الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ لُعِنُوا في الدُنْيا والآخِرَةِ ولَهم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهم وأيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ ويَعْلَمُونَ أنَّ اللهُ هو الحَقَّ المُبِينُ﴾ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي تَضَمَّنَتْ لَعْنَ القاذِفَ وتَوَعُّدَهُ الشَدِيدَ إنَّما هي خاصَّةً في رُماةِ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، والضِحاكُ، وغَيْرُهُما: بَلْ هَذِهِ لِجَمِيعِ أزْواجِ النَبِيِّ ﷺ، غِلَّظَ اللهُ أمْرَ رَمْيِهِنَّ لِمَكانِهِنَّ مِنَ الدِينِ، فَلَعَنَ قاذِفَهُنَّ ولَمْ يَقْرِنْ بِآخِرِ الآيَةِ تَوْبَةً. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وقاذِفُ غَيْرِهِنَّ لَهُ اسْمُ الفِسْقِ وذُكِرَتْ لَهُ التَوْبَةُ. وقالَ جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ: بَلْ هي في شَأْنِ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنها إلّا أنَّهُ يُرادُ بِها كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِفَةِ، وقالَ بَعْضُ هَذِهِ الفِرْقَةِ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ أوَّلًا في القاذِفِينَ، ثُمْ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الآيَةُ الَّتِي صَدَرَتْ في السُورَةِ الَّتِي فِيها التَوْبَةُ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في "المُحْصَناتِ" ما مَعْناهُ. و"اللَعْنَةُ" في هَذِهِ الآيَةِ: الإبْعادُ، وضَرْبُ الحَدِّ، واسْتِيحاشُ المُؤْمِنِينَ مِنهم وهَجْرُهم لَهُمْ، وزَوالُهم عن رُتْبَةِ العَدالَةِ، وعَلى مَن قالَ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ خاصَّةً (p-٣٦٥)لِعائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها تَرَتَّبَتْ هَذِهِ الشَدائِدُ في جانِبِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وأشْباهِهِ. وفي ضِمْنِ رَمْيِ المُحْصَنَةِ رَمْيُ الرَجُلِ مَعَها، وقَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا. والعامِلُ في قَوْلِهِ: "يَوْمَ" فِعْلٌ مُضْمَرٌ يَقْتَضِيهِ العَذابُ، أيْ: يُعَذِّبُونَهُ يَوْمَ، أو نَحْوَهُ، وأخْبَرَ اللهُ تَعالى أنَّ جَوارِحَهم تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، وذَلِكَ مِن أعْظَمَ الخِزْيِ والتَنْكِيلِ، فَيَشْهَدُ اللِسانُ وقَلْبُ المُنافِقِ لا يُرِيدُ ما يَشْهَدُ بِهِ، وتَشْهَدُ الأيْدِي والأرْجُلُ [وَتَتَكَلَّمُ] كَلامًا يُقَدِّرُها اللهُ تَعالى عَلَيْهِ. وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ: "تَشْهَدُ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "يَشْهَدُ" بِالياءِ. و"الدِينُ" في هَذِهِ الآيَةِ: الجَزاءُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ ولَمْ يُبْقَ سِوى العُدْوا نِ دِنّاهم كَما دانُوا (p-٣٦٦)أيْ جازَيْناهم كَما فَعَلُوا، ومِنهُ المَثَلُ "كَما تَدِينُ تُدانُ". وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "الحَقَّ" بِالنَصْبِ عَلى الصِفَةِ لِلدِّينِ، وقَرَأ مُجاهِدٌ: "الحَقُّ" بِالرَفْعِ عَلى الصِفَةِ لِلَّهِ تَعالى، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ الحَقَّ دِينَهُمْ" بِتَقْدِيمِ الصِفَةِ عَلى المَوْصُوفِ، ورُوِيَتْ عَنِ النَبِيِّ ﷺ. وقَوْلُهُ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿وَيَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ هو الحَقُّ المُبِينُ﴾ يُقَوِّي قَوْلَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ الآيَةَ في المُنافِقِينَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وغَيْرِهِ، وذَلِكَ أنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ في الدُنْيا يَعْلَمُ أنَّ اللهَ هو الحَقُّ المُبِينُ، وإلّا فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب