الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قالُوا يا مُوسى إمّا أنْ تُلْقِيَ وإمّا أنْ نَكُونَ أوَّلَ مَن ألْقى﴾ ﴿قالَ بَلْ ألْقُوا فَإذا حِبالُهم وعِصِيُّهم يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أنَّها تَسْعى﴾ ﴿فَأوجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى﴾ ﴿قُلْنا لا تَخَفْ إنَّكَ أنْتَ الأعْلى﴾ ﴿وَألْقِ ما في يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ ولا يُفْلِحُ الساحِرُ حَيْثُ أتى﴾
خَيَّرَ السَحَرَةُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ في أنْ يَبْتَدِئَ بِالإلْقاءِ أو يَتَأخَّرَ بَعْدَهُمْ، ورُوِيَ أنَّهم كانُوا سَبْعِينَ ألْفَ ساحِرٍ، ورُوِيَ أنَّهم كانُوا ثَلاثِينَ ألْفًا، ورُوِيَ أنَّهم كانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ ألْفًا، ورُوِيَ أنَّهم كانُوا تِسْعَمِائَةِ ألْفٍ، ثَلاثَمِائَةٍ مِنَ الفَيُّومِ، وثَلاثَمِائَةٍ مِنَ الفِرْما، وثَلاثَمِائَةٍ مِنَ الإسْكَنْدَرِيَّةِ، وكانَ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنهم حَبْلٌ وعَصى قَدِ اسْتَعْمَلَ فِيها السِحْرُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا﴾ هي لِلْمُفاجَأةِ، كَما تَقُولُ: خَرَجْتُ فَإذا زَيْدٌ، وهي الَّتِي تَلِيها الأسْماءُ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "عِصِيُّهُمْ" بِكَسْرِ العَيْنِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ بِضَمِّها، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يُخَيَّلُ" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، فَقَوْلُهُ: "أنَّها" في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى ما لَمَّ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وقَرَأ الحَسَنُ، والثَقَفِيُّ: "تُخَيَّلُ" بِضَمِّ التاءِ المَنقُوطَةِ مِن فَوْقٍ وكَسْرِ الياءِ وإسْنادِ الفِعْلِ إلى الحِبالِ والعِصِيِّ، فَقَوْلُهُ: "أنَّها" في مَوْضِعِ نَصْبٍ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "تَخَيَّلُ" بِفَتْحِ التاءِ والياءِ وإسْنادِ الفِعْلِ إلى الجِبالِ والعِصِيِّ، فَقَوْلُهُ: "أنَّها"مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والظاهِرُ مِنَ الآياتِ والقَصَصِ في كُتُبِ المُفَسِّرِينَ أنَّ الحِبالَ والعِصِيَّ كانَتْ تَتَحَرَّكُ وتَنْتَقِلُ بِحِيَلِ السِحْرِ، وبِدَسِّ الأجْسامِ الثَقِيلَةِ المَيّاعَةِ فِيها، وكانَ تَحَرُّكُها يُشْبِهُ تَحَرُّكَ الَّذِي لَهُ إرادَةٌ كالحَيَوانِ، وهو السَعْيُ، فَإنَّهُ لا يُوصَفُ بِالسَعْيِ إلّا مَن يَمْشِي مِنَ الحَيَوانِ، وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّها لَمْ تَكُنْ تَتَحَرَّكُ، ولَكِنَّهم سَحَرُوا أعْيُنَ الناسِ وكانَ الناظِرُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّها تَتَحَرَّكُ وتَنْتَقِلُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
واللهُ أعْلَمُ أيُّ ذَلِكَ كانَ.
(p-١١٠)وَقَوْلُهُ تَعالى: "فَأوجَسَ" عِبارَةً عَمّا يَعْتَرِي نَفْسَ الإنْسانِ إذا وقَعَ ظَنُّهُ في أمْرٍ عَلى شَيْءٍ يَسُوءُهُ، وظاهِرُ الأمْرِ كُلِّهِ الصَلاحُ، فَهَذا الفِعْلُ مِن أفْعالِ النَفْسِ يُسَمّى الوَجِيسُ، وعَبَّرَ المُفَسِّرُونَ عن "أوجَسَ" بِأضْمَرَ، وهَذِهِ العِبارَةُ أعَمُّ مِن بِكَثِيرِ الوَجِيسِ. و"خِيفَةً" يَصِحُّ أنْ يَكُونَ أصْلُها "خَوْفَةً" فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً لِلتَّناسُبِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "خَوْفَةً" بِفَتْحِ الخاءِ، قُلِبَتِ الواوُ ياءً لِلتَّناسُبِ. وخَوْفُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ إنَّما كانَ عَلى الناسِ أنْ يَضِلُّوا لِهَوْلِ ما رَأى. والأوَّلُ أصْوَبُ؛ لِأنَّهُ أوجَسَ في نَفْسِهِ عَلى الجُمْلَةِ وبَقِيَ يَنْتَظِرُ الفَرَجَ. وقَوْلُهُ: ﴿أنْتَ الأعْلى﴾ أيِ: الغالِبُ لِمَن ناوَأكَ في هَذا المَقامِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "تَلَقَّفْ" بِالجَزْمِ وشَدِّ القافِ عَلى جَوابِ الأمْرِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ: "تَلَقُّفَ"، وهو في مَوْضِعِ الحالِ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِنَ المُلْقى عَلى الِاتِّساعِ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِنَ المُلْقى وهي العَصا، وهَذِهِ حالٌ وإنْ كانَتْ لَمْ تَقَعْ بَعْدُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هَدْيًا بالِغَ الكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥]، وهَذا كَثِيرٌ، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمْ: "تَلْقُفْ" بِسُكُونِ الفاءِ وتَخْفِيفِ القافِ، وأنَّثَ الفِعْلَ وهو مُسْنَدٌ إلى ما في اليَمِينِ مِن حَيْثُ كانَتِ العَصا مُرادَةً بِذَلِكَ. ورَوى البَزِّيُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أنَّهُ كانَ يُشَدِّدُ الفاءَ مِن "تَلَقَّفَ"، كَأنَّهُ أرادَ: تَتَلَقَّفُ فَأدْغَمَ، وأنْكَرَ أبُو عَلِيٍّ هَذِهِ القِراءَةَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُشْبِهُ أنَّ قارِئَها إنَّما يَلْتَزِمُها في الوَصْلِ حَيْثُ يُسْتَغْنى عن جَلْبِ ألِفٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "كَيَدُ" بِالرَفْعِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "كَيْدَ" بِالنَصْبِ، وهَذا عَلى أنَّ "ما" كافَّةٌ و "كَيْدَ" مَنصُوبٌ بِـ "صَنَعُوا"، ورَفْعُ "كَيَدُ" عَلى أنَّ "ما" بِمَعْنى الَّذِي. و "يُفْلِحُ" مَعْناهُ: يَبْقى ويَظْفَرُ بِبُغْيَتِهِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ أنَّ الساحِرَ يُقْتَلُ حَيْثُ ثُقِفَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا جَزاءُ مَن عَدِمُ الفَلاحَ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "أيْنَ أتى"، والمَعْنى بِهِما مُتَقارِبٌ.
ورُوِيَ مِن قَصَصِ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللهُ جَلَسَ في عِلْيَةٍ لَهُ طُولُها ثَمانُونَ ذِراعًا، والناسُ تَحْتَهُ في بَسِيطٍ، وجاءَ سَبْعُونَ ألْفَ ساحِرٍ فَألْقَوْا مِن حِبالِهِمْ وعِصِيِّهِمْ ما فِيهِ (p-١١١)وَقَّرَ ثَلاثُمِائَةِ بَعِيرٍ، فَهالَ الأمْرُ، ثُمْ إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ ألْقى عَصاهُ مِن يَدِهِ فاسْتَحالَتْ ثُعْبانًا، وجَعَلَتْ تَنْمُو حَتّى رُوِيَ أنَّها عَبَرَتِ النَهْرَ بِذَنَبِها، وقِيلَ: البَحْرَ، وفِرْعَوْنُ في هَذا يَضْحَكُ ويَرى أنَّ الِاسْتِواءَ حاصِلٌ، ثُمْ أقْبَلَتْ تَأْكُلُ الحِبالَ والعِصِيَّ حَتّى أفْنَتْها، فَفَرَّتْ نَحْوَ فِرْعَوْنَ، فَفَزِعَ عِنْدَ ذَلِكَ، وقالَ: يا مُوسى. فَمَدَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ يَدَهُ إلَيْها فَرَجَعَتْ عَصى كَما كانَتْ، فَنَظَرَ السَحَرَةُ وعَلِمُوا الحَقَّ ورَأوا عَدَمَ الحِبالِ والعِصِيِّ فَآمَنُوا رَضِيَ اللهُ عنهم.
{"ayahs_start":65,"ayahs":["قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِمَّاۤ أَن تُلۡقِیَ وَإِمَّاۤ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَلۡقَىٰ","قَالَ بَلۡ أَلۡقُوا۟ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِیُّهُمۡ یُخَیَّلُ إِلَیۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ","فَأَوۡجَسَ فِی نَفۡسِهِۦ خِیفَةࣰ مُّوسَىٰ","قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ","وَأَلۡقِ مَا فِی یَمِینِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوۤا۟ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا۟ كَیۡدُ سَـٰحِرࣲۖ وَلَا یُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَیۡثُ أَتَىٰ"],"ayah":"قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











