الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَنَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وإنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها وكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الفُرْقانَ وضِياءً وذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم بِالغَيْبِ وهم مِنَ الساعَةِ مُشْفِقُونَ﴾ ﴿وَهَذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أنْزَلْناهُ أفَأنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾
لَمّا تَوَعَدَهم بِنَفْحَةٍ مِن عَذابِ الدُنْيا عَقَّبَ ذَلِكَ بِتَوَعُّدٍ بِوَضْعِ المَوازِينَ، وإنَّما جَمَعَها وهي مِيزانٌ واحِدٌ لِأنَّ لِكُلِّ أحَدٍ وزْنًا يَخُصُّهُ، ووَحَّدَ "القِسْطَ" وهو قَدْ جاءَ بِلَفْظِ المَوازِينَ مَجْمُوعًا مِن حَيْثُ "القِسْطُ" مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهَ، كَما تَقُولُ: "قَوْمٌ عَدْلٌ ورِضًى". وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "القِصْطَ" بِالصادِ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: "لِيَوْمِ القِيامَةِ" أيْ: لِحِسابِ يَوْمِ القِيامَةِ، أو لِحُكْمِ يَوْمِ القِيامَةِ، فَهو بِتَقْدِيرِ حَذْفِ مُضافٍ.
والجُمْهُورُ عَلى أنَّ المِيزانَ في يَوْمِ القِيامَةِ بِعَمُودٍ وكِفَّتَيْنِ تُوزَنُ بِهِ الأعْمالُ، لِيُبَيَّنَ لِلنّاسِ المَحْسُوسَ المَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ، والخِفَّةُ والثِقَلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأجْسامٍ يُقْرِنُها اللهُ تَعالى يَوْمَ القِيامَةِ بِالأعَمْالِ، فَإمّا أنْ تَكُونَ صُحُفَ الأعْمالِ أو مِثالاتٍ تُخْلَقُ أو ما شاءَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى.
وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ: "مِثْقالُ" بِالرَفْعِ عَلى أنْ تَكُونَ مُسْتَأنْفَةً، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "مِثْقالَ" بِالنَصْبِ عَلى مَعْنى: وإنْ كانَ الشَيْءُ أوِ العَمَلُ مِثْقالَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "أتَيْنا" عَلى مَعْنى: جِئْنا، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وغَيْرُهُما: "آتَيْنا" عَلى مَعْنى: واتَيْنا مِنَ المُواتاةِ، ولا يَقْدِرُ يُفَسِّرُ "آتَيْنا" بِأعْطَيْنا لَمّا تَعَدَّتْ بِحَرْفِ جَرٍّ.
(p-١٧٤)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُوَهِّنُ هَذِهِ القِراءَةَ أنَّ تَبْدِيلَ الواوِ المَفْتُوحَةِ هَمْزَةً لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وإنَّما يُعْرَفُ ذَلِكَ في المَضْمُومَةِ أوِ المَكْسُورَةِ، وفي قَوْلِهِ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿وَكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾ تَوَعُّدٌ. ثُمْ عَقَّبَ سَبْحانَهُ وتَعالى بِأمْرِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ.
و"الفُرْقانُ" فِيما قالَتْ فِرْقَةٌ: التَوْراةُ، وهي "الضِياءُ والذِكْرُ"، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وحَمْزَةُ: "ضِئاءُ" بِهَمْزَتَيْنِ قَبْلَ الألِفِ وبَعْدَها، وقَرَأ الباقُونَ: "ضِياءُ" بِهَمْزَةٍ واحِدَةٍ بَعْدَ الألِفِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: "الفُرْقانُ ضِياءٌ" بِغَيْرِ واوٍ، وهي قِراءَةُ عِكْرِمَةَ والضَحاكِ، وهَذِهِ القِراءَةُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ مَن قالَ: المُرادُ بِذَلِكَ كُلِّهِ التَوْراةُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: "الفُرْقانُ" هو ما رَزَقَهُ اللهُ مِن نَصْرٍ وظُهُورِ حُجَّةٍ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا فَرَّقَ بِينَ أمْرِهِ وبَيْنَ أمْرِ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللهُ، و"الضِياءُ" التَوْراةُ، و"الذِكْرُ" بِمَعْنى التَذْكِرِ. وقَوْلُهُ: "بِالغَيْبِ" يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها في غَيْبِهِمْ وخَلَواتِهِمْ وحَيْثُ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ أحَدٌ، وهَذا أرْجَحُها، والثانِي أنَّهم يَخْشَوْنَ اللهَ عَلى أنَّ أمْرَهُ تَعالى غائِبٌ عنهُمْ، وإنَّما اسْتَدَلُّوا بِدَلائِلَ لا بِمُشاهَدَةٍ، والثالِثُ أنَّهم يَخْشَوْنَ اللهَ رَبَّهم بِما أعْلَمَهم بِهِ مِمّا غابَ عنهم مِن أمْرِ آخِرَتِهِمْ ودُنْياهُمْ، و"الإشْفاقُ": أشَدُّ الخَشْيَةِ، و"الساعَةُ": القِيامَةُ، وقَوْلُهُ تَعالى: "وَهَذا" إشارَةٌ إلى القُرْآنِ، و"أنْزَلْناهُ" إمّا أنْ يَكُونَ بِمَعْنى أثْبَتْناهُ، كَما تَقُولُ: أنْزَلَ الشَيْطانُ فُلانًا بِمَكانِ كَذا إذا أثْبَتَهُ، وإمّا أنْ يَتَعَلَّقَ النُزُولُ بِالمَلَكِ، ثُمْ وقَفَهم تَبارَكَ وتَعالى تَقْرِيرًا وتَوْبِيخًا، هَلْ يَصِحُّ لَهم إنْكارُ بَرَكَتِهِ وما فِيهِ مِنَ الدُعاءِ إلى اللهِ تَعالى وإلى صالِحِ العَمَلِ؟
{"ayahs_start":47,"ayahs":["وَنَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰزِینَ ٱلۡقِسۡطَ لِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَیۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِینَ","وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِیَاۤءࣰ وَذِكۡرࣰا لِّلۡمُتَّقِینَ","ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَیۡبِ وَهُم مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشۡفِقُونَ","وَهَـٰذَا ذِكۡرࣱ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَـٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ"],"ayah":"وَهَـٰذَا ذِكۡرࣱ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَـٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق