الباحث القرآني

(p-٥)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَقالَ لَهم نَبِيُّهم إنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكم طالُوتَ مَلِكًا قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المالِ قالَ إنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكم وزادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ﴾. قالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إنَّهُ لَمّا قالَ المَلَأُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ لِشَمْوِيلَ بْنِ بالِي ما قالُوا، سَألَ اللهَ تَعالى أنْ يَبْعَثَ لَهم مَلِكًا ويَدُلَّهُ عَلَيْهِ، فَقالَ اللهُ تَعالى لَهُ: انْظُرْ إلى القَرْنِ الَّذِي فِيهِ الدُهْنُ في بَيْتِكَ، فَإذا دَخَلَ عَلَيْكَ رَجُلٌ فَنَشَّ الدُهْنَ الَّذِي في القَرْنِ فَهو مَلِكُ بَنِي إسْرائِيلَ، فادْهُنْ رَأْسَهُ مِنهُ، ومَلِّكْهُ عَلَيْهِمْ. قالَ: وكانَ طالُوتُ رَجُلًا دَبّاغًا، وكانَ مِن سِبْطِ بِنْيامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ، وكانَ سِبْطُهُ لا نُبُوَّةَ فِيهِ ولا مُلْكَ، فَخَرَجَ طالُوتُ في بِغاءِ دابَّةٍ لَهُ أضَلَّها، فَقَصَدَ شَمْوِيلَ عَسى أنْ يَدْعُوَ لَهُ في أمْرِ الدابَّةِ أو يَجِدَ عِنْدَهُ فَرَجًا فَنَشَّ الدُهْنَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهو دُهْنُ القُدْسِ فِيما يَزْعُمُونَ. قالَ: فَقامَ إلَيْهِ شَمْوِيلُ فَأخَذَهُ ودَهَنَ مِنهُ رَأسَ طالُوتَ، وقالَ لَهُ: أنْتَ مَلِكُ بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِي أمَرَنِي اللهُ بِتَقْدِيمِهِ، ثُمَّ قالَ لِبَنِي إسْرائِيلَ: ﴿إنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكم طالُوتَ مَلِكًا﴾، وطالُوتُ: اسْمٌ أعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، ولِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِفْ. وقالَ السُدِّيُّ: إنَّ اللهَ أرْسَلَ إلى شَمْعُونَ عَصًا، وقالَ لَهُ: مَن دَخَلَ عَلَيْكَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ فَكانَ عَلى طُولِ هَذِهِ العَصا فَهو مَلِكُهُمْ، فَقِيسَ بِها بَنُو إسْرائِيلَ فَكانَتْ تَطُولُهم حَتّى مَرَّ بِهِمْ طالُوتُ في بِغاءِ حِمارِهِ الَّذِي كانَ يَسْقِي عَلَيْهِ، وكانَ رَجُلًا سَقّاءً، فَدَعَوْهُ فَقاسُوهُ بِالعَصا، فَكانَ مِثْلَها، فَقالَ لَهم نَبِيُّهم ما قالَ. (p-٦)ثُمَّ إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ تَعَنَّتُوا وحادُوا عن أمْرِ اللهِ تَعالى، وجَرَوْا عَلى سُنَنِهِمْ، فَقالُوا: ﴿أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنهُ﴾ أيْ لِأنَّهُ لَيْسَ في بَيْتِ مَلِكٍ، ولا سَبَقَتْ لَهُ فِيهِ سابِقَةٌ، ولَمْ يُؤْتَ مالًا واسِعًا يَجْمَعُ بِهِ نُفُوسَ الرِجالِ حَتّى يَغْلِبَ أهْلَ الأنَفَةِ بِمالِهِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وتَرَكَ القَوْمُ السَبَبَ الأقْوى وهو قَدَرُ اللهِ وقَضاؤُهُ السابِقُ، وأنَّهُ مالِكُ المُلْكِ، فاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ نَبِيُّهم عَلَيْهِ السَلامُ بِالحُجَّةِ القاطِعَةِ، وبَيَّنَ لَهم مَعَ ذَلِكَ تَعْلِيلَ اصْطِفاءِ طالُوتَ، وأنَّهُ بَسْطَةٌ في العِلْمِ، وهو مِلاكُ الإنْسانِ. والجِسْمِ الَّذِي هو مُعِينُهُ في الحَرْبِ وعُدَّتُهُ عِنْدَ اللِقاءِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ في بَنِي إسْرائِيلَ سِبْطانِ - أحَدُهُما لِلنُّبُوَّةِ، والآخَرُ لِلْمُلْكِ، فَلا يُبْعَثُ نَبِيٌّ إلّا مِنَ الواحِدِ، ولا مَلِكٌ إلّا مِنَ الآخَرِ، فَلَمّا بُعِثَ طالُوتُ مِن غَيْرِ ذَلِكَ قالُوا مَقالَتَهم. قالَ مُجاهِدٌ: مَعْنى المُلْكِ في هَذِهِ الآيَةِ الإمْرَةُ عَلى الجَيْشِ ولَكِنَّهم قَلِقُوا لِأنَّ مِن عادَةِ مَن تَوَلّى الحَرْبَ وغَلَبَ أنْ يَسْتَمِرَّ مَلِكًا. واصْطَفِي: افْتَعَلَ مَأْخُوذٌ مِنَ الصَفْوَةِ. وقَرَأ نافِعٌ "بَصْطَةً" بِالصادِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وابْنُ كَثِيرٍ "بَسْطَةً" بِالسِينِ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ العِلْمَ في هَذِهِ الآيَةِ يُرادُ بِهِ العُمُومُ في المَعارِفِ. وقالَ بَعْضُ المُتَأوِّلِينَ: المُرادُ عِلْمُ الحَرْبِ. وأمّا جِسْمُهُ فَقالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إنَّ أطْوَلَ رَجُلٍ في بَنِي إسْرائِيلَ كانَ يَبْلُغُ مَنكِبَ طالُوتَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب