الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالساعَةِ وأعْتَدْنا لِمَن كَذَّبَ بِالساعَةِ سَعِيرًا﴾ ﴿إذا رَأتْهم مِن مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظًا وزَفِيرًا﴾ ﴿وَإذا أُلْقُوا مِنها مَكانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُورًا﴾ ﴿لا تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُورًا واحِدًا وادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾
المَعْنى: لَيْسَ يُهِمْ في تَكْذِيبِكَ ومَشْيِكَ في الأسْواقِ، بَلْ إنَّهم كَفَرَةٌ لا يَفْهَمُونَ الحَقَّ، فَقَوْلُهُ: "بَلْ" تَرْكٌ لِنَفْسِ اللَفْظِ المُتَقَدِّمْ لا لِمَعْناهُ، عَلى ما تَقْتَضِيهِ "بَلْ" في مَشْهُورِ مَعْناها، "وَأعْتَدْنا": جَعَلْنا مُعَدًّا، والعَتادُ: ما يُعَدُّ مِنَ الأشْياءِ، و"السَعِيرُ": طَبَقٌ مِن أطْباقِ جَهَنَّمَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا رَأتْهُمْ﴾ يُرِيدُ: جَهَنَّمَ؛ إذِ اقْتَضاها لَفْظُ "السَعِيرِ". ولَفْظُ "رَأتْهُمْ" يُحْتَمَلُ الحَقِيقَةَ، ويُحْتَمَلُ المَجازُ عَلى مَعْنى: صارَتْ مِنهم عَلى قَدْرِ ما يَرى الرائِي مِنَ البُعْدِ. إلّا أنَّهُ ورَدَ حَدِيثٌ يَقْتَضِي الحَقِيقَةَ في هَذا، ذَكَرَهُ الطَبَرِيُّ، وهو أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مِن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمَّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النارِ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ"، فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، أوَ لِجَهَنَّمَ عَيْنانِ؟ فَقالَ: "اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿إذا رَأتْهم مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾»، ورُوِيَ في بَعْضِ الآثارِ أنَّ البُعْدَ الَّذِي تَراهم مِنهُ مَسِيرَةُ سَنَةٍ، ورُوِيَ أنَّهُ مَسِيرَةُ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ.
(p-٤٢٢)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَمِعُوا لَها تَغَيُّظًا وزَفِيرًا﴾ لَفْظٌ فِيهِ تَجُوزٌ، وذَلِكَ أنَّ التَغَيُّظَ لا يُسْمَعُ، وإنَّما المَسْمُوعُ ألْفاظٌ دالَّةٌ عَلى التَغَيُّظِ، وهي ولا شَكَّ احْتِداماتٌ في النارِ كالَّذِي يُسْمَعُ في نارِ الدُنْيا، فَنِسْبَةُ هَذا المَسْمُوعِ الَّذِي في الدُنْيا مِن ذَلِكَ نِسْبَةُ الإحْراقِ مِنَ الإحْراقِ، وهي سَبْعُونَ دَرَجَةً كَما ورَدَ في الصَحِيحِ. و"الزَفِيرُ": صَوْتٌ مَمْدُودٌ كَصَوْتِ الحِمارِ المَرْجِّعِ في نَهِيقِهِ، قالَ النَقاشُ: الزَفِيرُ: صَوْتُ الحِمارِ عِنْدَ نَهِيقِهِ، قالَ عَبِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ: إنَّ جَهَنَّمَ لَتُزْفِرُ زَفْرَةً لا يَبْقى مَلَكٌ ولا نَبِيٌّ إلّا خَرَّ، تَرْعَدُ فَرائِصُهُ.
و"المَكانُ الضَيِّقُ" فِيها هو مَقْصِدٌ إلى التَضْيِيقِ عَلَيْهِمْ في المَكانِ في النارِ، وذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ التَعْذِيبِ، قالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: «إنَّهم لَيُكْرَهُونَ في النارِ كَما يُكْرَهُ الوَتَدُ في الحائِطِ»، أيْ: يَدْخُلُونَ كُرْهًا وعُنْفًا، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: تَضِيقُ عَلَيْهِمْ كَما يَضِيقُ الزَجُّ عَلى الرُمْحِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وعُبَيْدٌ عن أبِي عَمْرٍو: "ضَيِقًا" بِتَخْفِيفِ الياءِ، والباقُونَ يُشَدِّدُونَ.
ومَعْنى "مُقَرَّنِينَ" مَرْبُوطٌ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ، ورُوِيَ أنَّ ذَلِكَ بِسَلاسِلَ مِن نارٍ، والقَرِينانِ مِنَ الثِيرانِ: ما قُرَنا بِحَبْلٍ لِلْحَرْثِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ إذا لَمْ يَزَلْ حَبْلُ القَرِينَيْنِ يَلْتَوِي فَلا بُدَّ يَوْمًا مِن قُوًى أنْ تَجْذِما
وقَرَأ أبُو شَيْبَةَ المُهْرِيُّ صاحِبُ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "مُقَرَّنُونَ" بِالواوِ، وهي قِراءَةٌ شاذَّةٌ، والوَجْهُ قِراءَةُ الناسِ، وقَوْلُهُ: "ثُبُورًا" مَصْدَرٌ، ولَيْسَ بِالمَدْعُوِّ، ومَفْعُولُ "دَعَوْا" مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: دَعَوْا مَن لا يُجِيبُهُمْ، ونَحْوَ هَذا مِنَ التَقْدِيراتِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ الثُبُورُ هو المَدْعُوُّ، كَما تُدْعى الحَسْرَةُ والوَيْلُ، و"الثُبُورُ" قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: هو الوَيْلُ، وقالَ الضِحاكُ: هو الهَلاكُ، ومِنهُ قَوْلُ ابْنِ الزِبَعْرى:(p-٤٢٣)
؎ إذا أُجارِي الشَيْطانَ في سُنَنِ الغَـ ∗∗∗ ـيِّ، ومَن مالَ مَيْلُهُ مَثْبُورُ
وقَوْلُهُ: ﴿لا تَدْعُوا﴾ إلى آخَرَ الآيَةِ مَعْناهُ: يُقالُ لَهم عَلى مَعْنى التَوْبِيخِ والإعْلامِ بِأنَّهم يَخْلُدُونَ: لا تَقْتَصِرُوا عَلى حُزْنٍ واحِدٍ، بَلِ احْزَنُوا كَثِيرًا؛ لَأنَّكم أهْلٌ لِذَلِكَ.
{"ayahs_start":11,"ayahs":["بَلۡ كَذَّبُوا۟ بِٱلسَّاعَةِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِیرًا","إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ سَمِعُوا۟ لَهَا تَغَیُّظࣰا وَزَفِیرࣰا","وَإِذَاۤ أُلۡقُوا۟ مِنۡهَا مَكَانࣰا ضَیِّقࣰا مُّقَرَّنِینَ دَعَوۡا۟ هُنَالِكَ ثُبُورࣰا","لَّا تَدۡعُوا۟ ٱلۡیَوۡمَ ثُبُورࣰا وَ ٰحِدࣰا وَٱدۡعُوا۟ ثُبُورࣰا كَثِیرࣰا"],"ayah":"إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ سَمِعُوا۟ لَهَا تَغَیُّظࣰا وَزَفِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق