الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم وما يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أأنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عِبادِي هَؤُلاءِ أمْ هم ضَلُّوا السَبِيلَ﴾ ﴿قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أنْ نَتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِن أولِياءَ ولَكِنْ مَتَّعْتَهم وآباءَهم حَتّى نَسُوا الذِكْرَ وكانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكم بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا ولا نَصْرًا ومَن يَظْلِمْ مِنكم نُذِقْهُ عَذابًا كَبِيرًا﴾
المَعْنى: واذْكُرْ يَوْمَ، والضَمِيرُ في "يَحْشُرُهُمْ" لِلْكُفّارِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما يَعْبُدُونَ﴾ يُرِيدُ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ، فَغَلَّبَ العِبارَةَ عَمّا لا يَعْقِلُ مِنَ الأوثانِ لِأنَّها كانَتِ الأغْلَبُ وقْتَ المُخاطَبَةِ.
(p-٤٢٥)وَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمْ -فِي رِوايَةِ حَفْصٍ -، والأعْرَجُ، وأبُو جَعْفَرٍ: "يَحْشُرُهُمْ" "فَيَقُولُ" بِالياءِ فِيهِما، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ بِالنُونِ فِيهِما، وهي قِراءَةُ الحَسَنِ، وطَلْحَةَ، وعاصِمْ أيْضًا، وقَرَأ نافِعٌ "نَحْشُرُهُمْ" بِالنُونِ "فَيَقُولُ" بِالياءِ، وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللهِ: "وَما يَعْبُدُونَ مِن دُونِكَ"، وقَرَأ الأعْرَجُ "نَحْشِرُهُمْ" بِكَسْرِ الشِينِ، وهي قَلِيلَةٌ في الِاسْتِعْمالِ قَوِيَّةٌ في القِياسِ؛ لِأنَّ "يَفْعِلُ" بِكَسْرِ العَيْنِ في المُتَعَدِّي أقْيَسُ مِن "يَفْعُلُ" بِضَمِّ العَيْنِ.
وهَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ الخَبَرَ عن أنَّ اللهَ تَعالى يُوَبِّخُ الكَفّارَ في القِيامَةِ بِأنْ يُوقِفَ المَعْبُودِينَ عَلى هَذا المَعْنى؛ لِيَقَعَ الجَوابُ بِالتَبَرِّي مِنَ الذَنْبِ فَيَقَعُ الخِزْيُ عَلى الكافِرِينَ.
واخْتَلَفَ الناسُ في المَوْقِفِ المُجِيبِ في هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: هو كُلُّ مَن ظُلِمْ بِأنْ عُبِدَ مِمَّنْ يَعْقِلُ: كالمَلائِكَةِ وعُزَيْرَ وعِيسى وغَيْرِهِمْ، وقالَ الضَحّاكُ، وعِكْرِمَةُ: المَوْقِفُ المُجِيبُ: الأصْنامُ الَّتِي لا تَعْقِلُ، يُقَدِّرُها اللهُ تَعالى يَوْمَئِذٍ عَلى هَذِهِ المَقالَةِ، ويَجِيءُ خِزْيُ الكَفَرَةِ لِذَلِكَ أبْلَغَ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "نَتَّخِذَ" بِفَتْحِ النُونِ، وذَهَبُوا بِالمَعْنى إلى أنَّهُ مِن قَوْلِ مَن يَعْقِلُ، وأنَّ هَذِهِ الآيَةَ بِمَعْنى الَّتِي في سُورَةِ سَبَأٍ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [سبإ: ٤٠] ﴿قالُوا سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ﴾ [سبإ: ٤١]، وكَقَوْلِ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ: ﴿ما قُلْتُ لَهم إلا ما أمَرْتَنِي بِهِ﴾ [المائدة: ١١٧]، و﴿مِن أولِياءَ﴾ - في هَذِهِ القِراءَةِ - في مَوْضِعِ المَفْعُولِ بِهِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، والحَسَنُ، وأبُو الدَرْداءِ، وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وأبُو رَجاءَ، ونَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ، ومَكْحُولٌ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وحَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ: "نُتَّخَذُ" بِضَمِّ النُونِ، وتَذْهَبُ (p-٤٦٢)هَذِهِ مَذْهَبَ مَن يَرى أنَّ المَوْقِفَ المُجِيبَ الأوثانُ، ويُضْعِفُ هَذِهِ القِراءَةَ دُخُولُ "مِن" في قَوْلِهِ: " مِن أولِياءَ "، اعْتَرَضَ بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وغَيْرُهُ، قالَ أبُو الفَتْحِ: "مِن أولِياءَ" في مَوْضِعِ الحالِ، ودَخَلَتْ "مِن" زِيادَةً لِمَكانِ النَفْيِ المُتَقَدِّمْ، كَما تَقُولُ: ما اتَّخَذْتُ زَيْدًا مِن وكِيلٍ، وقَرَأ عَلْقَمَةُ: "ما يَنْبَغِي" بِسُقُوطِ "كانَ". وثُبُوتُها أمْكَنُ في المَعْنى؛ لِأنَّهم أخْبَرُوا عَلى حالٍ كانَتْ في الدُنْيا، ووَقْتُ الإخْبارِ لا عَمَلَ فِيهِ.
وفَسَّرَ هَذا المُجِيبُ -بِحَسْبِ الخِلافِ فِيهِ- الوَجْهَ في ضَلالِ الكُفّارِ، كَيْفَ وقَعَ؟ وأنَّهُ لَمّا مَتَّعَهُمُ اللهُ تَعالى بِالنِعَمِ الدُنْيَوِيَّةِ وأدَرَّها لَهم ولِأسْلافِهِمُ الأحْقابَ الطَوِيلَةَ نَسُوا الذِكْرَ، أيْ: ما ذُكِّرَ بِهِ الناسُ عَلى ألْسِنَةِ الأنْبِياءِ.
و "بُورًا" مَعْناهُ: هَلْكى، والبَوارُ: الهَلاكُ، واخْتُلِفَ في لَفْظِهِ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: هي مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ الجَمْعُ والواحِدُ، ومِنهُ قَوْلُ ابْنِ الزِبَعْرى:
؎ يا رَسُولَ المَلِيكِ إنَّ لِسانِي راتِقٌ ما فَتَقْتَ إذْ أنا بُورُ
وقالَتْ فَرْقَةٌ: هي جَمْعُ بائِرٍ، وهو الَّذِي قَدْ فارَقَهُ الخَيْرُ فَحَصَلَ بِذَلِكَ في حُكْمِ الهَلاكِ، باشَرَهُ الهَلاكُ بَعْدُ أو لَمْ يُباشِرْ، قالَ الحَسَنُ: البائِرُ: الَّذِي لا خَيْرَ فِيهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾ الآيَةُ، خِطابٌ مِنَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى بِلا خِلافٍ، فَمَن قالَ: "إنَّ المُجِيبَ الأصْنامُ" كانَ مَعْنى هَذِهِ إخْبارَهُ الكُفّارَ أنَّ أصْنامَهم قَدْ كَذَّبُوهُمْ، وفي هَذا الإخْبارِ خِزْيٌ وتَوْبِيخٌ، والفِرْقَةُ الَّتِي قالَتْ: "إنَّ المُجِيبَ هو المَلائِكَةُ، وعُزَيْرٌ، وعِيسى، ونَحْوُهُمُ" اخْتَلَفَتْ في المُخاطَبِ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَقالَتْ طائِفَةٌ: المُخاطَبُ الكُفّارُ عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ والتَقْرِيعِ، وقالَتْ طائِفَةٌ: المُخاطَبُ هَؤُلاءِ (p-٤٢٧)المَعْبُودُونَ، أعْلَمَهُمُ اللهُ تَعالى أنَّ الكُفّارَ بِأفْعالِهِمُ القَبِيحَةِ قَدْ كَذَّبُوا بِهَذِهِ المَقالَةِ، وزَعَمُوا أنَّ هَؤُلاءِ هُمُ الأولِياءُ مِن دُونِ اللهِ تَعالى، وقالَتْ فِرْقَةٌ: خاطَبَ اللهُ تَعالى المُؤْمِنِينَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، أيْ: قَدْ كَذَّبُوكم أيُّها المُؤْمِنُونَ الكُفّارُ فِيما تَقُولُونَ مِنَ التَوْحِيدِ والشَرْعِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمْ، والناسِ: "تَقُولُونَ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ "يَسْتَطِيعُونَ" بِالياءِ مِن تَحْتٍ، ورَجَّحَها أبُو حاتِمْ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "يَقُولُونَ" بِالياءِ مِن تَحْتٍ، "فَما تَسْتَطِيعُونَ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، وقالَ مُجاهِدٌ: الضَمِيرُ في "يَسْتَطِيعُونَ" هو لِلْمُشْرِكِينَ، قالَ الطَبَرِيُّ: وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "فَما يَسْتَطِيعُونَ لَكَ صَرْفًا"، وفي قِراءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "لَقَدْ كَذَّبُوكَ فَما يَسْتَطِيعُونَ لَكَ"، قالَ أبُو حاتِمْ في حَرْفِ عَبْدِ اللهِ: "لَكم صَرْفًا" عَلى جَمْعِ الضَمِيرِ
و "صَرْفًا" مَعْناهُ: رَدُّ التَكْذِيبِ أوِ العَذابِ أو ما اقْتَضاهُ المَعْنى، بِحَسْبِ الخِلافِ المُتَقَدِّمْ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يَظْلِمْ مِنكُمْ﴾ قِيلَ: هو خِطابٌ لِلْكُفّارِ، وقِيلَ: هو لِلْمُؤْمِنِينَ. والظُلْمُ هو الشِرْكُ، قالَهُ الحَسَنُ وابْنُ جُرَيْجٍ، وقَدْ يُحْتَمَلُ أنْ يَعُمْ غَيْرَهُ مِنَ المَعاصِي. وفي حَرْفِ أُبَيٍّ: "وَمَن يَكْذِبْ مِنكم نُذِقْهُ عَذابًا ألِيمًا".
{"ayahs_start":17,"ayahs":["وَیَوۡمَ یَحۡشُرُهُمۡ وَمَا یَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَیَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِی هَـٰۤؤُلَاۤءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّوا۟ ٱلسَّبِیلَ","قَالُوا۟ سُبۡحَـٰنَكَ مَا كَانَ یَنۢبَغِی لَنَاۤ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَاۤءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُوا۟ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُوا۟ قَوۡمَۢا بُورࣰا","فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِیعُونَ صَرۡفࣰا وَلَا نَصۡرࣰاۚ وَمَن یَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابࣰا كَبِیرࣰا"],"ayah":"وَیَوۡمَ یَحۡشُرُهُمۡ وَمَا یَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَیَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِی هَـٰۤؤُلَاۤءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّوا۟ ٱلسَّبِیلَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق