الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿إنَّ لَكَ ألا تَجُوعَ فِيها ولا تَعْرى﴾ ﴿وَأنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيها ولا تَضْحى﴾ ﴿فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلْدِ ومُلْكٍ لا يَبْلى﴾ ﴿فَأكَلا مِنها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ وعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى﴾ المَعْنى: إنَّ لَكَ يا آدَمُ نِعْمَةً تامَّةً وعَطِيَّةً مُسْتَمِرَّةً ألّا يُصِيبَكَ جُوعٌ ولا عُرْيٌ ولا ظَمَأٌ ولا بُرُوزٌ لِلشَّمْسِ يُؤْذِيكَ، وهو الضُحى، وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمْ - في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ -: "وَإنَّكَ" بِكَسْرِ الألِفِ، وقَرَأ الباقُونَ وحَفَصٌ عن عاصِمْ: "وَأنَّكَ" بِفَتْحِ الألِفِ، (p-١٣٩)وَجَعَلَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الجُوعَ مَعَ العُرْيِ، والظَمَأ مَعَ الضُحى، وكانَ عُرْفُ الكَلامِ أنْ يَكُونَ الجُوعُ مَعَ الظَمَإ لِلتَّناسُبِ، والعُرْيُ مَعَ الضُحى لِأنَّها لا تَتَضادُّ، والعُرْيُ يَمَسُّ بِسَبَبِهِ البَرْدُ فَيُؤْذِي، والحَرُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالضاحِي، وهَذِهِ الطَرِيقَةُ مَهِيعٌ في كَلامِ العَرَبِ أنْ تُفَرِّقَ النَسَبَ، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ: ؎ أنِّي لَمْ أرْكَبْ جَوادًا لِلَذَّةٍ ولَمْ أتَبَطَّنْ كاعِبًا ذاتَ خَلْخالِ ∗∗∗ لَمْ أسَبَإ الزِقَّ الرَوِيَّ ولَمْ أقُلْ ∗∗∗ لِخَيْلِي كُرِّي كَرَّةً بَعْدَ إجْفالِ وذَهَبَ بَعْضُ الأُدَباءِ إلى أنَّ بَيْتَيِ امْرِئِ القَيْسِ فِيهِما مُحافَظَةٌ لِلنَّسَبِ، وأنَّ رُكُوبَ الخَيْلِ لِلصَّيْدِ وغَيْرِهِ مِنَ اللَذّاتِ يُناسِبُ تُبْطِنَ الكاعِبِ. ومِنَ الضُحى قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ أتْ رَجُلًا أمّا إذا الشَمْسُ عارَضَتْ ∗∗∗ فَيُضْحِي وأمّا بِالعَشِيِّ فَيُخْصِرُ و"وَسْوَسَةُ الشَيْطانِ" قالُوا: كانَتْ دُونَ مُشافَهَةٍ إلْقاءً في النَفْسِ، وقِيلَ: بَلْ كانَتْ بِالمُشافَهَةِ والمُخاطَبَةِ، وهو ظاهِرُ القِصَّةِ مِن غَيْرِ ما مَوْضِعٍ، وكانَ دُخُولُهُ إلى الجَنَّةِ (p-١٤٠)فِيما رُوِيَ - في فَمِ الحَيَّةِ، وكانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَلامُ قَدْ قالَ اللهُ لَهُ: لا تَأْكُلْ مِن هَذِهِ الشَجَرَةِ، وعَيَّنَ لَهُ شَجَرَةً قَدْ تَقَدَّمَ الخِلافُ في جِنْسِها، فَلَمّا وصَفَها لَهُ إبْلِيسُ أنَّها شَجَرَةُ الخُلْدِ الَّتِي مَن أكَلَها كانَ مَلَكًا مُخَلَّدًا، عَمَدَ آدَمُ عَلَيْهِ السَلامُ إلى غَيْرِ تِلْكَ الَّتِي نُهِيَ عنها مِن جِنْسِها فَأكَلَها بِتَأْوِيلِ أنَّ النَهْيَ كانَ عَلى النَدْبِ لا عَلى التَحْرِيمِ، وسارَعَتْ إلى ذَلِكَ حَوّاءُ وكانَتْ مَعَهُ في النَهْيِ، فَلَمّا رَآها آدَمُ عَلَيْهِ السَلامُ قَدْ أكَلَتْ أكَلَ، فَطارَتْ عنهُما ثِيابُها، وظَهَرَ تَبَرُّءُ الأشْياءِ مِنهُما، وبَدَتْ سَوْءاتُهُما. وقَوْلُهُ: ﴿وَطَفِقا يَخْصِفانِ﴾ مَعْناهُ: جَعَلا يَفْعَلانِ ذَلِكَ دائِمًا، و"يَخْصِفانِ" مَعْناهُ: يُلَفِّقانِ ويَضُمّانِ شَيْئًا إلى شَيْءٍ، فَكانا يَسْتَتِرانِ بِالوَرَقِ، ورُوِيَ أنَّهُ كانَ مِن ورَقِ التِينِ. ثُمْ نَصَّ تَبارَكَ وتَعالى عَلى آدَمَ أنَّهُ عَصى، و"غَوى" مَعْناهُ: ضَلَّ، مِنَ الغَيِّ الَّذِي هو ضِدُّ الرُشْدِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ مَن يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ الناسُ أمْرَهُ ∗∗∗ ومَن يَغْوِ لا يَعْدَمُ عَلى الغَيِّ لائِمًا وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَأنَّكَ لا تَظْمَأُ" بِفَتْحِ الألِفِ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ: "ألّا تَجُوعَ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَ إنَّكَ لا تَظْمَأُ" عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ تَعالى: "إنَّ لَكَ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب