الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَتَرى الأرْضَ هامِدَةً فَإذا أنْزَلْنا عَلَيْها الماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ وأنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥] ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ هو الحَقُّ وأنَّهُ يُحْيِي المَوْتى وأنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿وَأنَّ الساعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وأنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن في القُبُورِ﴾ ﴿وَمِنَ الناسِ مَن يُجادِلُ في اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدًى ولا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾ ﴿ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عن سَبِيلِ اللهِ لَهُ في الدُنْيا خِزْيٌ ونُذِيقُهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَذابَ الحَرِيقِ﴾ ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وأنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾
هَذا هو المِثالُ الَّذِي يُعْطِي لِلْمُعْتَبِرِ فِيهِ جَوازَ بَعْثِ الأجْسادِ، وذَلِكَ أنَّ إحْياءَ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِها بَيِّنٌ، فَكَذَلِكَ الأجْسادِ، و "هامِدَةً" مَعْناها: ساكِنَةٌ دارِسَةٌ بالِيَةٌ، ومِنهُ قِيلَ: هَمَدَ الثَوْبُ إذا بَلِيَ، قالَ الأعْشى:
؎ قالَتْ قَتِيلَةُ ما لِجِسْمِكَ شاحِبًا وأرى ثِيابَكَ بالِياتٍ هَمَدا
و "اهْتِزازُ الأرْضِ" هو حَرَكَتُها بِالنَباتِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَعْتَرِيها بِالماءِ، و"رَبَتْ" مَعْناهُ: نَشَزَتْ وارْتَفَعَتْ، ومِنهُ الرَبْوَةُ، وهو المَكانُ المُرْتَفِعُ، وقَرَأ جَعْفَرُ بْنُ القَعْقاعِ: "وَرَبَأتْ" بِالهَمْزِ، ورُوِيَتْ عن أبِي عَمْرُو، وقَرَأها عَبْدُ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، (p-٢١٨)وَخالِدُ بْنُ إلْياسٍ، وهي غَيْرُ وجِيهَةٍ، ووَجْهُها أنْ تَكُونَ مِن: "رَبَأْتُ القَوْمَ" إذا عَلَوْتَ شَرَفًا مِنَ الأرْضِ طَلِيعَةً، فَكَأنَّ الأرْضَ بِالماءِ تَتَطاوَلُ وتَعْلُو. و"الزَوْجُ": النَوْعُ، و "البَهِيجُ" فَعِيلٌ مِنَ البَهْجَةِ وهي الحَسَنُ، قالَهُ قَتادَةُ وغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ هو الحَقُّ﴾ إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَـ "ذَلِكَ" ابْتِداءٌ، وخَبَرُهُ "بِأنَّ"، أيْ: هو بِأنَّ اللهَ حَقٌّ مُحْيِي قادِرٌ، وقَوْلُهُ: ﴿وَأنَّ الساعَةَ آتِيَةٌ﴾ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِما ذُكِرَ، لَكِنَّ المَعْنى أنَّ الأمْرَ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، أو عَلى تَقْدِيرِ: والأمْرُ أنَّ الساعَةَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِنَ الناسِ مَن يَعْبُدُ﴾ [الحج: ١١] الآيَةُ. الإشارَةُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: " ومِنَ الناسِ " إلى القَوْمِ المُتَقَدِّمْ ذَكْرُهُمْ، وحَكى النَقاشُ عن مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أنَّهُ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في الأخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ، وكَرَّرَ هَذِهِ عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ، فَكَأنَّهُ يَقُولُ: وهَذِهِ الأمْثالُ في غايَةِ الوُضُوحِ والبَيانِ، ومِنَ الناسِ مَعَ ذَلِكَ مَن يُجادِلُ، فَكَأنَّ الواوَ واوُ الحالِ، والآيَةُ المُتَقَدِّمَةُ الواوُ فِيها واوٌ عَطَفَتْ جُمْلَةَ الكَلامِ عَلى ما قَبِلَها، والآيَةُ عَلى مَعْنى الإخْبارِ، وهي ها هُنا مُكَرَّرَةٌ لِلتَّوْبِيخِ، و "ثانِيَ" حالٌ مِن ضَمِيرٍ في "يُجادِلُ"، ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مِن "مِنَ" لِأنَّها ابْتِداءٌ، والِابْتِداءُ عَمَلُهُ الرَفْعُ لا النَصْبُ، وإضافَةُ "ثانِيَ" غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِها؛ لِأنَّها في مَعْنى الِانْفِصالِ إذْ تَقْدِيرُها: ثانِيًا عِطْفِهِ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ثانِيَ عِطْفِهِ﴾ عِبارَةٌ عَنِ المُتَكَبِّرِ المُعْرِضِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما وغَيْرُهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وذَلِكَ أنَّ صاحِبَ الكِبْرِ يَرُدُّ وجْهَهُ عَمّا يَتَكَبَّرُ عنهُ، فَهو يَرُدُّ وجْهَهُ يُصَعِّرُ خَدَّهُ ويَلْوِي عُنُقَهُ، ويَثْنِي عِطْفِهِ، وهَذِهِ هي عِباراتُ المُفَسِّرِينَ. و "العِطْفُ": الجانِبُ. وقَرَأ الحَسَنُ: "عِطْفُهُ" بِفَتْحِ العَيْنِ، والعِطافُ: السَيْفُ؛ لِأنَّ صاحِبَهُ يَتَعَطَّفُهُ، أيْ يَصِلُهُ (p-٢١٩)بِجَنْبِهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "لِيُضِلَّ" بِضَمِّ الياءِ، وقَرَأ مُجاهِدُ وأهْلُ مَكَّةَ: "لِيَضِلَّ" بِفَتْحِ الياءِ، وكَذَلِكَ قَرَأ أبُو عَمْرُو. و "الخِزْيِ": الَّذِي تَوَعَّدَ بِهِ النَضْرُ بْنُ الحارِثِ في أسْرِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وقَتْلِهِ بالصَفْراءِ و"الحَرِيقُ": طَبَقَةٌ مِن طَبَقاتِ جَهَنَّمَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ بِمَعْنى: يُقالُ لَهُ، ونَسَبَ التَقْدِيمَ إلى اليَدَيْنِ إذْ هُما آلَةُ الِاكْتِسابِ، واُخْتُلِفَ في الوَقْفِ عَلى "يَداكَ" فَقِيلَ: لا يَجُوزُ لِأنَّ التَقْدِيرَ: وبِأنَّ اللهَ، أيْ أنَّ هَذا هو العَدْلُ فِيكَ بِجَرائِمِكَ، وقِيلَ: يَجُوزُ بِمَعْنى: والأمْرُ أنَّ اللهَ تَعالى لَيْسَ بِظَلّامٍ. و "العَبِيدُ" هُنا ذُكِرُوا في مَعْنى مَكْسَنَتِهِمْ وقِلَّةِ قُدْرَتِهِمْ، فَلِذَلِكَ جاءَتْ هَذِهِ الصِيغَةُ.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّهُۥ یُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ","وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِیَةࣱ لَّا رَیۡبَ فِیهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ یَبۡعَثُ مَن فِی ٱلۡقُبُورِ","وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَلَا هُدࣰى وَلَا كِتَـٰبࣲ مُّنِیرࣲ","ثَانِیَ عِطۡفِهِۦ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱۖ وَنُذِیقُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ","ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ یَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ"],"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَلَا هُدࣰى وَلَا كِتَـٰبࣲ مُّنِیرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق