الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَما أعْجَلَكَ عن قَوْمِكَ يا مُوسى﴾ ﴿قالَ هم أُولاءِ عَلى أثَرِي وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ ﴿قالَ فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وأضَلَّهُمُ السامِرِيُّ﴾ ﴿فَرَجَعَ مُوسى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفًا﴾
قِصَصُ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ لَمّا شَرَعَ في النُهُوضِ بِبَنِي إسْرائِيلَ إلى جانِبِ الطُورِ الأيْمَنِ حَيْثُ كانَ المَوْعِدُ أنْ يُكَلِّمُ اللهُ مُوسى بِما فِيهِ شَرَّفَ العاجِلَ والآجِلَ، رَأى - عَلى جِهَةِ الِاجْتِهادِ - أنْ يَتَقَدَّمَ وحْدَهُ مُبادِرًا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وحِرْصًا عَلى القُرْبِ، وشَوْقًا إلى مُناجاتِهِ، واسْتَخْلَفَ هارُونَ عَلَيْهِ السَلامُ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، وقالَ لَهم مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ: تَسِيرُونَ إلى جانِبِ الطُورِ، فَلَمّا انْتَهى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ وناجى رَبَّهُ، زادَهُ في الأجَلِ عَشْرًا، وحِينَئِذٍ وقَفَهُ عَلى مَعْنى اسْتِعْجالِهِ دُونَ القِيامِ لِيُخْبِرَهُ مُوسى أنَّهم عَلى الأثَرِ فَيَقَعُ الإعْلامُ لَهُ بِما صَنَعُوا.
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "أُولاءِ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ أُخْرى: "أولايَ" بِفَتْحِ الياءِ. وقَوْلُهُ: "عَلى (p-١٢٠)أثَرِي" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "عَلى أثَرِي" بِفَتْحِ الهَمْزَةِ والثاءِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "عَلى إثْرِي" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الثاءِ.
وأعْلَمَهُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أنَّهُ إنَّما اسْتَعْجَلَ طَلَبَ الرِضا، فَأعْلَمَهُ اللهُ تَعالى أنَّهُ قَدْ فَتَنَ بَنِي إسْرائِيلَ، أيِ اخْتَبَرَهم بِما صَنَعَهُ السامِرِيُّ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: ألْقَيْناهم في فِتْنَةٍ، أيْ في مَيْلٍ مَعَ الشَهَواتِ، ووُقُوعٍ في اخْتِلافِ كَلِمَةٍ، وقَوْلُهُ: "مِن بَعْدِكَ" أيْ مِن بَعْدِ فِراقِكَ لَهم. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَأضَلَّهُمُ السامِرِيُّ " عَلى إسْنادِ الفِعْلِ إلى السامِرِيِّ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَأضَلُّهُمُ السامِرِيُّ " بِضَمِّ اللامِ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرِ عَنِ السامِرِيِّ أنَّهُ أضَلُّ القَوْمِ.
و" السامِرِيُّ " رَجُلٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، ويُقالُ: إنَّهُ كانَ ابْنُ خالِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: لَمْ يَكُنْ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، بَلْ كانَ أصْلُهُ مِنَ العَجَمِ مَن أهْلِ كَرْمانَ، والأوَّلُ أصَحُّ، وكانَ قَصَصُ السامِرِيِّ أنَّهُ كانَ مُنافِقًا عِنْدَهُ حِيَلٌ وسِحْرٌ، وقَبَضَ القَبْضَةَ مِن أثَرِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَلامُ، وعَلِمْ بِما أقْدَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ لِفِتْنَةِ القَوْمِ أنَّهُ يَتَهَيَّأُ لَهُ بِتِلْكَ القَبْضَةِ ما يُرِيدُ مِمّا يَجُوزُ عَلى اللهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ لَوِ ادَّعى النُبُوءَةَ مَعَ ذَلِكَ العَجَلِ لَما صَحَّ ولا جازَ أنْ يَخُورَ ولا أنْ تَتِمُ الحِيلَةُ فِيهِ، لَكِنَّهُ لَمّا ادَّعى لَهُ الرُبُوبِيَّةَ، وعَلاماتُ كَذِبِهِ قائِمَةٌ لائِحَةٌ صَحَّتِ الفِتْنَةُ بِهِ وجازَ ذَلِكَ عَلى اللهِ تَعالى، كَقِصَّةِ الدَجّالِ الَّذِي تُخْرَقُ لَهُ العاداتُ لِأنَّهُ مُدَّعِي الرُبُوبِيَّةِ، ولَوْ كانَ مُدَّعِيَ نُبُوءَةٍ لَما صَحَّ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ. فَلَمّا رَأى السامِرِيُّ مُوسى قَدْ غابَ، ورَأى بَقِيَّةَ بَنِي إسْرائِيلَ في طَلَبِهِمْ مِن مُوسى آلِهَةً حِينَ مَرُّوا عَلى قَوْمٍ يَعْبُدُونَ أصْنامًا عَلى صِفَةِ البَقَرِ. وقِيلَ: كانَتْ بَقَرًا حَقِيقَةً - عَلِمْ أنَّهُ سَيَفْتِنُهم مِن هَذِهِ الطَرِيقِ. فَيُرْوى أنَّهُ قالَ لَهُمْ: إنَّ الحُلِيَّ الَّذِي عِنْدَكم مِن مالِ القِبْطِ قَبِيحٌ بِكم حَبْسُهُ، ولَكِنِ اجْمَعُوهُ عِنْدِي حَتّى يَحْكُمُ اللهُ لَكم فِيهِ، وقِيلَ إنَّ هارُونَ عَلَيْهِ السَلامُ أمَرَهم بِجَمْعِهِ ووَضْعِهِ في حُفْرَةٍ حَتّى يَجِيءَ مُوسى ويَسْتَأْذِنَ فِيهِ رَبَّهُ، وقِيلَ: بَلْ كانَ المالُ الَّذِي جَمَعُوهُ لِلسّامِرِيِّ مِمّا لَفَظَ البَحْرُ مِن أمْوالِ القِبْطِ الغارِقِينَ مَعَ فِرْعَوْنَ، فَرُوِيَ - مَعَ هَذا الِاخْتِلافِ - أنَّ الحُلِيَّ اجْتَمَعَ عِنْدَ السامِرِيِّ، وأنَّهُ صاغَ العِجْلَ وألْقى القَبْضَةَ فِيهِ فَخارَ. ورُوِيَ - وهو الأصَحُّ والأكْثَرُ - أنَّهُ ألْقى الناسُ الحُلِيَّ في حُفْرَةٍ أو نَحْوِها، وألْقى هو (p-١٢١)عَلَيْها القَبْضَةَ، فَتَجَسَّدَ العِجْلُ، وهَذا وجْهُ فِتْنَةِ اللهِ تَعالى لَهُمْ، وعَلى هَذا نَقُولُ: انْخَرَقَتْ لِلسّامِرِيِّ عادَةٌ، وأمّا عَلى أنْ يَصُوغَهُ فَلَمْ تَتَخَرَّقْ لَهُ عادَةٌ، وإنَّما فُتِنُوا حِينَئِذٍ بِخُوارِهِ فَقَطْ، وذَلِكَ الصَوْتُ قَدْ يُولَدُ في الأجْرامِ بِالصَنْعَةِ، فَلَمّا أخْبَرَ اللهُ تَعالى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ بِما وقَعَ رَجَعَ مُوسى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفًا عَلَيْهِمْ مِن حَيْثُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلى تَغْيِيرِ مُنْكَرِهِمْ.
وقَوْلُهُ: "أسِفًا" أيْ: حَزِينًا، مِن حَيْثُ عَلِمْ أنَّهُ مَوْضِعُ عُقُوبَةٍ لا بُدَّ لَهُ بِدَفْعِها، ولا بُدَّ مِنها، و"الأسَفُ" في كَلامِ العَرَبِ مَتى كانَ مِن ذِي قُدْرَةٍ عَلى مَن دُونَهُ فَهو غَضَبٌ، ومَتى كانَ مِنَ الأقَلِّ عَلى الأقْوى فَهو حُزْنٌ. وتَأمَّلْ ذَلِكَ فَهو مُطَّرِدٌ إنْ شاءَ اللهُ.
{"ayahs_start":83,"ayahs":["۞ وَمَاۤ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ یَـٰمُوسَىٰ","قَالَ هُمۡ أُو۟لَاۤءِ عَلَىٰۤ أَثَرِی وَعَجِلۡتُ إِلَیۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ","قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِیُّ","فَرَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَلَمۡ یَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن یَحِلَّ عَلَیۡكُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِی"],"ayah":"فَرَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَلَمۡ یَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن یَحِلَّ عَلَیۡكُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِی"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق