الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قالَ أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى﴾ ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فاجْعَلْ بَيْنَنا وبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أنْتَ مَكانًا سُوًى﴾ ﴿قالَ مَوْعِدُكم يَوْمُ الزِينَةِ وأنْ يُحْشَرَ الناسُ ضُحًى﴾
هَذِهِ المُقاوَلَةُ مِن فِرْعَوْنَ تَدُلُّ عَلى أنَّ أمْرَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ قَدْ كانَ قَوِيَ، وكَثُرَ مُتَّبِعُوهُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، ووَقَعَ أمْرُهُ في نُفُوسِ الناسِ، وذَلِكَ أنَّها مُقاوَلَةُ مَن يَحْتاجُ إلى الحُجَّةِ لا مَن يَصْدَعُ بِأمْرِ نَفْسِهِ. وأرْضُهم هي أرْضُ مِصْرَ.
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "لا نَخْلُفُهُ" بِالرَفْعِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "لا نَخْلُفْهُ" بِالجَزْمِ عَلى جَوابِ الأمْرِ، و"نَحْنُ" تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ مِن حَيْثُ احْتاجَ الكَلامُ إلى العَطْفِ عَلَيْهِ أكَّدَ. و"مَوْعِدًا" مَفْعُولٌ أوَّلٌ لِـ "اجْعَلْ"، و"مَكانًا" مَفْعُولٌ ثانٍ. وهَذا الَّذِي اخْتارَ أبُو عَلِيٍّ، ومَنَعَ أنْ يَكُونَ "مَكانًا" مَعْمُولًا لِقَوْلِهِ: "مَوْعِدًا" لَأنَّهُ قَدْ وصَفَ، وهَذِهِ الأسْماءُ العامِلَةُ عَمَلَ الفِعْلِ إذا نُعِتَتْ أو عُطِفَ عَلَيْها أو أُخْبِرَ عنها أو صُغِّرَتْ أو جُمِعَتْ وتَوَغَّلَتْ في الِاسْمِيَّةِ بِمِثْلِ هَذا لَمْ تَعْمَلْ ولا تَعَلَّقَ بِها شَيْءٌ هو مِنها، وقَدْ يُتَوَسَّعُ في الظُرُوفِ فَتُعَلَّقُ بَعْدَ ما ذَكَرْناهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أكْبَرُ مِن مَقْتِكم أنْفُسَكم إذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ [غافر: ١٠]، فَقَوْلُهُ: "إذْ" مُعَلَّقٌ بِقَوْلِهِ: "لَمَقْتُ اللهِ" وهو قَدْ أخْبَرَ عنهُ، وإنَّما جازَ هَذا في الظَرْفِ خاصَّةً، وكَذَلِكَ مَنَعَ أبُو عَلِيٍّ أنْ يَكُونَ "مَكانًا" نُصِبَ عَلى الظَرْفِ السادِّ مَسَدَّ المَفْعُولِ.
(p-١٠٣)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِي هَذا نَظَرٌ، ومَنعَ قَوْمٌ أنْ يَكُونَ "مَكانًا" نَصْبًا عَلى المَفْعُولِ الثانِي بِـ "نُخْلِفُهُ"، وجَوَّزَهُ جَماعَةٌ مِنَ النُحاةِ، ووَجْهُهُ أنْ يَتَّسِعَ في أنْ يُخْلِفَ المَوْعِدَ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ: "سِوًى" بِكَسْرِ السِينِ، وقَرَأ عاصِمْ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ: "سُوًى" بِضَمِّها، والجُمْهُورُ نَوَّنَ النُونَ، وقَرَأ الحَسَنُ: "سِوى" بِكَسْرِ السِينِ غَيْرَ نُونِ الواوِ، قالَ أبُو الفَتْحِ: تَرْكُ الصَرْفِ هُنا مُشْكِلٌ، والَّذِي يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلى الوَقْفِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "سَواءً"، ذَكَرَهُ أبُو عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أبِي عَيْلَةَ، ومَعْنى "سِوى" أيْ: عَدْلًا ونَصَفَةً، قالَ أبُو عَلِيٍّ: فَكَأنَّهُ قالَ: مَكانًا قَرِيبًا مِنّا قُرْبَهُ مِنكم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
إنَّما أرادَ: حالُنا فِيهِ مُسْتَوِيَةٌ، فَيَعُمْ ذَلِكَ القُرْبَ، وأنْ تَكُونَ المَنازِلُ فِيهِ واحِدَةً في تَعاطِي الحَقِّ، أيْ: لا يَعْتَرِضُكم فِيهِ الرِياسَةُ، وإنَّما تُقْصَدُ الحُجَّةُ، و"سُوًى" لُغَةً في "سِوى"، ومِن هَذِهِ اللَفْظَةِ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ إنَّ أبانا كانَ حَلَّ بِبَلْدَةٍ سُوًى بَيْنَ قَيْسٍ قَيْسِ عَيْلانَ والفِزْرِ
وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ: مُسْتَوِيًا مِنَ الأرْضِ لا وهْدَ فِيهِ ولا نَجْدَ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ: سُوًى مَكانًا هَذا.
(p-١٠٤)فَقالَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ: ﴿مَوْعِدُكم يَوْمُ الزِينَةِ﴾، اتَّسَعَ في الظَرْفِ مَن قَرَأهُ بِرَفْعِ "يَوْمُ" فَجَعَلَهُ خَبَرًا، وقَرَأ الحَسَنُ، والأعْمَشُ، والثَقَفِيُّ: "يَوْمَ" بِالنَصْبِ عَلى الظَرْفِ، والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، ورُوِيَ أنْ يَوْمَ الزِينَةِ كانَ عِيدًا لَهم ويَوْمًا مَشْهُورًا، وصادَفَ يَوْمَ عاشُوراءَ، وكانَ يَوْمَ سَبْتٍ، وقِيلَ: هو يَوْمُ كَسْرِ الخَلِيجِ الباقِي إلى اليَوْمِ. وقَوْلُهُ: ﴿وَأنْ يُحْشَرَ﴾ عَطْفٌ عَلى "الزِينَةِ" فَهو في مَوْضِعِ خَفْضٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى تَقْدِيرِ: مَوْعِدُكم أنْ يَحْشُرَ، وتَعَلَّقَ عَطْفُهُ عَلى "يَوْمُ"، وفِيهِ نَظَرٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: يُحْشَرَ" بِرَفْعِ الياءِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: "يَحْشُرَ" بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الشِينِ ونَصْبِ "الناسَ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "نَحْشُرَ" بِالنُونِ، و"الحَشْرُ": الجَمْعُ، ومَعْناهُ: نَحْشُرُ الناسَ لِمُشاهَدَةِ المُعارَضَةِ والتَهَيُّؤِ لِقَبُولِ الحَقِّ حَيْثُ كانَ.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["قَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ یَـٰمُوسَىٰ","فَلَنَأۡتِیَنَّكَ بِسِحۡرࣲ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكَ مَوۡعِدࣰا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَاۤ أَنتَ مَكَانࣰا سُوࣰى","قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ یَوۡمُ ٱلزِّینَةِ وَأَن یُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحࣰى"],"ayah":"قَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ یَـٰمُوسَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











