الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قالَ يا قَوْمِ ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكم وعْدًا حَسَنًا أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمُ غَضَبٌ مِن رَبُّكم فَأخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ [طه: ٨٦] ﴿قالُوا ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ولَكِنّا حُمِّلْنا أوزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذَلِكَ ألْقى السامِرِيُّ﴾ ﴿فَأخْرَجَ لَهم عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ﴾
وبَخَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ قَوْمَهُ بِهَذِهِ المَقالَةِ، و"الوَعْدُ الحَسَنُ" هو ما وعَدَهم مِنَ الوُصُولِ إلى جانِبِ الطَوْرِ الأيْمَنِ، وما بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الفُتُوحِ في الأرْضِ، والمَغْفِرَةِ لِمَن تابَ وآمَنَ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا وعَدَ اللهُ تَعالى بِهِ أهْلَ طاعَتِهِ. وقَوْلُهُ: وعْدًا، إمّا أنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلى المَصْدَرِ، والمَفْعُولُ الثانِي مُقَدَّرٌ، وإمّا أنْ يَكُونَ بِمَعْنى المَوْعُودِ، ويَكُونُ هو المَفْعُولُ الثانِي بِعَيْنِهِ.
ثُمْ وقَّفَهم عَلى أعْذارٍ لَمْ تَكُنْ ولا تَصِحُّ لَهُمْ، وهي طُولُ العَهْدِ؛ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهم خُلْفٌ في المَوْعِدِ. وإرادَةُ غَضَبِ اللهِ تَعالى، وذَلِكَ كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ، ولَكِنَّهم عَمِلُوا عَمَلَ مَن لَمْ يَتَدَيَّنْ. وسُمِّيَ العَذابُ غَضَبًا مِن حَيْثُ هو ناشِئٌ عَنِ الغَضَبِ، والغَضَبُ إنْ جُعِلَ بِمَعْنى الإرادَةِ فَهو صِفَةُ ذاتٍ، وإنْ جُعِلَ ظُهُورُ النِقْمَةِ والعِقابِ فَهو صِفَةُ فِعْلٍ، فَهو مِنَ التَرَدُّدِ بَيْنَ الحالَيْنِ.
وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمْ: "بِمَلْكِنا" بِفَتْحِ المِيمِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "بِمُلْكِنا" بِضَمِّها، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "بِمِلْكِنا" بِكَسْرِها، قالَ أبُو عَلِيٍّ: هَذِهِ لُغاتٌ.
(p-١٢٢)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ظاهِرُ الكَلامِ أنَّها بِمَعْنًى واحِدٍ، ولَكِنَّ أبا عَلِيٍّ - وغَيْرَهُ - قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَعانِيها، فَأمّا ضَمُّ المِيمِ فَمَعْناهُ - عَلى قَوْلِ أبِي عَلِيٍّ - لَمْ يَكُنْ لَنا مَلِكٌ فَنُخْلِفُ مَوْعِدَكَ بِقُوَّتِهِ وسُلْطانِهِ، وإنَّما أخْلَفْناهُ بِنَظَرٍ أدّى إلَيْهِ ما فَعَلَ السامِرِيُّ، ولَيْسَ المَعْنى أنَّ لَهم مَلِكًا، وإنَّما هو كَقَوْلِ ذِي الرُمَّةِ:
؎ يَشْتَكِي سَقْطَةً مِنها وقَدْ رَقَصَتْ بِها المَفاوِزُ حَتّى ظَهْرَها حَدَبٌ
أيْ: لا يَكُونُ مِنها سَقْطَةٌ فَتَشْتَكِي، قالَ: وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَسْألُونَ الناسَ إلْحافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣]، أيْ: لَيْسَ مِنهم سُؤالٌ فَيَكُونُ مِنهم إلْحافٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا كُلُّهُ في هَذِهِ الأمْثِلَةِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ مِن قَوْلِ أبِي عَلِيٍّ، وإنَّما مَشى في ذَلِكَ أثَرَ الزُجاجِ دُونَ تَعَقُّبٍ، وقَدْ شَرَحْتُ هَذا المَعْنى في سُورَةِ البَقَرَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَسْألُونَ الناسَ إلْحافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣]، وتَبَيَّنَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَتْ كَهَذِهِ الأمْثِلَةِ لِأنَّهم لَمْ يَرْفَعُوا الِاخْتِلافَ، والأمْثِلَةُ فِيها رَفْعُ الوَجْهَيْنِ.
(p-١٢٣)وَأمّا فَتْحُ المِيمِ فَهو مَصْدَرٌ مِن مَلِكِ، والمَعْنى: ما فَعَلْنا ذَلِكَ بِأنّا مَلَكْنا الصَوابَ ولا وُفِّقْنا لَهُ، بَلْ غَلَبَتْنا أنْفُسُنا.
وأمّا كَسْرُ المِيمِ فَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمالُهُ فِيما تَحُوزُهُ اليَدُ، ولَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ في الأُمُورِ الَّتِي يُبْرِمُها الإنْسانُ، ومَعْناها كَمَعْنى الَّتِي قَبْلَها. والمَصْدَرُ مُضافٌ في الوَجْهَيْنِ إلى الفاعِلِ. والمَفْعُولُ مُقَدَّرٌ، أيْ: بِمِلْكِنا الصَوابَ، وهَذا كَما قَدْ يُضافُ أحْيانًا إلى المَفْعُولِ والفاعِلِ مُقَدَّرٌ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ﴾ [ص: ٢٤]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن دُعاءِ الخَيْرِ﴾ [فصلت: ٤٩].
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عن عاصِمْ: "حُمِّلْنا" بِضَمِّ الحاءِ وشَدِّ المِيمِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "حَمَلْنا" بِفَتْحِ الحاءِ والمِيمِ. و"الأوزارُ": الأثْقالُ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ التَسْمِيَةُ مِن حَيْثُ هي ثَقِيلَةُ الأجْرامِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِن حَيْثُ تَأْثَمُوا في قَذْفِها وظَهَرَ لَهم أنَّ ذَلِكَ هو الحَقُّ فَكانَتْ آثامًا لِمَن حَمَلَها. وقَوْلُهُ: ﴿فَكَذَلِكَ ألْقى السامِرِيُّ﴾ أيْ: فَكَما قَذَفْنا نَحْنُ فَكَذَلِكَ ألْقى السامِرِيُّ ما كانَ بِيَدِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ الألْفاظُ تَقْتَضِي أنَّ العِجْلَ لَمْ يَصُغْهُ السامِرِيُّ.
ثُمْ أخْبَرَ اللهُ تَعالى عن فِعْلِ السامِرِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأخْرَجَ لَهم عِجْلا جَسَدًا﴾، ومَعْنى (p-١٢٤)"جَسَدًا" أيْ شَخْصًا لا رُوحَ فِيهِ، وقِيلَ: مَعْنى "جَسَدًا": لا يَتَغَذّى، و"الخُوارُ": صَوْتُ البَقَرِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: كانَ هَذا العِجْلُ يَخُورُ ويَمْشِي.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَكَذا تَكُونُ الفِتْنَةُ مِن قِبَلِ اللهِ تَعالى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وقالَتْ فِرْقَةٌ: إنَّما كانَ خُوارُهُ بِالرِيحِ، كانَتْ تَدْخُلُ مِن دُبُرِهِ وتَخْرُجُ مِن فِيهِ فَيُصَوِّتُ لِذَلِكَ.
{"ayahs_start":87,"ayahs":["قَالُوا۟ مَاۤ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلۡنَاۤ أَوۡزَارࣰا مِّن زِینَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَـٰهَا فَكَذَ ٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِیُّ","فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلࣰا جَسَدࣰا لَّهُۥ خُوَارࣱ فَقَالُوا۟ هَـٰذَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِیَ"],"ayah":"فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلࣰا جَسَدࣰا لَّهُۥ خُوَارࣱ فَقَالُوا۟ هَـٰذَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِیَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق