الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلا وُسْعَها ولَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالحَقِّ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ ﴿بَلْ قُلُوبُهم في غَمْرَةٍ مِن هَذا ولَهم أعْمالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هم لَها عامِلُونَ﴾ ﴿حَتّى إذا أخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالعَذابِ إذا هم يَجْأرُونَ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ نَسَخٌ لِجَمِيعِ ما ورَدَ في الشَرْعِ مِن تَكْلِيفِ ما لا يُطاقُ عَلى الحَقِيقَةِ، وتَكْلِيفِ ما لا يُطاقُ أرْبَعَةُ أقْسامٍ: ثَلاثَةٌ حَقِيقَةٌ ورابِعٌ مُجازِيٌّ، وهو الَّذِي لا يُطاقُ الِاشْتِغالُ بِغَيْرِهِ مِثْلَ الإيمانِ لِلْكافِرِ والطاعَةِ لِلْعاصِي، وهَذا التَكْلِيفُ باقٍ وهو تَكْلِيفُ أكْثَرِ الشَرِيعَةِ، وأمّا الثَلاثَةُ فَوَرْدَ الِاثْنانِ مِنها، وفِيها وقْعَ النَسْخُ المُحالُ عَقْلًا في نازِلَةِ أبِي لَهَبٍ والمُحالُ عادَةً في قَوْلِهِ: ﴿وَإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الآيَةُ. والثالِثُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ، وهو النَوْعُ المُهْلِكُ لِأنَّ اللهَ تَعالى لَمْ يُكَلِّفْهُ عِبادَهُ، فَأمّا قَتْلُ القاتِلِ ورَجْمُ الزانِي فَعُقُوبَتُهُ بِما فَعَلَ، وقَدْ مَضى القَوْلُ مُسْتَوْعَبًا في مَسْألَةِ تَكْلِيفِ ما لا يُطاقُ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وفي قَوْلِنا "ناسِخٌ" نَظَرٌ مِن جِهَةِ التَوارِيخِ وما نَزَلَ بِالمَدِينَةِ وما نَزَلَ بِمَكَّةَ، واللهُ المُعِينُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالحَقِّ﴾ أظْهَرُ ما قِيلَ فِيهِ أنَّهُ أرادَ كِتابَ إحْصاءِ الأعْمالِ الَّذِي تَرْفَعُهُ المَلائِكَةُ، وفي الآيَةِ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- تَهْدِيدٌ وتَأْنِيسٌ مِنَ الحَيْفِ والظُلْمِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَدَيْنا كِتابٌ﴾ إلى القُرْآنِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا يُحْتَمَلُ، والأوَّلُ أظْهَرُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي غَمْرَةٍ﴾ يُرِيدُ: في ضَلالٍ قَدْ غَمَرَها كَما يَفْعَلُ الماءُ الغَمْرُ بِما حَصُلَ فِيهِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: "مِن هَذا" يُحْتَمَلُ أنْ يُشِيرَ إلى القُرْآنِ، ويُحْتَمَلُ [أنْ يُشِيرَ] إلى كِتابِ الإحْصاءِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُشِيرَ إلى الأعْمالِ الصالِحَةِ المَذْكُورَةِ قَبْلَ، أيْ: هم في غَمْرَةٍ مِنَ اطِّراحِها وتَرْكِها، ويُحْتَمَلُ أنْ يُشِيرَ إلى الدِينِ بِجُمْلَتِهِ، أو إلى مُحَمَّدٍ -ﷺ- وكُلُّ تَأْوِيلٍ مِن هَذِهِ قالَتْهُ فَرِقَّةٌ،
(p-٣٠٧)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَهم أعْمالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ﴾، الإشارَةُ بِـ"ذَلِكَ" إلى الغَمْرَةِ والضَلالِ المُحِيطِ بِهِمْ، فَمَعْنى الآيَةِ: بَلْ هم ضالُّونَ مُعْرِضُونَ عَنِ الحَقِّ، وهم -مَعَ ذَلِكَ- لَهم سِعاياتٌ فَسادٌ، فَوَسَمَهم تَعالى بِحالَتَيْ شَرٍّ، قالَ هَذا المَعْنى قَتادَةُ وأبُو العالِيَةِ، وعَلى هَذا التَأْوِيلِ فالإخْبارُ عَمّا سَلَفَ مِن أعْمالِهِمْ وعَمّا هم فِيهِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الإشارَةُ بِـ"ذَلِكَ" إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: "مِن هَذا" فَكَأنَّهُ قالَ: لَهم أعْمالٌ مِن دُونِ الحَقِّ أوِ القُرْآنِ ونَحْوِهِ، وقالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ ومُجاهِدٌ: إنَّما أخْبَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِقَوْلِهِ: "وَلَهم أعْمالٌ" عَمّا يُسْتَأْنَفُ مِن أعْمالِهِمْ، أيْ: أنَّهم لَهم أعْمالٌ مِنَ الفَسادِ يَسْتَعْمِلُونَها.
و"حَتّى" حَرْفُ ابْتِداءٍ لا غَيْرَ، و"إذا" الأُولى و"إذا" الثانِيَةُ -الَّتِي هي جَوابٌ- تَمْنَعاهُ مِن أنْ تَكُونَ حَتّى غايَةً لِـ "عامِلُونَ".
و"المُتْرَفُ" هو المُنْعَمُ في الدُنْيا الَّذِي هو مِنها في سَرَفٍ، وهَذِهِ حالٌ شائِعَةٌ في رُؤَساءِ الكَفَرَةِ مِن كُلِّ أُمَّةٍ.
و"يَجْأرُونَ" مَعْناهُ: يَسْتَغِيثُونَ بِصِياحٍ كَصِياحِ البَقَرِ، وكَثُرَ اسْتِعْمالُ الجَأْرِ في البَشَرِ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
؎ يُراوِحُ مِن صَلَواتِ المَلِيـ ـكِ فَطَوْرًا سُجُودًا وطَوْرًا جُؤُورًا
وذَهَبَ مُجاهِدُ وغَيْرُهُ إلى أنَّ هَذا العَذابَ المَذْكُورَ هو الوَعِيدُ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وفِيهِ نَقْدٌ عَلى مُتْرَفِيهِمْ. والضَمِيرُ في قَوْلِهِ: "إذا هُمْ" يَعُودُ عَلى "المُتْرَفِينَ" فَقَطْ لِأنَّهم صاحُوا حِينَ نَزَلَ بِهِمُ الهَزْمُ والقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى الباقِينَ بَعْدَ المُعَذَّبِينَ، وقَدْ حَكى (p-٣٠٨)ذَلِكَ الطَبَرِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قالَ: المُعَذَّبُونَ: قَتْلى بَدْرٍ، والَّذِينَ يَجْأرُونَ: أهْلُ مَكَّةَ لِأنَّهم ناحُوا واسْتَغاثُوا.
{"ayahs_start":62,"ayahs":["وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَیۡنَا كِتَـٰبࣱ یَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ","بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِی غَمۡرَةࣲ مِّنۡ هَـٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَـٰلࣱ مِّن دُونِ ذَ ٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَـٰمِلُونَ","حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِیهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ یَجۡـَٔرُونَ"],"ayah":"وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَیۡنَا كِتَـٰبࣱ یَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق