الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ ﴿قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أو بَعْضَ يَوْمٍ فاسْألِ العادِّينَ﴾ ﴿قالَ إنْ لَبِثْتُمْ إلا قَلِيلا لَوْ أنَّكم كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ قَرَأ نافِعٌ، وعاصِمْ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ"، و"قُلْ إنْ لَبِثْتُمْ"، ورَوى البِزِّيُّ عَنِ ابْنُ كَثِيرٍ "قالَ إنْ لَبِثْتُمْ" عَلى الخَبَرِ، وأدْغَمَ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، (p-٣٢٦)والكِسائِيُّ التاءَ، والباقُونَ لا يُدْغِمُونَها، فَمَعْنى الأوَّلِ: إخْبارٌ بِأنَّ اللهَ يُوَفِّقُهم لِلسُّؤالِ عَنِ المُدَّةِ ثُمْ يَعْلَمُهم آخِرًا بِلَبْثِهِمْ قَلِيلًا، ومَعْنى الثانِيَةِ: الأمْرُ لِواحِدٍ مِنهم مُشارٌ إلَيْهِ، بِمَعْنى: يُقالُ لِأحَدِهِمْ قُلْ كَذا، فَإذا قالَ غَيْرَ القَوِيمِ قِيلَ لَهُ: قُلْ: إنْ لَبِثْتُمْ، ومَعْنى رِوايَةِ البِزِّيِّ: التَوْقِيفُ ثُمُ الإخْبارُ، وفي المَصاحِفِ "قالَ" فِيهِما، إلّا في مُصْحَفِ الكُوفَةِ فَإنَّ فِيهِ "قُلْ" بِغَيْرِ الألْفِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "فِي الأرْضِ"، قالَ الطَبَرِيُّ: مَعْناهُ: في الدُنْيا أحْياءً، وعن هَذا وقَعَ السُؤالُ، ونَسُوا لِفَرْطِ هَوْلِ العَذابِ حَتّى قالُوا: ﴿يَوْمًا أو بَعْضَ يَوْمٍ﴾. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والغَرَضُ مِن هَذا تَوْقِيفُهم عَلى أنَّ أعْمارَهم قَصِيرَةٌ، أدّاهُمُ الكُفْرُ فِيها إلى عَذابٍ طَوِيلٍ. وقالَ جُمْهُورُ المُتَأوِّلِينَ: في جَوْفِ التُرابِ أمْواتًا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا هو الأصْوَبُ مِن حَيْثُ أنْكَرُوا البَعْثَ وكانَ قَوْلُهُمْ: إنَّهم لا يَقُومُونَ مِنَ التُرابِ، قِيلَ لَهم لَمّا قامُوا: كَمْ لَبِثْتُمْ؟ وقَوْلُهُ آخِرًا: ﴿وَأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ يَقْتَضِي ما قُلْناهُ. و"عَدَدَ" نُصِبَ بِـ "كَمْ" عَلى التَمْيِيزِ. وقَرَأ الأعْمَشُ: "عَدَدًا سِنِينَ" بِتَنْوِينِ "عَدَدًا". وقالَ مُجاهِدٌ: أرادُوا بِـ "العادِّينَ" المَلائِكَةَ، وقالَ قَتادَةُ: أرادُوا أهْلَ الحِسابِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وظاهِرُ اللَفْظِ أنَّهم أرادُوا مَن يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِفَةِ ولَمْ يُعِينُوا مَلائِكَةً ولا غَيْرَها؛ لَأنَّ النائِمْ والمَيِّتَ لا يَعُدُّ الحَرَكَةَ فَيُقَدِّرُ لَهُ الزَمانَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلا قَلِيلا﴾ مَقْصِدُهُ -عَلى القَوْلِ بِأنَّ المُكْثَ في الدُنْيا- أيْ قَلِيلُ القَدْرِ في جَنْبِ ما تُعَذِّبُونَ، وعَلى القَوْلِ بِأنَّ المُكْثَ في القُبُورِ مَعْناهُ أنَّهُ قَلِيلٌ، (p-٣٢٧)إذْ كُلُّ آتٍ قَرِيبٌ، ولَكِنَّكم كَذَّبْتُمْ بِهِ إذْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ؛ إذْ لَمْ تَرْغَبُوا في العِلْمِ والهُدى. و"عَبَثًا" مَعْناهُ: باطِلًا لِغَيْرِ غايَةٍ مُرادَةٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "تَرْجِعُونَ" بِضَمِّ التاءِ وفَتْحِ الجِيمِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "تَرْجِعُونَ" بِفَتْحِ التاءِ وكَسْرِ الجِيمِ، والمَعْنى فِيها بَيِّنٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب