الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكم عَلى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَياةِ الدُنْيا ومَن يُكْرِهُّنَّ فَإنَّ اللهَ مِن بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣] ﴿وَلَقَدْ أنْـزَلْنا إلَيْكم آياتٍ مُبَيِّناتٍ ومَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنَ قَبْلِكم ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ رُوِيَ أنَّ سَبَبَ هَذِهِ الآيَةِ هو «أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ كانَتْ لَهُ أمَةٌ تُسَمّى مُسَيْكَةَ، وقِيلَ: مُعاذَةُ، فَكانَ يَأْمُرُها بِالزِنا والكَسْبِ بِهِ، فَشَكَتْ ذَلِكَ إلى النَبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ فِيهِ وفِيمَن فَعَلَ فِعْلَهُ مِنَ المُنافِقِينَ». وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور: ٣٣] راجِعٌ إلى "الفَتَياتِ"، وذَلِكَ أنَّ الفَتاةَ إذا أرادَتِ التَحَصُّنَ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ ويُتَصَوَّرُ أنْ يَكُونَ السَيِّدُ مُكْرِهًا، ويُمْكِنُ أنْ يُنْهى عَنِ الإكْراهِ، وإذا كانَتِ الفَتاةُ لا تُرِيدُ التَحَصُّنَ فَلا يُتَصَوَّرُ أنْ يُقالَ لِلسَّيِّدِ: لا تُكْرِهْها؛ لَأنَّ الإكْراهَ لا يُتَصَوَّرُ فِيها وهي مُرِيدَةٌ لِلزِّنى، فَهَذا أمْرٌ في [سادَةٍ وفَتَياتٍ] حالُهم هَذِهِ، وذَهَبَ هَذا النَظَرُ عن كَثِيرٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور: ٣٣] راجِعٌ إلى [الأيامى] في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وَأنْكِحُوا الأيامى مِنكُمْ﴾ [النور: ٣٢]، وقالَ بَعْضُهُمْ: هَذا الشَرْطُ في قَوْلِهِ تَعالى: "إنْ أرَدْنَ" مُلْغًى، ونَحْوَ هَذا مِمّا ضَعُفَ، واللهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوابِ بِرَحْمَتِهِ. و"عَرْضَ الحَياةِ الدُنْيا" في هَذِهِ الآيَةِ: الشَيْءُ الَّذِي تَكْتَسِبُهُ الأُمَّةُ بِفَرْجِها، ومَعْنى (p-٣٨٤)باقِي الآيَةِ: فَإنَّ اللهَ مِن بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ بِهِنَّ، وقَدْ يُتَصَوَّرُ الغُفْرانُ والرَحْمَةُ بِالمُكْرَهِينَ بَعْدَ أنْ تَقَعَ التَوْبَةُ مِن ذَلِكَ، فالمَعْنى: غَفُورٌ لِمَن تابَ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وابْنُ جُبَيْرٍ: "لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ" بِزِيادَةِ "لَهُنَّ". ثُمْ عَدَّدَ تَعالى عَلى المُؤْمِنِينَ نِعَمَهُ فِيما أنْزَلَ إلَيْهِمْ مِنَ الآياتِ المُنِيراتِ، وفِيما ضَرَبَ لَهم مِن أمْثالِ الماضِينَ مِنَ الأُمَمِ لِيَقَعَ التَحَفُّظَ مِمّا وقَعَ أُولَئِكَ فِيهِ، وفِيما ذَكَرَ لَهم مِنَ المَواعِظِ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "مُبَيَّناتٍ" بِفَتْحِ الياءِ، أيْ: بَيَّنَها اللهُ تَعالى وأوضَحَها، وقَرَأ الحَسَنُ، وطِلْحَةُ، وعاصِمْ، والأعْمَشُ: "مُبَيِّناتٍ" بِكَسْرِ الياءِ، أيْ: بَيَّنَتِ الحَقَّ وأوضَحَتْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب