الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ يُزْجِي سَحابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكامًا فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِن خِلالِهِ ويُنَزِّلُ مِن السَماءِ مِن جِبالٍ فِيها مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مِن يَشاءُ ويَصْرِفُهُ عن مِن يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصارِ﴾ ﴿يُقَلِّبُ اللهُ اللَيْلَ والنَهارَ إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصارِ﴾
"الرُؤْيَةُ" في هَذِهِ الآيَةِ رُؤْيَةُ عَيْنٍ، والتَقْدِيرُ: أنَّ أمْرَ اللهِ وقُدْرَتَهُ. و"يُزْجِي" مَعْناهُ: يَسُوقُ، والإزْجاءُ إنَّما يُسْتَعْمَلُ في سَوْقِ كُلِّ ثَقِيلٍ ومُدافَعَتِهِ كالسَحابِ والإبِلِ المَزاحِفِ، كَما قالَ الفَرَزْدَقُ:
؎ ............................. عَلى مَزاحِفَ تُزْجِيها مَحاسِيرُ
(p-٣٩٨)والبِضاعَةُ المُزْجاةُ: الَّتِي تَحْتاجُ مِنَ الشَفاعَةِ والتَحْسِينِ إلى ما هو كَسَوْقِ الثَقِيلِ، ومِنهُ قَوْلُ حَبِيبٍ في الشَيْبِ: "وَنَحْنُ نُزْجِيهِ" وسِيبَوَيْهِ أبَدًا يَقُولُ في كَلامِهِ: "فَأنْتَ تُزْجِيهِ إلى كَذا"، أيْ تَسُوقُهُ ثَقِيلًا مُتَباطِئًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ أيْ بَيْنَ مُفْتَرَقِ السَحابِ نَفْسِهِ؛ لَأنَّ مَفْهُومَ السَحابِ يَقْتَضِي أنَّ بَيْنَهُ فُرُوجًا، وهَذا كَما تَقُولُ: جَلَسْتُ بَيْنَ الدُورِ، ولَوْ أُضِيفَتْ "بَيْنَ" إلى مُفْرَدٍ لَمْ يَصِحَّ إلّا أنْ تُرِيدَ آخَرَ، لا تَقُولُ: "جَلَسْتُ بَيْنَ الدارِ" إلّا أنْ تُرِيدَ: "وَبَيْنَ كَذا".
ووِرَشٌ عن نافِعٍ لا يَهْمِزُ "يُؤَلِّفُ"، وقالُونَ عن نافِعٍ، والباقُونَ يَهْمِزُونَ "يُؤَلِّفُ"، وهو الأصْلُ.
و"الرُكامُ": الَّذِي يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا ويَتَكاثَفُ، والعَرَبُ تَقُولُ: إنَّ اللهَ تَعالى إذا جَعَلَ السَحابَ رُكامًا بِالرِيحِ عَصْرَ بَعْضَهُ بَعْضًا فَخَرَجَ الوَدْقُ مِنهُ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجًا﴾ [النبإ: ١٤]، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ:
؎ كِلْتاهُما حَلَبُ العَصِيرِ فَعاطِنِي ∗∗∗ بِزُجاجَةٍ أرْخاهُما لِلْمَفْصِلِ
(p-٣٩٩)وَيُرْوى "لِلْمِفْصَلِ" بِكَسْرِ المِيمِ وبِفَتْحِ الصادِ، فالمِفْصَلُ: واحِدُ المَفاصِلِ، والمَفْصِلُ: اللِسانُ، ويُرْوى بِالقافِ، أرادَ حَسّانُ الخَمْرَ والماءَ الَّذِي مُزِجَتْ بِهِ، أيْ: هَذِهِ مِن عَصْرِ العِنَبِ وهَذِهِ مِن عَصْرِ السَحابِ، فَسَّرَ هَذا التَفْسِيرَ قاضِي البَصْرَةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الحَسَنِ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ حَلَفَ صاحِبُهم بِالطَلاقِ أنْ يَسْألَ القاضِي عن تَفْسِيرِ بَيْتِ حَسّانَ.
و"الوَدْقَ": المَطَرُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ فَلا مُزْنَةَ ودَقَتْ ودَقَها ∗∗∗ ولا أرْضَ أبَقَلَ إبْقالَها
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "مِن خِلالِهِ" وهو جَمْعُ خَلَلٍ، كَجَبَلٍ وجِبالٍ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، والضِحاكُ: "مِن خَلَلِهِ". وقَرَأ عاصِمْ، والأعْرَجُ: "وَيُنَزِّلُ" عَلى المُبالَغَةِ، والجُمْهُورُ عَلى التَخْفِيفِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن جِبالٍ فِيها مِن بَرَدٍ﴾ قِيلَ: تِلْكَ حَقِيقَةٌ، وقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعالى في السَماءِ جِبالًا مِن بَرَدٍ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ مَجازٌ، وإنَّما أرادَ وصْفَ كَثْرَتِهِ، وهَذا كَما تَقُولُ: عِنْدَ فُلانٍ جِبالٌ مِنَ المالِ، وجِبالٌ مِنَ العِلْمِ، أيْ في الكَثْرَةِ مِثْلَ الجِبالِ، وحُكِيَ عَنِ الأخْفَشِ تَقْدِيرُهُ زِيادَةَ "مِن" في قَوْلِهِ تَعالى: "مِن بَرَدٍ"، وهو قَوْلٌ ضَعِيفٌ، و"مِنَ" في قَوْلِهِ تَعالى: "مِنَ السَماءِ" هي لِابْتِداءِ الغايَةِ، وفي قَوْلِهِ: "مِن جِبالٍ" هي لِلتَّبْعِيضِ، وفي قَوْلِهِ: "مِن بَرَدٍ" هي لِبَيانِ الجِنْسِ.
(p-٤٠٠)وَ "السَنّا" (مَقْصُورٌ): الضَوْءُ، و"السَناءُ" (مَمْدُودًا): المَجْدُ والِارْتِفاعُ في المَنزِلَةِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "سَنا" بِالقَصْرِ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "سَناءَ" بِالمَدِّ والهَمْزِ، وقَرَأ طَلْحَةُ أيْضًا: "بُرَقِهِ" بِضَمِّ الباءِ وفَتْحِ الراءِ، وهي جَمْعُ بُرْقَةٍ -بِضَمِّ الباءِ وسُكُونِ الراءِ- فُعْلَةٍ، وهي القَدْرُ مِنَ البَرْقِ، كَلُقْمَةٍ ولُقَمٍ وغُرْفَةٍ وغُرَفٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يَذْهَبُ" بِفَتْحِ الياءِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: "يَذْهَبُ" بِضَمِّها، مَن أذْهَبَ، كَأنَّ التَقْدِيرَ: يُذْهِبُ النُفُوسَ بِالأبْصارِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿تَنْبُتُ بِالدُهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠]، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإلْحادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] [الحَجُّ: ٢٥] فالباءُ زائِدَةٌ دالَّةٌ عَلى فِعْلٍ يُناسِبُها.
ثُمُ اقْتَضَتْ ألْفاظُ الآيَةِ الإخْبارَ عن تَقْلِيبِ اللَيْلِ والنَهارِ، والإتْيانِ بِهَذا بَعْدَ هَذا دُونَ تَوْطِئَةٍ، وهَذا هو الَّذِي تَعْجِزُ عنهُ الفُصَحاءُ حَتّى يَقَعَ مِنهُمُ التَخْلِيقُ في الألْفاظِ والتَوْطِئَةُ بِالكَلامِ، وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ.
{"ayahs_start":43,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُزۡجِی سَحَابࣰا ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیۡنَهُۥ ثُمَّ یَجۡعَلُهُۥ رُكَامࣰا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ یَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦ وَیُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن جِبَالࣲ فِیهَا مِنۢ بَرَدࣲ فَیُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ وَیَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن یَشَاۤءُۖ یَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ یَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَـٰرِ","یُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ"],"ayah":"أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُزۡجِی سَحَابࣰا ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیۡنَهُۥ ثُمَّ یَجۡعَلُهُۥ رُكَامࣰا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ یَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦ وَیُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن جِبَالࣲ فِیهَا مِنۢ بَرَدࣲ فَیُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ وَیَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن یَشَاۤءُۖ یَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ یَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَـٰرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق