الباحث القرآني

(p-٣٢٩)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ تَفْسِيرُ سُورَةِ النُورِ هَذِهِ السُورَةُ كُلُّها مَدَنِيَّةٌ قوله عزّ وجلّ: ﴿سُورَةٌ أنْزَلْناها وفَرَضْناها وأنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿الزانِيَةُ والزانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ولا تَأْخُذْكم بِهِما رَأْفَةٌ في دِينِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ولْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ: "سُورَةٌ" بِالرَفْعِ، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ، ومُجاهِدٌ: "سُورَةً" بِالنَصْبِ، ورُوِيَ ذَلِكَ أيْضًا عن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وعن أبِي الدَرْداءِ، فَوَجْهُ الرَفْعِ خَبَرُ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: هَذِهِ سُورَةٌ، أوِ ابْتِداءٌ وخَبَرُهُ مُقَدَّمٌ تَقْدِيرُهُ: فِيما يُتْلى عَلَيْكُمْ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "سُورَةٌ" ابْتِداءٌ، وما بَعْدَها صِفَةٌ لَها أخْرَجَتْها عن حَدِّ النَكِرَةِ المَحْضَةِ، فَحَسُنَ الِابْتِداءُ لِذَلِكَ، ويَكُونُ الخَبَرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الزانِيَةُ والزانِي﴾ وفِيما بَعْدَ ذَلِكَ، والمَعْنى: السُورَةُ المُنَزَّلَةُ المَفْرُوضَةُ كَذا وكَذا؛ إذِ السُورَةُ عِبارَةٌ عن آياتٍ مَسْرُودَةٍ لَها بَدْءٌ وخَتْمٌ، ولَكِنْ يَلْحَقُ هَذا القَوْلَ إنَّ كَوْنَ الِابْتِداءِ هو الخَبَرُ لَيْسَ بِالبَيِّنِ إلّا أنْ يُقَدَّرَ الخَبَرُ في السُورَةِ بِأسْرِها، وهَذا بَعِيدٌ في القِياسِ. (p-٣٣٠)وَوَجْهُ النَصْبِ إضْمارُ فِعْلٍ قَدَّرَهُ بَعْضُهُمُ: اتْلُوا سُورَةً، أو نَحْوَهُ، وجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ: أنْزَلْنا سُورَةً أنْزَلْناها، وقالَ الفِراءُ: هي حالٌ مِنَ الهاءِ والألِفِ، والحالُ مِنَ المُكَنّى يَجُوزُ أنْ تَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وَفَرَضْناها" بِتَخْفِيفِ الراءٍ، ومَعْناهُ الإثْباتُ والإيجابُ بِأبْلَغِ وُجُوهِهِ، إذْ هو مُشَبَّهٌ بِالفَرْضِ في الإلْزامِ. وقَرَأ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ كَثِيرٍ، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "وَفَرَّضْناها" بِشَدِّ الراءِ، ومَعْناهُ: جَعَلْناها فَرائِضَ، فَمِن حَيْثُ تَرَدَّدَ ذَلِكَ ضَعَّفَ الفِعْلَ لِلْمُبالَغَةِ والتَكْثِيرِ. وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَفَرَضْناها لَكُمْ"، وحَكى الزَهْراوِيُّ عن بَعْضِ العُلَماءِ أنَّهُ قالَ: كُلُّ ما في السُورَةِ مِن أمْرٍ ونَهْيٍ فَرْضٌ. و"الآياتُ البَيِّناتُ": أمْثالُها ومَواعِظُها وأحْكامُها، وقالَ الزَهْراوِيُّ: المَعْنى: لَيْسَ فِيها مُشْكِلٌ، تَأْوِيلُها مُوافِقٌ لِظاهِرِها. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا تَحَكُّمْ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ عَلى تَوَقُّعِ البَشَرِ ورَجائِهِمْ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "الزانِيَةُ" بِالرَفْعِ، وقَرَأ عِيسى الثَقَفِيُّ: "الزانِيَةَ" بِالنَصْبِ، وهو أوجُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لَأنَّهُ عِنْدَهُ كَقَوْلِكَ: زَيْدًا أضْرَبَ. ووَجْهُ الرَفْعِ عِنْدَهُ أنَّهُ أخْبَرَ ابْتِداءً (p-٣٣١)تَقْدِيرُهُ: فِيما يُتْلى عَلَيْكُمُ الزانِيَةُ والزانِي، وأجْمَعَ الناسُ عَلى الرَفْعِ وإنْ كانَ القِياسُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ النَصْبَ. وأمّا الفَرّاءُ والمُبَرِّدُ والزُجاجُ فَإنَّ الرَفْعَ عِنْدَهم هو الأوجَهُ، والخَبَرُ في قَوْلِهِ تَعالى: "فاجْلِدُوا"؛ لَأنَّ المَعْنى: إنَّ الزانِيَةَ والزانِيَ مَجْلُودانِ بِحُكْمِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى، وهَذا قَوْلٌ جَيِّدٌ. وهو قَوْلُ أكْثَرِ النُحاةِ، وإنْ شِئْتَ قَدَّرْتَ الخَبَرَ يَنْبَغِي أنْ يُجْلَدُوا. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "والزانِ" بِغَيْرِ ياءٍ، وقُدِّمَتِ الزانِيَةُ في اللَفْظِ مِن حَيْثُ كانَ في ذَلِكَ الزَمَنِ زِنى النِساءِ أفْشى، وكانَ لِإماءِ العَرَبِ وبَغايا الوَقْتِ راياتٌ، وكُنَّ مُجاهِراتٍ بِذَلِكَ، والعارُ بِالنِساءِ ألْحَقُ إذْ مَوْضِعِهُنَّ الحَجْبُ والصِيانَةُ، فَقَدَّمَ ذِكْرَهُنَّ تَغْلِيظًا واهْتِمامًا. والألِفُ واللامُ في قَوْلِهِ: ﴿الزانِيَةُ والزانِي﴾ لِلْجِنْسِ، وذَلِكَ يُعْطِي أنَّها عامَّةٌ في جَمِيعِ الزُناةِ، وهَذِهِ الآيَةُ بِاتِّفاقٍ ناسِخَةٌ لِآيَةِ الحَبْسِ وآيَةِ الأذى اللَتَيْنِ في سُورَةِ النِساءِ. وجَماعَةُ العُلَماءِ عَلى عُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ، وأنَّ حُكْمَ المُحْصَنِينَ مَنسُوخٌ مِنها، واخْتَلَفُوا في الناسِخِ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: الناسِخُ السُنَّةُ المُتَواتِرَةُ في الرَجْمِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلِ القُرْآنُ الَّذِي ارْتَفَعَ لَفْظُهُ وبَقِيَ حُكْمُهُ، وهو الَّذِي قَرَأهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ عَلى المِنبَرِ بِمَحْضَرِ الصَحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ: "الشَيْخُ والشَيْخَةُ إذا زَنَيا فارْجُمُوهُما البَتَّةَ" وقالَ: إنّا قَرَأْناهُ في كِتابِ اللهِ تَعالى، واتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنْ لَفَظَهُ (p-٣٣٢)رُفِعَ وبَقِيَ حُكْمُهُ، وقالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ، وابْنُ راهَوَيْهِ: لَيْسَ في هَذِهِ الآيَةِ نَسْخٌ، بَلْ سُنَّةُ الرَجْمِ جاءَتْ بِزِيادَةٍ، فالمُحْصَنُ -عَلى رَأْيِ هَذِهِ الفِرْقَةِ- يُجْلَدُ ثُمْ يُرْجَمُ، وهو قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وفَعَلَهُ بِشُراحَةَ، ودَلِيلُهم قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: «والثَيِّبُ بِالثَيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ والرَجْمُ»، ويَرُدُّ عَلَيْهِمْ فِعْلُ النَبِيِّ ﷺ حَيْثُ رَجَمَ ولَمْ يَجْلِدْ، وبِهِ قالَ جُمْهُورُ الأُمَّةِ إذْ فِعْلُهُ كَقَوْلِهِ رَفَعَ الجَلْدَ عَنِ المُحْصَنِ، وقالَ ابْنُ سَلّامٍ وغَيْرُهُ: هَذِهِ الآيَةُ خاصَّةً في البِكْرَيْنِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: لَأنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِن هَذا حُكْمُهُ إلّا البِكْرانِ، واسْتَدَلُّوا عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَبِيِّ ﷺ: «البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ»، وبُقُولِهِ: «عَلى ابْنِكَ جِلْدُ مِائَةٍ»، واسْتَدَلُّوا (p-٣٣٣)عَلى أنَّها غَيْرُ عامَّةٍ بِخُرُوجِ الإماءِ والعَبِيدِ وغَيْرِهِمْ مِنها، وقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ كَثِيرٍ مِن هَذِهِ المَعانِي في سُورَةِ النِساءِ. والجِلْدُ يَكُونُ والمَجْلُودُ قاعِدٌ عِنْدَ مالِكٍ، ولا يَجْزِي عِنْدَهُ إلّا في الظَهْرِ، وأصْحابُ الرَأْيِ والشافِعِيُّ يَرَوْنَ أنْ يُجْلَدَ الرَجُلُ وهو واقِفٌ، وهو قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ ويُفَرَّقُ الضَرْبُ عَلى كُلِّ الأعْضاءِ، وأشارَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما بِالضَرْبِ إلى رِجْلَيْ أمَةٍ جَلَدَها في الزِنى، والإجْماعُ في تَسْلِيمِ الوَجْهِ والعَوْرَةِ والمَقاتِلِ، ويَتَرَجَّحُ قَوْلُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِ النَبِيِّ ﷺ: «أو حَدٌّ في ظَهْرِكَ»، وقَوْلُ عَمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أو لَأُوجِعَنَّ مَتْنَكَ، ويُعَرّى الرَجُلُ عِنْدَ مالِكٍ، والنَخْعِيِّ، وأبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجِراحِ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، والحَسَنِ، والشَعْبِيِّ، وغَيْرُهم يَرَوْنَ أنْ يَضْرِبَ عَلى قَمِيصٍ، وهو قَوْلُ عُثْمانَ، وابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أيْضًا، وأمّا المَرْأةُ فَتَسْتُرُ قَوْلًا واحِدًا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "رَأْفَةٌ" بِهَمْزَةٍ ساكِنَةٍ عَلى وزْنِ فَعْلَةٌ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "رَأفَةٌ" عَلى وزْنِ فَعَلَةٌ بِفَتْحِ العَيْنِ، وقَرَأ عاصِمْ أيْضًا: "رَآفَةٌ" عَلى وزْنِ فَعالَةٌ، كَسَآمَةٍ وكَآبَةٍ، وهَذِهِ مَصادِرُ أُشْهِرُها الأُولى، مَن "رَؤُفَ" إذا أرَقَّ ورَحِمْ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "تَأْخُذُكُمْ" بِالتاءِ (p-٣٣٤)مِن فَوْقٍ، وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ: "يَأْخُذُكُمْ" بِالياءِ مِن تَحْتٍ. واخْتَلَفَ الناسُ في الرَأْفَةِ المَنهِيِّ عنها، فِيمَ هِيَ؟ فَقالَ أبُو مِجْلَزٍ ولاحِقُ بْنُ حَمِيدٍ ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وعَطاءٌ: هي في إسْقاطِ الحَدِّ، أيْ: أقِيمُوهُ ولا بُدَّ، وهَذا تَأْوِيلُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وابْنِ جُبَيْرٍ، وغَيْرِهِما، ومِن رَأْيِهِمْ أنَّ الضَرْبَ في الزِنى والفِرْيَةَ والخَمْرَ عَلى نَحْوٍ واحِدٍ. وقالَ قَتادَةُ، وابْنُ المُسَيِّبِ، وغَيْرُهُما: الرَأْفَةُ المَنهِيُّ عنها هي في تَخْفِيفِ الضَرْبِ عَنِ الزِنى، ومِن رَأْيِهِمْ أنْ يُخَفَّفَ ضَرْبُ الخَمْرِ والفِرْيَةِ ويَشْتَدَّ ضَرْبُ الزِنى، وقالَ سُلَيْمانُ بْنُ يَسارٍ: نُهِيَ عَنِ الرَأْفَةِ في الوَجْهَيْنِ، وقالَ أبُو مِجْلِزٍ: إنّا لَنَرْجُمُ المَحْدُودَ ولَكِنْ لا نُسْقِطُ الحَدَّ، «وَقَوْلُ النَبِيِّ ﷺ في السَوْطِ: دُونَ هَذا» ضَرْبٌ مِنَ الرَأْفَةِ. وقالَ عُمْرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: اضْرِبْ ولا تُبْدِينَّ إبْطَكَ، واتَّفَقَ الناسُ عَلى أنَّ الضَرْبَ سَوْطٌ بَيْنَ سَوْطَيْنِ، وقالَ الزَهْرِيَّ: ضَرْبُ الزِنا والفِرْيَةِ مُشَدَّدٌ لَأنَّهُما بِمَعْنى واحِدٍ، وضَرْبُ الخَمْرِ مُخَفَّفٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي دِينِ اللهِ﴾ بِمَعْنى: في الإخْلالِ بِدِينِ اللهِ، أيْ: بِشَرْعِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الدِينُ هُنا بِمَعْنى الحُكْمِ. ثُمْ قَرَّرَهم عَلى مَعْنى التَثْبِيتِ والحَضِّ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾، وهَذا كَما تَقُولُ لِرَجُلٍ تَحُضُّهُ: إنْ كُنْتَ رَجُلًا فافْعَلْ كَذا، أيْ: هَذِهِ أفْعالُ الرِجالِ. (p-٣٣٥)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾، المَقْصِدُ بِالآيَةِ الإغْلاظُ عَلى الزُناةِ والتَوْبِيخُ بِحَضْرَةِ الناسِ، فَلا خِلافَ أنَّ الطائِفَةَ كُلَّما كَثُرَتْ فَهي ألْيَقُ بِامْتِثالِ الأمْرِ. واخْتَلَفَ الناسُ في أقَلِّ ما يُجْزِي، فَقالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: لا بُدَّ مِن حُضُورِ عَشْرَةٍ، وقالَ: إنَّ هَذا العَدَدَ عَقْدٌ خارِجٍ عَنِ الآحادِ وهي أقَلُّ الكَثْرَةِ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهُ: لا بُدَّ مِن حُضُورِ أرْبَعَةٍ، ورَأوا أنَّ شَهادَةَ الزِنى كَذَلِكَ وأنَّ هَذا بابٌ مِنهُ. وقالَ الزَهْرِيُّ: الطائِفَةُ ثَلاثَةٌ فَصاعِدًا، وقالَ عَطاءٌ وعِكْرِمَةُ: لا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ، وهَذا مَشْهُورُ قَوْلِ مالِكٍ، فَرَآها مَوْضِعَ شَهادَةٍ، وقالَ مُجاهِدٌ: يَجْزِي الواحِدُ ويُسَمّى طائِفَةً، وقالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، ونَزَعا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنهم طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِينِ﴾ [التوبة: ١٢٢]، وقَوْلُهُ: ﴿وَإنْ طائِفَتانِ﴾ [الحجرات: ٩] ونَزَلَتْ في تَقاتُلِ رَجُلَيْنِ. واخْتَلَفَ العُلَماءُ في التَغْرِيبِ، وقَدْ غَرَّبَ الصِدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ إلى فَدَكٍ، وهو رَأْيُ عُمَرَ وعُثْمانَ وعَلِيٍّ وأبِي ذَرٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُمْ، ولَكِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ بَعْدَ أنْ نَفى رَجُلًا فَلَحِقَ بِالرُومِ فَقالَ: لا أنْفِي أحَدًا بَعْدَها، وفِيهِ عن مالِكٍ قَوْلانِ، ولا يَرى تَغْرِيبَ النِساءِ والعَبِيدِ، واحْتَجَّ بِقَوْلِهِ ﷺ: «لا تُسافِرُ المَرْأةُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، ومِمَّنْ أبى التَغْرِيبَ جُمْلَةً أصْحابُ الرَأْيِ، وقالَ الشافِعِيُّ: يُنْفى البِكْرُ رَجُلًا كانَ أوِ امْرَأةً، ونَفى عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ امْرَأةً إلى البَصْرَةِ. (p-٣٣٦)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب