الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكم بِاللَيْلِ والنَهارِ مَن الرَحْمَنِ بَلْ هم عن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ ﴿أمْ لَهم آلِهَةٌ تَمْنَعُهم مِن دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أنْفُسِهِمْ ولا هم مِنّا يُصْحَبُونَ﴾ ﴿بَلْ مَتَّعْنا هَؤُلاءِ وآباءَهم حَتّى طالَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ أفَلا يَرَوْنَ أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِن أطْرافِها أفَهُمُ الغالِبُونَ﴾ المَعْنى: قُلْ يا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاءِ الكَفَرَةِ المُسْتَهْزِئِينَ بِكَ وبِما جِئْتَ بِهِ الكافِرِينَ بِذْكِرِ الرَحْمَنِ الجاهِلِينَ بِهِ، قُلْ لَهم عَلى جِهَةِ التَقْرِيعِ والتَوْبِيخِ: مَن يَحْفَظُكُمْ؟ و"كَلَأ" مَعْناهُ حَفِظَ، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ «اكْلَأْ لَنا الفَجْرَ»، وفي آخِرِ الكَلامِ تَقْدِيرٌ مَحْذُوفٌ، كَأنَّهُ قالَ: لَيْسَ لَهم مانِعٌ ولا كالِئٌ، وعَلى هَذا المَعْنى تَرَكَّبَتْ "بَلْ" في قَوْلِهِ سُبِحانَهُ: ﴿بَلْ هم عن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾، ثُمْ يَقْضِي عَلَيْهِمُ التَقْرِيرُ في أنَّهُ لا مانِعَ لَهم مِنَ اللهِ بِأنْ كَشَفَ أمْرَ آلِهَتِهِمْ، والمَعْنى: يَظُنُّونَ أنَّ آلِهَتَهُمُ الَّتِي بِهَذِهِ الصِفَةِ تَمْنَعُهم مِن دُونِنا، بَلْ لا يَمْنَعُهم أحَدٌ إلّا نَحْنُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا هم مِنّا يُصْحَبُونَ﴾ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ: أحَدُهُما: يُجارُونَ ويُمْنَعُونَ، والآخَرُ: ولا هم مِنّا يُصْحَبُونَ بِخَيْرٍ ولا بَرَكَةٍ ونَحْوُ هَذا، وفي الكَلامِ تَقْدِيرٌ مَحْذُوفٌ، كَأنَّهُ قالَ: لَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ مِن هَذا كُلِّهِ، بَلْ ضَلَّ هَؤُلاءِ لَأنّا مَتَّعْناهم ومَتَّعْنا آباءَهم فَنَسُوا عِقابَ اللهِ وظَنُّوا أنَّ حالَهم لا تَبِيدُ، والمَعْنى: طالَ العُمُرُ في رَخاءٍ. ثُمْ وقَفَهم تَعالى عَلى مَواضِعِ العِبْرَةِ في الأُمَمِ وفي البَشَرِ بِحَسَبِ الخِلافِ والأطْرافِ، و"الرُؤْيَةُ" في قَوْلِهِ تَعالى: "أفَلا يَرَوْنَ" رُؤْيَةُ العَيْنِ تَتْبَعُها رُؤْيَةُ القَلْبِ، و"نَأْتِي" مَعْناهُ: بِالقُدْرَةِ والبَأْسِ، و"الأرْضَ" عامَّةٌ في الجِنْسِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: "مِن أطْرافِها" إمّا أنْ يُرِيدَ: فِيما يَخْرَبُ مِنَ المَعْمُورِ فَذاكَ بَعْضُ الأرْضِ، وإمّا أنْ يُرِيدَ مَوْتَ البَشَرِ فَهو تَنَقُّصٌ لِلْقُرُونِ، ويَكُونُ المُرادُ حِينَئِذٍ أهْلَ الأرْضِ، وقالَ قَوْمٌ: النَقْصُ (p-١٧٢)مِنَ الأطْرافِ مَوْتُ العُلَماءِ، ثُمْ وقَفَهم - عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ - أهم يَغْلِبُونَ مَن غَلَبَ جَمِيعَ أهْلِ الأرْضِ وقَهَرَ الكُلَّ بِسُلْطانِهِ وعَظَمَتِهِ؟ أيْ إنَّ ذَلِكَ مُحالٌ بَيِّنٌ، بَلْ هم مَغْلُوبُونَ مَقْهُورُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب