الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿يا أيُّها الناسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا ولَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُبابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطالِبُ والمَطْلُوبُ﴾ ﴿ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
الخِطابُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ﴾ قِيلَ: هو خِطابٌ يَعُمُ العالَمَ، وقِيلَ: هو خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ حِينَئِذٍ الَّذِينَ أرادَ اللهُ -تَعالى- أنْ يُبَيِّنَ عِنْدَهم خَطَأ الكافِرِينَ، ولا شَكَّ أنَّ المُخاطَبَ هم ولَكِنَّهُ خِطابٌ يَعُمْ جَمِيعَ الناسِ، مَتى نَظَرَهُ أحَدٌ في أمْرِ عِبادَةِ الأوثانِ تَوَجَّهَ لَهُ الخِطابُ.
واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في فاعِلِ "ضُرِبَ"، مَن هُوَ؟ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: المَعْنى: ضُرِبَ أهْلُ الكُفْرِ مَثَلًا لِلَّهِ أصْنامَهم وأوثانَهم. فاسْتَمِعُوا أنْتُمْ أيُّها الناسُ لِأمْرِ هَذِهِ الآلِهَةِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: المَعْنى: ضَرَبَ اللهُ تَعالى مَثَلًا لِهَذِهِ الأصْنامِ وهو كَذا وكَذا، فالمِثالُ والمَثَلُ في القَوْلِ الأوَّلِ هي الأصْنامُ، والَّذِي جُعِلَ لَهُ المِثالُ اللهُ -تَعالى- والمِثالُ في التَأْوِيلِ الثانِي هو في الذُبابِ وأمْرُهُ، والَّذِي جُعِلَ لَهُ هي الأصْنامُ، ومَعْنى "ضُرِبَ": أُثْبِتَ وأُلْزِمْ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِلَّةُ﴾ [آل عمران: ١١٢]، وقَوْلُنا: ضُرِبَتِ الجِزْيَةُ وضُرِبَ البَعْثُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "ضُرِبَ المَثَلُ" مِنَ الضَرْبِ الَّذِي هو المَثَلُ، ومِن قَوْلِكَ: "هَذا ضَرْبٌ هَذا"، فَكَأنَّهُ قالَ: مِثْلَ مَثَلٍ.
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يَدْعُونَ" بِالياءِ مِن تَحْتِ، والضَمِيرُ لِلْكُفّارِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يُدْعَوْنَ" بِضَمِّ الياءِ وفَتَحَ العَيْنَ عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ والضَمِيرُ لِلْأصْنامِ.
وبَدَأ -تَعالى- بِنَفْيِ الخَلْقِ والِاخْتِراعِ عنهم مِن حَيْثُ هي صِفَةٌ ثابِتَةٌ لَهُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ، (p-٢٧٤)فَكَأنَّهُ قالَ: لَيْسَ لَهم صِفَتِي، ثُمْ ثَنّى بِالأمْرِ الَّذِي بَلَغَ بِهِمْ غايَةَ التَعْجِيزِ، وذَكَرَ تَعالى أمْرَ سَلْبِ الذُبابِ لِأنَّهُ كانَ كَثِيرًا مَحْسُوسًا عِنْدَ العَرَبِ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يُضَمِّخُونَ أوثانَهم بِأنْواعِ الطَيِّبِ فَكانَ الذُبابُ يَذْهَبُ بِذَلِكَ، وكانُوا مُتَألِّمِينَ مِن هَذِهِ الجِهَةِ فَجُعِلَتْ مَثَلًا. و"الذُبابُ" جَمْعُهُ "أذُبَّةٌ" في القَلِيلِ و"ذِبّانٌ" في الكَثِيرِ كَغُرابُ وأغْرِبَةٌ وغِرْبانٌ، ولا يُقالُ ذُباباتٌ إلّا في الذُيُولِ لا في الحَيَوانِ.
واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ضَعُفَ الطالِبُ والمَطْلُوبُ﴾ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: أرادَ بِالطالِبِ الأصْنامَ وبِالمَطْلُوبِ الذُبابَ -أيْ: أنَّهم يَنْبَغِي أنْ يَكُونُوا طالِبِينَ لِما سُلِبَ مِن طِيبِهِمْ عَلى مَعْهُودِ الأنَفَةِ مِنَ الحَيَوانِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ ضَعُفَ الكُفّارُ في طَلَبِهِمُ الصَوابَ والفَضِيلَةَ مِن جِهَةِ الأصْنامِ، وضَعُفَ الأصْنامُ في إعْطاءِ ذَلِكَ وإنالَتِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ -رَحِمَهُ اللهُ:
ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ ضَعُفَ الطالِبُ وهو الذُبابُ في اسْتِلابِهِ ما عَلى الأصْنامِ، وضَعُفَ الأصْنامُ في ألّا مَنَعَةَ لَهُمْ، وعَلى كُلِّ قَوْلٍ فَدَلَّ ضَعْفُ الذُبابِ الَّذِي هو مَحْسُوسٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وضَعْفُ الأصْنامِ في ألّا مَنَعَةَ لَهم عن هَذا المُجْمَعِ عَلى ضَعْفِهِ عَلى أنَّ الأصْنامَ في أحَطِّ رُتْبَةٍ وأخَسِّ مَنزِلَةٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ خِطابٌ لِلنّاسِ المَذْكُورِينَ، والضَمِيرُ في "قَدَرُوا" لِلْكُفّارِ، والمَعْنى: ما وفَّوْهُ حَقَّهُ مِنَ التَعْظِيمِ والتَوْحِيدِ، ثُمْ أخْبَرَ بِقُوَّةِ اللهِ -تَعالى- وعِزَّتِهِ، وهُما صِفَتانِ مُناقِضَتانِ لِعَجْزِ الأصْنامِ.
{"ayahs_start":73,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلࣱ فَٱسۡتَمِعُوا۟ لَهُۥۤۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن یَخۡلُقُوا۟ ذُبَابࣰا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُوا۟ لَهُۥۖ وَإِن یَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَیۡـࣰٔا لَّا یَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ","مَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ"],"ayah":"مَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق