الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿فَأْتِياهُ فَقُولا إنّا رَسُولا رَبِّكَ فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ ولا تُعَذِّبْهم قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ والسَلامُ عَلى مِن اتَّبَعَ الهُدى﴾ ﴿إنّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنا أنَّ العَذابَ عَلى مَن كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ ﴿قالَ فَمَن رَبُّكُما يا مُوسى﴾ المَعْنى: فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَأعْلَماهُ أنَّكُما رَسُولانِ إلَيْهِ، وعَبَّرَ لِفِرْعَوْنَ بِـ "رَبِّكَ" تَحْقِيرًا لَهُ؛ إذْ كانَ يَدَّعِي الرُبُوبِيَّةَ، ثُمْ أمَرا بِدَعْوَتِهِ إلى أنْ يَبْعَثَ مَعَهُما بَنِي إسْرائِيلَ ويُخْرِجَهم مِن ذُلِّ خِدْمَةِ القِبْطِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في هَذِهِ الآيَةِ دُعاؤُهُ إلى الإيمانِ، وهَذِهِ جُمْلَةُ ما دُعِيَ إلَيْهِ فِرْعَوْنُ "الإيمانُ وإرْسالُ بَنِي إسْرائِيلَ"، والظاهِرُ أنَّ رِسالَتَهُ إلَيْهِ لَيْسَتْ عَلى حَدِّ إرْسالِهِ إلى بَنِي إسْرائِيلَ، وتَعْذِيبُ بَنِي إسْرائِيلَ كانَ ذَبْحُ أولادِهِمْ وإذْلالِهِمْ. و"الآيَةُ" الَّتِي أحالا عَلَيْها هي العَصا واليَدُ. وقالَ: "جِئْناكَ" -والجائِي بِها مُوسى - تَجَوُّزًا مِن حَيْثُ هُما مُشْرَكانِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والسَلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ آخِرَ كَلامٍ وفَصْلَهِ، فَيَقْوى أنْ يَكُونَ "السَلامُ" بِمَعْنى التَحِيَّةِ، كَأنَّهُما رَغِبا بِها عنهُ، وجَرْيًا عَلى العُرْفِ في التَسْلِيمِ عِنْدَ الفَراغِ مِنَ القَوْلِ فَسَلَّما عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى، وفي هَذا تَوْبِيخٌ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وعَلى هَذِهِ الجُمْلَةِ اسْتِعْمالُ الناسِ هَذِهِ الآيَةَ في مُخاطَبَتِهِمْ ومُحاوَراتِهِمْ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في دَرَجِ القَوْلِ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنا﴾ فَيَحْتَمِلُ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ خَبَرًا بِأنَّ السَلامَةَ لِلْمُهْتَدِينَ، وهَذانَ المَعْنَيانِ قالَتْ كُلٌّ واحِدٌ مِنهُما فِرْقَةٌ لَكِنْ دُونَ هَذا التَلْخِيصِ، وقالُوا: "السَلامُ" بِمَعْنى: السَلامَةُ، و"عَلى" بِمَعْنى "اللامِ"، أيِ: السَلامُ لِمَنِ اتَّبَعَ الهُدى. (p-٩٩)وَلِما فَرَغا مِنَ المَقالَةِ الَّتِي أمَرَ بِها عن قَوْلِهِ: "وَتَوَلّى" خاطَبَهُما فِرْعَوْنُ، وفي سَرْدِ هَذِهِ الآيَةِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ظاهِرُ الكَلامِ، تَقْدِيرُهُ: فَأتَياهُ فَلَمّا قالا جَمِيعَ ما أُمِرا بِهِ قالَ لَهُما فِرْعَوْنُ: فَمَن رَبُّكُما؟ وقَوْلُهُ: "يا مُوسى" بَعْدَ جَمْعِهِ مَعَ "هارُونَ" في الضَمِيرِ نِداءٌ بِمَعْنى التَخْصِيصِ والتَوْقِيفِ؛ إذْ كانَ صاحِبَ عِظَمِ الرِسالَةِ ولِزَيْمِ الآياتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب