الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهم وأسَرُّوا النَجْوى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذا إلا بَشَرٌ مِثْلُكم أفَتَأْتُونَ السِحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ ﴿قالَ رَبِّي يَعْلَمُ القَوْلَ في السَماءِ والأرْضِ وهو السَمِيعُ العَلِيمُ﴾ قَوْلُهُ: "لاهِيَةً" حالٌ بَعْدَ حالٍ، واخْتَلَفَ النُحاةُ في إعْرابِ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وَأسَرُّوا النَجْوى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ - فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهَ أنَّ الضَمِيرَ في قَوْلِهِ: "أسَرُّوا" فاعِلٌ، وأنَّ "الَّذِينَ" بَدَلٌ مِنهُ، وأنَّ لُغَةَ "أكَلُونِي البَراغِيثُ" لَيْسَتْ في القُرْآنِ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ: الواوُ والألْفُ عَلامَةٌ أنَّ الفاعِلَ مَجْمُوعٌ، كالتاءِ في قَوْلِكَ: "قامَتْ هِنْدٌ"، و"الَّذِينَ" فاعِلٌ بِـ "أسَرُّوا"، وهَذا عَلى لُغَةِ مَن قالَ: "أكَلُونِي البَراغِيثُ"، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الضَمِيرُ فاعِلٌ، و"الَّذِينَ" مُرْتَفِعٌ بِفِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: أسَرَّها الَّذِينَ، أو قالَها الَّذِينَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والوُقُوفُ عَلى "النَجْوى" في هَذا القَوْلِ وفي القَوْلِ الأوَّلِ أُحْسِنُ، ولا يُحْسَنُ في الثانِي. وقالَتْ فِرْقَةٌ: "الَّذِينَ" مُرْتَفِعٌ عَلى خَبَرِ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ، تَقْدِيرُهُ: هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، والوَقْفُ مَعَ هَذا حَسَنٌ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: "الَّذِينَ" في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ تَقْدِيرِهِ: أعْنِي الَّذِينَ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: "الَّذِينَ" في مَوْضِعِ خَفْضٍ بَدَلٌ مِنَ "الناسِ" في قَوْلِهِ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١]. (p-١٥٣)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذِهِ أقْوالٌ ضَعِيفَةٌ. ومَعْنى: " أسَرُّوا النَجْوى ": تَكَلَّمُوا بَيْنَهم بِالسِرِّ والمُناجاةِ بَعْضُهم لِبَعْضٍ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: "أسَرُّوا": أظْهَرُوا، وهو مِنَ الأضْدادِ، ثُمْ بَيَّنَ تَعالى الأمْرَ الَّذِي تَناجَوْا بِهِ وهو قَوْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: ﴿هَلْ هَذا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾، ثُمْ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ - عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ في الجَهالَةِ -: ﴿أفَتَأْتُونَ السِحْرَ﴾، أيْ ما يَقُولُ، شَبَّهُوهُ بِالسِحْرِ، المَعْنى: أفَتَتَّبِعُونَ السِحْرَ؟ ﴿وَأنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾، أيْ تُدْرِكُونَ أنَّهُ سِحْرٌ، وتَعْلَمُونَ ذَلِكَ، كَأنَّهم قالُوا: تَضِلُّونَ عَلى بَيِّنَةٍ ومَعْرِفَةٍ، ثُمْ أمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يَقُولَ لَهم ولِلنّاسِ جَمِيعًا: ﴿رَبِّي يَعْلَمُ القَوْلَ في السَماءِ والأرْضِ﴾، أيْ: يَعْلَمُ أقْوالَكم هَذِهِ وهو بِالمِرْصادِ في المُجازاةِ عَلَيْها. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "قُلْ رَبِّي"، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "قالَ رَبِّي" عَلى مَعْنى الخَبَرِ عن نَبِيِّهِ ﷺ، واخْتُلِفَ عن عاصِمْ، قالَ الطَبَرَيْ رَحِمَهُ اللهُ: وهُما قِراءَتانِ مُسْتَفِيضَتانِ في قِراءَةِ الأمْصارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب