الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَأوحَيْنا إلَيْهِ أنِ اصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا ووَحْيِنا فَإذا جاءَ أمْرُنا وفارَ التَنُّورُ فاسْلُكْ فِيها مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأهْلَكَ إلا مِن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ مِنهم ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ ﴿فَإذا اسْتَوَيْتَ أنْتَ ومَن مَعَكَ عَلى الفُلْكِ فَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ القَوْمِ الظالِمِينَ﴾ ﴿وَقُلْ رَبِّ أنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبارَكًا وأنْتَ خَيْرُ المُنْزِلِينَ﴾ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ وإنْ كُنّا لَمُبْتَلِينَ﴾
قَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في صِفَةِ السَفِينَةِ وقَدْرِها في سُورَةِ هُودٍ، و"الفُلْكُ" هُنا مُفْرَدٌ لا جَمْعَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "بِأعْيُنِنا" عِبارَةٌ عَنِ الإدْراكِ هَذا مَذْهَبُ الحُذّاقِ، ووَقَفَتِ الشَرِيعَةُ عَلى أعْيُنٍ وعَيْنٍ، ولا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: عَيْنانِ مِن حَيْثُ لَمَّ تُوقَفِ الشَرِيعَةُ عَلى التَثْنِيَةِ، و"وَحْيِنا" مَعْناهُ: في كَيْفِيَّةِ العَمَلِ ووَجْهِ البَيانِ، وذَلِكَ أنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَلامُ- نَزَلَ إلى نُوحٍ -عَلَيْهِ السَلامُ- فَقالَ لَهُ: اصْنَعْ كَذا وكَذا لِجَمِيعِ حُكْمِ السَفِينَةِ وما يَحْتاجُ إلَيْهِ. واسْتَجَنَّ الكَفّارُ نُوحًا لِادِّعائِهِ النُبُوَّةَ بِزَعْمِهِمْ أنَّها دَعْوى، وسَخِرُوا مِنهُ لِعَمَلِهِ السَفِينَةِ عَلى غَيْرِ مَجْرى، أو لِكَوْنِها أوَّلُ سَفِينَةٍ إنْ صَحَّ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "أمْرُنا" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنى أنْ نَأْمُرَ الماءَ بِالفَيْضِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ واحِدَ الأُمُورِ، أيْ إهْلاكِنا لِلْكَفَرَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَفارَ التَنُّورُ﴾. والصَحِيحُ مِنَ الأقْوالِ أنَّهُ تَنُّورُ الخَبْزِ، وأنَّهُ أمارَةٌ كانَتْ بَيْنَ اللهِ -تَبارَكَ وتَعالى- وبَيْنَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَلامُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "فاسْلُكْ" مَعْناهُ: فَأدْخِلْ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:(p-٢٩١)
؎ حَتّى سَلَكْنَ الشَوى مِنهُنَّ في مِسْكِ مِن نَسْلِ جَوّابَةِ الآفاقِ مِهْداجِ
وقَوْلُ الآخَرِ:
؎ وكُنْتُ لِزازٍ خَصْمَكَ لَمْ أُعَرِّدْ ∗∗∗ وقَدْ سَلَكُوكَ في يَوْمٍ عَصِيبِ
يُقالُ: سَلَكَ وأسْلَكَ بِمَعْنى.
وقَرَأ حَفْصُ عن عاصِمْ: "مِن كَلٍّ" بِتَنْوِينِ "كَلٍّ"، وقَرَأ الباقُونَ وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمْ بِإضافَةِ "كُلٍّ" دُونَ تَنْوِينٍ، و"الزَوْجانِ" كُلُّ ما شَأْنُهُ الِاصْطِحابُ مِن كُلِّ شَيْءٍ كالذَكَرِ والأُنْثى مِنَ الحَيَوانِ ونَحْوَ النِعالِ وغَيْرِها كُلُّ واحِدٍ زَوْجٌ لِلْآخَرِ، هَذا مَوْقِعُ اللَفْظَةِ في اللُغَةِ، والعَدَدِيُّونَ يُوقِعُونَ الزَوْجَ عَلى الِاثْنَيْنِ، وعَلى هَذا أمَرَ اسْتِعْمالُ العامَّةِ لِلزَّوْجِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "وَأهْلَكَ" يُرِيدُ قَرابَتَهُ، ثُمُ اسْتَثْنى مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ بِأنَّهُ كافِرٌ وهو ابْنُهُ وامْرَأتُهُ، ثُمْ أمْرَ اللهُ نُوحًا -عَلَيْهِ السَلامُ- ألّا يُراجِعَ رَبَّهُ ولا يُخاطِبَهُ شافِعًا في أحَدٍ مِنَ الظالِمِينَ، والإشارَةُ إلى مَنِ اسْتَثْنى إذِ العُرْفُ مِنَ البَشَرِ الحُنُوُّ عَلى الأهْلِ، ثُمْ أمَرَهُ تَعالى بِأنْ يَحْمَدَ رَبَّهُ عَلى النَجاةِ مِنَ الظَلَمَةِ عِنْدَ اسْتِوائِهِ وتَمَكُّنِهِ في الفُلْكِ، ثُمْ أمَرَهُ (p-٢٩٢)بِالدُعاءِ في بَرَكَةِ المَنزِلِ، وقَرَأ عاصِمْ -فِي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ -: "مَنزِلًا" بِفَتْحِ المِيمِ وكَسْرِ الزايِ، وهو مَوْضِعُ النُزُولِ، وقَرَأ الباقُونَ وحَفَصٌ عن عاصِمْ: "مُنْزَلًا" بِضَمِّ المِيمِ وفَتْحِ الزايِ، وهو مَصْدَرٌ بِمَعْنى الإنْزالِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ مَوْضِعُ النُزُولِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ﴾ خِطابٌ لِمُحَمَّدٍ -ﷺ- أيْ: إنَّ فِيما جَرى عَلى هَذِهِ الأُمَمِ لَعِبَرًا أو دَلائِلَ لِمَن لَهُ نَظَرٌ وعَقْلٌ، ثُمْ أخْبَرَ تَعالى أنَّهُ يَبْتَلِي عِبادَهُ الزَمَنَ بَعْدَ الزَمَنِ عَلى جِهَةِ الوَعِيدِ لِكَفّارِ قُرَيْشٍ بِهَذا الإخْبارِ، و"إنَّ" عِنْدَ سِيبَوَيْهِ هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ، واللامُ لامُ تَأْكِيدٍ، والفِراءُ يَقُولُ: "إنَّ" نافِيَةٌ واللامُ بِمَعْنى "إلّا"، و"مُبْتَلِينَ" مَعْناهُ مُصِيبِينَ بِبَلاءٍ ومُخْتَبِرِينَ اخْتِبارًا يُؤَدِّي إلى ذَلِكَ.
{"ayahs_start":27,"ayahs":["فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡیُنِنَا وَوَحۡیِنَا فَإِذَا جَاۤءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَیۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَـٰطِبۡنِی فِی ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ","فَإِذَا ٱسۡتَوَیۡتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلۡفُلۡكِ فَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِی مُنزَلࣰا مُّبَارَكࣰا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡمُنزِلِینَ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ وَإِن كُنَّا لَمُبۡتَلِینَ"],"ayah":"وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِی مُنزَلࣰا مُّبَارَكࣰا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡمُنزِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق