الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَمِنَ الناسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإنْ أصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأنَّ بِهِ وإنْ أصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وجْهِهِ خَسِرَ الدُنْيا والآخِرَةَ ذَلِكَ هو الخُسْرانُ المُبِينُ﴾ ﴿يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وما لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هو الضَلالُ البَعِيدُ﴾ ﴿يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ لَبِئْسَ المَوْلى ولَبِئْسَ العَشِيرُ﴾
هَذِهِ الآياتُ نَزَلَتْ في أعْرابٍ وقَوْمٍ لا يَقِينَ لَهُمْ، كانَ أحَدُهم إذا أسْلَمَ فاتَّفَقَتْ لَهُ اتِّفاقاتٌ حَسّانٌ مِن نُمُوِّ مالٍ ووَلَدٍ ذَكَرٍ يَرْزُقُهُ وغَيْرِ ذَلِكَ قالَ: هَذا دِينٌ جَيِّدٌ، وتَمَسَّكَ بِهِ لِهَذِهِ المَعانِي، وإنْ كانَ الأمْرُ بِخِلافٍ تَشاءَمَ بِهِ وارْتَدَّ كَما صَنَعَ العُرَنِيُّونَ وغَيْرُهم. قالَ هَذا المَعْنى ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وغَيْرُهم.
وقَوْلُهُ تَعالى: "عَلى حَرْفٍ" مَعْناهُ: عَلى انْحِرافٍ مِنهُ عَنِ العَقِيدَةِ البَيْضاءِ، أو عَلى شَفًا مِنها، مُعَدٌّ لِلزَّهُوقِ، و "الفِتْنَةُ": الِاخْتِبارُ، وقَوْلُهُ: ﴿انْقَلَبَ عَلى وجْهِهِ﴾ عِبارَةٌ (p-٢٢٠)لِلْمُوَلِّي عَنِ الأُمُورِ. و "خَسارَتُهُ الدُنْيا والآخِرَةَ" أمّا الدُنْيا فَبِالمَقادِيرِ الَّتِي جَرَتْ عَلَيْهِ، وأمّا الآخِرَةُ فَبِارْتِدادِهِ وسُوءِ مُعْتَقَدِهِ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، وحَمْزَةُ، والأعْرَجُ: "خاسِرَ الدُنْيا والآخِرَةَ" نَصْبًا عَلى الحالِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما لا يَضُرُّهُ وما لا يَنْفَعُهُ﴾ يُرِيدُ الأوثانَ، ومَعْنى "يَدْعُو": يَعْبُدُ، ويَدْعُو أيْضًا في مُلِمّاتِهِ. واخْتَلَفَ الناسُ في قَوْلِهِ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ﴾ فَقالَتْ فِرْقَةٌ مِنَ الكُوفِيِّينَ: اللامُ مُقَدَّمَةٌ عَلى مَوْضِعِها، وإنَّما التَقْدِيرُ: يَدْعُو مَن يَضُرُّهُ، ويُؤَيِّدُ هَذا التَأْوِيلَ أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَرَأ: "يَدْعُو مَن ضَرَّهُ"، وقالَ الأخْفَشُ: "يَدْعُو" بِمَعْنى يَقُولُ، و "مِن" مُبْتَدَأٌ، و "ضَرُّهُ" مُبْتَدَأٌ، و "أقْرَبُ" خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ صِلَةٌ، وخَبَرُ "مِن" مَحْذُوفٌ، والتَقْدِيرُ: يَقُولُ لِمَن ضَرَّهُ أقْرَبُ مِنهُ نَفْعُهُ: إلَهٌ، وشِبْهُ هَذا يَقُولُ عنتَرَةُ:
؎ يَدْعُونَ عنتَرَ والرِماحَ كَأنَّها...........................
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا قَوْلٌ فِيهِ نَظَرٌ، فَتَأمَّلْ إفْسادَهُ لِلْمَعْنى إذْ لَمْ يَعْتَقِدِ الكافِرُ قَطُّ أنَّ ضُرَّ الأوثانِ أقْرَبُ مِن نَفْعِها، واعْتِذارُ أبِي عَلِيٍّ هَنا مُمَوَّهٌ، وأيْضًا فَهو لا يُشَبِّهُ البَيْتَ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ. وقِيلَ: المَعْنى في "يَدْعُو" يُسَمّى، وهَذا كالقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ إلّا أنَّ المَحْذُوفَ آخِرًا مَفْعُولٌ تَقْدِيرُهُ: إلَهًا. وقالَ الزَجاجُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ "يَدْعُو" في مَوْضِعِ الحالِ وفِيهِ هاءٌ مَحْذُوفَةٌ، والتَقْدِيرُ: ذَلِكَ هو الضَلالُ البَعِيدُ، أيْ: يَدَّعُوهُ، فَيُوقِفُ عَلى هَذا. قالَ أبُو عَلِيٍّ: ويَحْسُنُ أنْ يَكُونَ "ذَلِكَ" بِمَعْنى: الَّذِي، أيِ: الَّذِي هو (p-٢٢١)الضَلالُ البَعِيدُ يَدْعُو، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: "ذَلِكَ" مَوْصُولًا بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ الضَلالُ البَعِيدُ﴾، ويَكُونُ "يَدْعُو" عامِلًا في قَوْلِهِ: "ذَلِكَ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
كَوْنُ "ذَلِكَ" بِمَعْنى "الَّذِي" غَيْرُ سَهْلٍ، وشَبَّهَهُ المَهَدَوِيُّ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ﴾ [طه: ١٧]. وقَدْ يَظْهَرُ في الآيَةِ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "يَدْعُو" مُتَّصِلًا بِما قَبْلَهُ، ويَكُونُ فِيهِ مَعْنى التَوْبِيخِ، كَأنَّهُ قالَ: يَدْعُو مَن لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ، ثُمْ كَرَّرَ "يَدْعُو" -عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ- غَيْرَ مُعَدّى؛ إذْ قَدْ عُدِّيَ أوَّلُ الكَلامِ، ثُمُ ابْتَدَأ الإخْبارَ بِقَوْلِهِ: "لَمَن ضَرُّهُ" واللامُ مُؤْذِنَةُ بِمَجِيءِ القِسْمِ، والثانِيَةُ الَّتِي في "لَبِئْسَ" لامُ القَسَمِ وإنْ كانَ أبُو عَلِيًّ مالَ إلى أنَّها لامُ الِابْتِداءِ والثانِيَةُ لامُ اليَمِينِ، ويَظْهَرُ أيْضًا في الآيَةِ أنْ يَكُونَ المُراُدُ: يَدْعُو مِن ضَرَّهُ، ثُمْ عَلَّقَ الفِعْلَ بِاللامِ، وصَحَّ أنْ يُقَدَّرَ هَذا الفِعْلُ مِنَ الأفْعالِ الَّتِي تُعَلَّقُ وهي أفْعالُ النَفْسِ كَظَنَنْتَ وحَسِبَتْ، وأشارَ أبُو عَلِيٍّ إلى هَذا ورَدَ عَلَيْهِ.
و "العَشِيرُ": القَرِيبُ المُعاشِرُ في الأُمُورِ، وذَهَبَ الطَبَرِيُّ إلى أنَّ المُرادَ بِـ "المَوْلى" و "العَشِيرِ" هو الوَثَنُ الَّذِي ضَرَّهُ أقْرَبُ مِن نَفْعِهِ، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ، واللهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":11,"ayahs":["وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفࣲۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ","یَدۡعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَضُرُّهُۥ وَمَا لَا یَنفَعُهُۥۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلۡبَعِیدُ","یَدۡعُوا۟ لَمَن ضَرُّهُۥۤ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦۚ لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِیرُ"],"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفࣲۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق