌ" بِفَتْحِها، وبِها قَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وعَبَّرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ عَنِ "الرِيعِ" بِالطَرِيقِ، وبَعْضُهم بِالفَجِّ، وبَعْضُهم بِالثَنِيَّةِ الصَغِيرَةِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وجُمْلَةُ ذَلِكَ أنَّهُ المَكانُ المُشْرِقُ، وهو الَّذِي يَتَنافَسُ الناسُ في هَيْآتِهِ. و"الآيَةُ": (p-٤٩٨)البُنْيانُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: إنَّهُ عَلَمٌ، قالَ مُجاهِدٌ: أبْراجُ الحَمامِ، قالَ النَقّاشُ وغَيْرُهُ: القُصُورُ الطِوالُ، و"المَصانِعُ": جَمْعُ مَصْنَعٍ، وهو ما أُصْنِعَ وأُتْقِنَ في بِنائِهِ مِن قَصْرٍ مُشَيَّدٍ ونَحْوِهِ، وقالَ قَتادَةُ: هي مَآخِذُ لِلْماءِ، وقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكم تَخْلُدُونَ﴾، إمّا أنْ يُرِيدَ: عَلى أمَلِكم ورَجائِكُمْ، وإمّا أنْ يُرِيدَ الِاسْتِفْهامَ عَلى مَعْنى التَوْبِيخِ والهَزْءِ بِهِمْ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "تَخْلُدُونَ" بِفَتْحِ التاءِ وضَمِّ اللامِ، وقَرَأ قَتادَةُ: "تُخْلَدُونَ" بِضَمِّ التاءِ وفَتْحِ اللامِ، يُقالُ: خَلَّدَ الشَيْءَ، وأخْلَدَهُ غَيْرُهُ، وقَرَأ أُبَيُّ وعَلْقَمَةُ: "لَعَلَّكم تُخَلَّدُونَ" بِضَمِّ التاءِ وفَتْحِ الخاءِ وفَتْحِ اللامِ وشَدِّها، ورُوِيَ عن أُبَيٍّ: "كَأنَّكم تَخْلُدُونَ"، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "كَأنَّكم تَخْلُدُونَ". و"البَطْشُ": الأخْذُ بِقُوَّةٍ وسُرْعَةٍ، و"الجَبّارُ": المُتَكَبِّرُ، ومِنهُ قَوْلُهُمْ: "نَخْلَةٌ جَبّارَةٌ" إذا كانَتْ لا تُدْرِكُ عُلُوًّا، ومِنهُ «قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ في المَرْأةِ الَّتِي أبَتْ أنْ تُنَحّى عن طَرِيقِهِ: "إنَّها جَبّارَةٌ»، ومِنهُ الجَبَرُوتُ، فالمَعْنى: إنَّكم كُفّارُ الغَضَبِ، لَكُمُ السَطْواتُ المُفْرِطَةُ، والبَوادِرُ مِن غَيْرِ تَثَبُّتٍ. ثُمَّ ذَكَّرَهم عَلَيْهِ السَلامُ بِأيادِي اللهِ تَعالى قِبَلَهم فِيما مَنَحَهم مِنَ الأنْعامِ والذُرِّيَّةِ والجَنّاتِ والمِياهِ المُطَّرِدَةِ فِيها، ثُمَّ خَوَّفَهم عَذابُ اللهِ تَعالى في الدُنْيا، وكانَتْ مُراجَعَتُهم أنْ سَوَّوْا بَيْنَ وعْظِهِ وتَرْكِهِ الوَعْظَ. وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "وَعَظْتَّ" بِإدْغامِ الظاءِ في التاءِ. ثُمَّ قالُوا: ﴿إنْ هَذا إلا خُلُقُ الأوَّلِينَ﴾، واخْتَلَفَ القُرّاءُ في ذَلِكَ، فَقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمْ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ عامِرٍ: "خُلُقُ" بِضَمِّ اللامِ، فالإشارَةُ بـِ "هَذا" إلى دِينِهِمْ وعِبادَتِهِمْ وتَصَرُّفِهِمْ في المَصانِعِ، أيْ: هَذا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ خُلُقُ الناسِ وعادَتُهُمْ، وما بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثٌ ولا تَعْذِيبَ كَما تَزْعُمُ أنْتَ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو قُلابَةَ "خُلْقُ" بِضَمِّ الخاءِ وسُكُونِ اللامِ، ورَواهُ الأصْمَعِيُّ عن نافِعٍ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، وأبُو عَمْرٍو: "خُلْقُ الأوَّلِينَ" بِفَتْحِ الخاءِ وسُكُونِ اللامِ، وهي (p-٤٩٩)قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وعَلْقَمَةَ، والحَسَنِ، وهَذا يُحْتَمَلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: وما هَذا الَّذِي تَزْعُمُهُ إلّا اخْتِلاقُ الأوَّلِينَ مِنَ الكِذْبَةِ قَبْلَكَ، فَأنْتَ عَلى مِنهاجِهِمْ. والثانِي أنْ يُرِيدُوا: وما هَذِهِ البِنْيَةُ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْها إلّا البِنْيَةَ الَّتِي عَلَيْها الأوَّلُونَ، حَياةٌ ومَوْتٌ، وما ثَمَّ بَعْثٌ ولا تَعْذِيبٌ، وكُلُّ مَعْنًى مِمّا ذَكَرْتُهُ تَحْتَمِلُهُ قِراءَةُ "خُلُقُ". ورَوى عَلْقَمَةُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "إلّا اخْتِلاقُ الأوَّلِينَ"، وباقِي الآيَةِ قَدْ مَضى تَفْسِيرُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب