الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا إبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وكُنّا بِهِ عالِمِينَ﴾ ﴿إذْ قالَ لأبِيهِ وقَوْمِهِ ما هَذِهِ التَماثِيلُ الَّتِي أنْتُمْ لَها عاكِفُونَ﴾ ﴿قالُوا وجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ﴾ ﴿قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أنْتُمْ وآباؤُكم في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿قالُوا أجِئْتَنا بِالحَقِّ أمْ أنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ﴾ ﴿قالَ بَلْ رَبُّكم رَبُّ السَماواتِ والأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وأنا عَلى ذَلِكم مِنَ الشاهِدِينَ﴾ ﴿وَتاللهِ لأكِيدَنَّ أصْنامَكم بَعْدَ أنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ ﴿فَجَعَلَهم جُذاذًا إلا كَبِيرًا لَهم لَعَلَّهم إلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ الرُشْدُ عامٌّ في هِدايَتِهِ إلى رَفْضِ الأصْنامِ، وفي هِدايَتِهِ في أمْرِ الكَوْكَبِ والشَمْسِ والقَمَرِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُبُوَّةِ فَما دُونَها. وقالَ بَعْضُهم مَعْناهُ: وُفِّقَ لِلْخَيْرِ صَغِيرًا، وهَذا (p-١٧٥)كُلُّهُ مُتَقارِبٌ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: "مِن قَبْلُ" مَعْناهُ: مِن قَبْلِ مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَلامُ، فَبِهَذِهِ الإضافَةِ هو قَبْلُ كَما هي نِسْبَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَلامُ مِنهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكُنّا بِهِ عالِمِينَ﴾ مَدْحٌ لِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ، أيْ أنَّهُ يَسْتَحِقُّ ما أُهِّلَ لَهُ، وهَذا نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤]، والعامِلُ في "إذْ" قَوْلُهُ: "آتَيْنا"، و"التَماثِيلُ": الأصْنامُ؛ لِأنَّها كانَتْ عَلى صُورَةِ الإنْسانِ مِن خَشَبٍ، و"العُكُوفُ": المُلازَمَةُ لِلشَّيْءِ. وقَوْلُهُ: "فَطَرَهُنَّ" عِبارَةٌ عنها كَأنَّها تَعْقِلُ، وهَذِهِ مِن حَيْثُ لَها طاعَةٌ وانْقِيادٌ، وقَدْ وُصِفَتْ في مَواضِعَ بِما يُوصَفُ بِهِ مَن يَعْقِلُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتاللهِ لأكِيدَنَّ﴾ الآيَةَ. رُوِيَ أنَّهم حَضَرَهم عِيدٌ لَهم فَعَزَمَ قَوْمٌ مِنهم عَلى حُضُورِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ مَعَهم طَمَعًا مِنهم أنْ يَسْتَحْسِنَ شَيْئًا مِن أخْبارِهِمْ، فَمَشى مَعَهُمْ، فَلَمّا كانَ في الطَرِيقِ عَزَمَ عَلى التَخَلُّفِ عنهُمْ، فَقَعَدَ وقالَ لَهُمْ: إنِّي سَقِيمٌ، فَمَرَّ بِهِ جُمْهُورُهُمْ، ثُمْ قالَ في خَلْوَةٍ مِن نَفْسِهِ: ﴿وَتاللهِ لأكِيدَنَّ أصْنامَكُمْ﴾، وسَمِعَهُ قَوْمٌ مِن ضَعَفَتِهِمْ مِمَّنْ كانَ يَسِيرُ في آخِرِ الناسِ. وقَوْلُهُ: ﴿بَعْدَ أنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ مَعْناهُ: إلى عِيدِهِمْ، ثُمُ انْصَرَفَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَلامُ إلى بَيْتِ أصْنامِهِمْ وحْدَهُ فَدَخَلَ ومَعَهُ قَدُومٌ، فَوَجَدَ الأصْنامَ وقَفَتْ، أكَبَرُها في الأوَّلِ ثُمُ الَّذِي يَلِيهِ فالَّذِي يَلِيهِ، وقَدِ جَعَلُوا أطْعِمَتَهم في ذَلِكَ اليَوْمِ بَيْنَ يَدَيِ الأصْنامِ تَبَرُّكًا بِها لِيَنْصَرِفُوا مِن ذَلِكَ العِيدِ إلى أكْلِهِ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ السَلامُ يَقْطَعُها بِذَلِكَ القَدُومِ ويُهَشِّمُها، حَتّى أفْسَدَ أشْكالَها كُلَّها، حاشى الكَبِيرَ فَإنَّهُ تَرَكَهُ بِحالِهِ وعَلَّقَ القَدُومَ مِن يِدِهِ وخَرَجَ عنها. و"جُذاذًا" مَعْناهُ قِطَعًا صِغارًا، والجَذُّ: القَطْعُ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "جُذاذًا" بِضَمِّ الجِيمِ، وقَرَأ الكِسائِيُّ وحْدَهُ بِكَسْرِها، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو نَهِيكٍ، وأبُو السَمّاكِ بِفَتْحِها، وهي لُغاتٌ، والمَعْنى واحِدٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: "فَجَعَلَهُمْ" ونُحْوُهُ مُعامَلَةٌ لِلْأصْنامِ بِحالِ مَن يَعْقِلُ مِن حَيْثُ كانَتْ تُعْبَدُ وتُنَزَّلُ مَنزِلَةَ مَن يَعْقِلُ، والضَمِيرُ في "إلَيْهِ" أظْهَرُ ما فِيهِ أنَّهُ عائِدٌ عَلى إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ، أيْ فَعَلَ هَذا كُلَّهُ تَوَخِّيًا مِنهُ أنْ يَعْقِبَ ذَلِكَ مِنهم رَجْعَةٌ إلَيْهِ وإلى شَرْعِهِ، (p-١٧٦)وَيُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ الضَمِيرُ عَلى الكَسْرِ المَتْرُوكِ، ولَكِنْ يُضْعِفُ ذَلِكَ دُخُولُ التَرَجِّي في الكَلامِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب