الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿بَلْ قالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ بَلْ افْتَراهُ بَلْ هو شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ ﴿ما آمَنَتْ قَبْلَهم مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أفَهم يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَما أرْسَلْنا قَبْلَكَ إلا رِجالا نُوحِي إلَيْهِمْ فاسْألُوا أهْلَ الذِكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَما جَعَلْناهم جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَعامَ وما كانُوا خالِدِينَ﴾
لَمّا اقْتَضَتِ الآيَةُ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أنَّهم قالُوا إنَّ ما عِنْدَهُ سِحْرٌ، عَدَّدَ اللهُ تَعالى في هَذِهِ جَمِيعَ ما قالَتْهُ طَوائِفُهُمْ، ووَقَعَ الإضْرابُ بِكُلِّ مَقالَةٍ عَنِ المُتَقَدِّمَةِ لَها لِيَتَبَيَّنَ اضْطِرابُ أمْرِهِمْ، فَهو إضْرابٌ عن جَحْدٍ مُتَقَدِّمْ لِأنَّ الثانِي لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ في نَفْسِهِ. و"الأضْغاثُ": الأخْلاطُ، وأصْلُ الضِغْثِ: القَبْضَةُ المُخْتَلِطَةُ مِنَ العُشْبِ والحَشِيشِ، فَشُبِّهَتْ تَخالِيطُ الحُلْمِ بِذَلِكَ، وهو ما لا يَتَفَسَّرُ ولا يَتَحَصَّلُ، ثُمْ حَكى قَوْلَ مَن قالَ: إنَّهُ مُفْتَرٍ قاصِدٌ لِلْكَذِبِ،ثُمْ حُكِيَ قَوْلُ مَن قالَ: شاعِرٌ، وهي مَقالَةُ فِرْقَةٍ عامِّيَّةٍ مِنهُمْ، لِأنَّ نُبَلاءَ العَرَبِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ بِالبَدِيهَةِ أنَّ مَبانِيَ القُرْآنِ لَيْسَتْ مَبانِي شِعْرٍ، ثُمْ حَكى (p-١٥٤)اقْتِراحَهم وتَمَنِّيهِمْ آيَةً تَضْطَرُّهم وتَكُونُ في غايَةِ الوُضُوحِ كَناقَةِ صالِحٍ عَلَيْهِ السَلامُ وغَيْرِها. وقَوْلُهُ: ﴿كَما أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ دالٌّ عَلى مَعْرِفَتِهِمْ بِإتْيانِ الرُسُلِ الأُمَمَ المُتَقَدِّمَةَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما آمَنَتْ قَبْلَهم مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها﴾ قَبْلَهُ كَلامٌ مُقَدَّرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ المَعْنى، تَقْدِيرُهُ: والآيَةُ الَّتِي طَلَبُوها عادَتُنا أنَّ القَوْمَ إنْ كَفَرُوا بِها عاجَلْناهُمْ، وما آمَنَتْ قَرْيَةٌ مِنَ القُرى الَّتِي نَزَلَتْ بِها هَذِهِ النازِلَةُ، أفَهَذِهِ كانَتْ تُؤْمِنُ. وقَوْلُهُ: "أهْلَكْناها" جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الصِفَةِ لِلْقَرْيَةِ، والجُمْلَةُ إذا اتَّبَعَتِ النَكِراتِ فَهي صِفاتٌ لَها، وإذا اتَّبَعَتِ المَعارِفَ فَهي أحْوالٌ مِنها.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أرْسَلْنا قَبْلَكَ إلا رِجالا﴾ رَدٌّ عَلى فِرْقَةٍ مِنهم كانُوا يَسْتَبْعِدُونَ أنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنَ البَشَرِ رَسُولًا يَشُفُّ عَلى نَوْعِهِ مِنَ البَشَرِ بِهَذا القَدْرِ مِنَ الفَضْلِ، فَمَثَّلَ اللهُ تَعالى في الرَدِّ عَلَيْهِمْ بِمَن سَبَقَ مِنَ الرُسُلِ مِنَ البَشَرِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يُوحى" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمْ: "نُوحِي" بِالنُونِ، ثُمْ أحالَهم عَلى سُؤالِ أهْلِ الذِكْرِ مِن حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ قُرَيْشٍ كِتابٌ ولا أثارَةٌ مِن عِلْمٍ.
واخْتَلَفَ الناسُ في أهْلِ الذِكْرِ، مَن هُمْ؟ فَرُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ أنَّهُ قالَ: أنا مِن أهْلِ الذِكْرِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هم أحْبارُ أهْلِ الكِتابِ، ورُوِيَ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: أنا مِن أهْلِ الذِكْرِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هم أهْلُ القُرْآنِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا مَوْضِعٌ يَنْبَغِي أنْ يُتَأمَّلَ؛ وذَلِكَ أنَّ الذَكَرَ هو كُلُّ ما يَأْتِي مِن تَذْكِيرِ اللهِ عِبادَهُ، فَأهْلُ القُرْآنِ أهْلُ ذِكْرٍ، وهَذا أرادَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وأمّا المُحالُ عَلى سُؤالِهِمْ في هَذِهِ الآيَةِ فَلا يَصِحُّ أنْ يَكُونُوا أهْلَ القُرْآنِ في ذَلِكَ الوَقْتِ؛ لِأنَّهم كانُوا خُصُومَهُمْ، وإنَّما أُحِيلُوا عَلى سُؤالِ أحْبارِ أهْلِ الكِتابِ مِن حَيْثُ كانُوا مُوافِقِينَ لَهم عَلى تَرْكِ الإيمانِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَتَجِيءُ شَهادَتُهم - بِأنَّ الرُسُلَ قَدِيمًا مِنَ البَشَرِ لا مَطْعَنَ فِيها - لازِمَةٌ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما جَعَلْناهم جَسَدًا﴾، قِيلَ: الجَسَدُ مِنَ الأشْياءِ يَقَعُ عَلى ما لا (p-١٥٥)يَتَغَذّى، ومِنهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿عِجْلا جَسَدًا﴾ [طه: ٨٨]، فَمَعْنى هَذا: ما جَعَلْناهم أجْسادًا لا تَتَغَذّى، وقِيلَ: الجَسَدُ يَعُمُ المُتَغَذِّي مِنَ الأجْسامِ وغَيْرَ المُتَغَذِّي. فالمَعْنى: ما جَعَلْناهم أجْسادًا وجَعَلْناهم مَعَ ذَلِكَ لا يَأْكُلُونَ الطَعامَ كالجَماداتِ أو كالمَلائِكَةِ، فَـ ﴿جَعَلْناهم جَسَدًا﴾ عَلى التَأْوِيلِ الأوَّلِ مَنفِيٌّ، وعَلى الثانِي مُوجَبٌ والنَفْيُ واقِعٌ عَلى صِفَتِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَأْكُلُونَ الطَعامَ﴾ كِنايَةٌ عَنِ الحَدَثِ، ثُمْ نَفى عنهُمُ الخُلْدَ لِأنَّهُ مِن صِفاتِ القَدِيمِ، وكُلُّ مُحْدَثٍ فَغَيْرُ خالِدٍ في دارِ الدُنْيا.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["بَلۡ قَالُوۤا۟ أَضۡغَـٰثُ أَحۡلَـٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرࣱ فَلۡیَأۡتِنَا بِـَٔایَةࣲ كَمَاۤ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ","مَاۤ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَاۤۖ أَفَهُمۡ یُؤۡمِنُونَ","وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ","وَمَا جَعَلۡنَـٰهُمۡ جَسَدࣰا لَّا یَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا۟ خَـٰلِدِینَ"],"ayah":"وَمَا جَعَلۡنَـٰهُمۡ جَسَدࣰا لَّا یَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا۟ خَـٰلِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق