الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿اذْهَبْ أنْتَ وأخُوكَ بِآياتِي ولا تَنِيا في ذِكْرِي﴾ ﴿اذْهَبا إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أو يَخْشى﴾ ﴿قالا رَبَّنا إنَّنا نَخافُ أنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أو أنْ يَطْغى﴾ ﴿قالَ لا تَخافا إنَّنِي مَعَكُما أسْمَعُ وأرى﴾ أمَرَ اللهُ تَعالى مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَلامُ في هَذِهِ الآيَةِ بِالنُفُوذِ إلى دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ، وخاطَبَ مُوسى وحْدَهُ تَشْرِيفًا لَهُ، ويُحْتَمَلُ أنَّ هارُونَ أُوحِيَ إلَيْهِ مَعَ مَلِكٍ أنْ يُنَفِّذَ، و"بِآياتِي" مَعْناهُ: بِعَلاماتِي الَّتِي أعْطَيْتُكُما مِن مُعْجِزَةٍ وآيَةِ وحْيٍ وأمْرٍ ونَهْيٍ كالتَوْراةِ، و"تَنِيا" مَعْناهُ: تَضْعُفا وتُبْطِئا، تَقُولُ: ونى فَلانٌ في أمْرِ كَذا إذا تَباطَأ فِيهِ عن ضَعْفٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:(p-٩٧) ؎ ............................. فَما أنا بِالوانِي ولا الضَرَعِ الغُمْرِ والوَنى: الكَلالُ والفَشَلُ في البَهائِمْ والإنْسِ، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَلا تَهِنا في ذَكَرِي"، مَعْناهُ: ولا تَلِينا، مِن قَوْلِكَ: هَيِّنٌ لَيِّنٌ. و"القَوْلُ اللَيِّنُ" قالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ: كَنِّياهُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ أمَرَهُما بِتَحْسِينِ الكَلِمَةِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا هو الوَجْهُ، وذَلِكَ أنَّ كُلَّ مَن يُرِيدُ دُعاءَ إنْسانٍ إلى أمْرٍ يَكْرَهُهُ، فَإنَّما الوَجْهُ أنْ يُحَرِّرَ في عِبارَتِهِ المَعْنى الَّذِي يُرِيدُ حَتّى لا يُخِلَّ بِهِ ولا يَخِرَّ مِنهُ، ثُمْ يَجْتَهِدُ بَعْدَ ذَلِكَ في أنْ تَكُونَ عِبارَتُهُ لَطِيفَةً ومُقابَلَتُهُ لَيِّنَةً، فَذَلِكَ أجْلَبُ لِلْمُرادِ، فَأمَرَ اللهُ تَعالى مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَلامُ أنْ يَسْلُكا مَعَ فِرْعَوْنَ إكْمالَ الدَعْوَةِ في لِينٍ مِنَ القَوْلِ. وقَوْلُهُ: "لَعَلَّهُ" مَعْناهُ: عَلى رَجائِكُما وطَمَعِكُما، فالتَوَقُّعُ فِيها إنَّما هو راجِعٌ إلى جِهَةِ البَشَرِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ "يَفْرُطَ" بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الراءِ، ومَعْناهُ: يُعَجِّلُ ويَتَسَرَّعُ بِمَكْرُوهٍ فِينا، ومِنهُ الفارِطُ في الماءِ، وهو الَّذِي يَتَقَدَّمُ القَوْمَ إلَيْهِ، قالَ الشاعِرَ: ؎ فاسْتَعْجَلُونا وكانُوا مِن صَحابَتِنا ∗∗∗ كَما تَقَدَّمَ فُرّاطٌ لِوُرّادِ (p-٩٨)وَقالَتْ فِرْقَةٌ: "يُفْرِطَ" بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الراءِ، ومَعْناهُ: يَشْتَطُّ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "يُفْرَطُ" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الراءِ، ومَعْناها أنْ يَحْمِلَهُ حامِلٌ عَلى التَسَرُّعِ إلَيْنا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّنِي مَعَكُما﴾ أيْ: بِالنَصْرِ والمَعُونَةِ والقُدْرَةِ عَلى فِرْعَوْنَ، وهَذا كَما تَقُولُ: الأمِيرُ مَعَ فُلانٍ إذا أرَدْتَ أنَّهُ يَحْمِيهِ. "أسْمَعُ وأرى" عِبارَتانِ عَنِ الإدْراكِ الَّذِي لا تَخْفى مَعَهُ خافِيَةٌ، تَبارَكَ اللهُ رَبُّ العالَمِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب