الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلى المُتَّقِينَ﴾ ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكم آياتِهِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ اخْتَلَفَ الناسُ في هَذِهِ الآيَةِ. (p-٦٠٨)فَقالَ أبُو ثَوْرٍ: هي مُحْكَمَةٌ، والمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ، دَخَلَ بِها أو لَمْ يَدْخُلْ، فُرِضَ لَها أو لَمْ يُفْرَضْ بِهَذِهِ الآيَةِ. وقالَ الزُهْرِيُّ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ، ولِلْأمَةِ يُطَلِّقُها زَوْجُها. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وقالَ ابْنُ القاسِمِ في إرْخاءِ السُتُورِ مِنَ "المُدَوَّنَةِ": جَعَلَ اللهُ تَعالى المَتاعَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِهَذِهِ الآيَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنى في الآيَةِ الأُخْرى الَّتِي قَدْ فَرَضَ لَها، ولَمْ يَدْخُلْ بِها، فَأخْرَجَها مِنَ المُتْعَةِ، وزَعَمَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ أنَّها نَسَخَتْها. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَفَرَّ ابْنُ القاسِمِ مِن لَفْظِ النَسْخِ إلى لَفْظِ الِاسْتِثْناءِ، والِاسْتِثْناءُ لا يَتَّجِهُ في هَذا المَوْضِعِ، بَلْ هو نَسْخٌ مَحْضٌ، كَما قالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، وإذا التَزَمَ ابْنُ القاسِمِ أنَّ قَوْلَهُ: "وَلِلْمُطَلَّقاتِ" عَمَّ كَلَّ مُطَلَّقَةٍ، لَزِمَهُ القَوْلُ بِالنَسْخِ ولا بُدَّ. وقالَ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ وغَيْرُهُ: هَذِهِ الآيَةُ في الثَيِّبِ اللَواتِي قَدْ جُومِعْنَ، إذْ قَدْ تَقَدَّمَ في غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ ذِكْرُ المُتْعَةِ للَّواتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ، فَهَذا قَوْلٌ بِأنَّ الَّتِي قَدْ فُرِضَ لَها قَبْلَ المَسِيسِ لَمْ تَدْخُلْ قَطُّ في هَذا العُمُومِ، فَهَذا يَجِيءُ قَوْلُهُ عَلى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٧] مُخَصَّصَةٌ لِهَذا الصِنْفِ مِنَ النِساءِ، ومَتى قِيلَ: إنَّ العُمُومَ تَناوُلَها، فَذَلِكَ نَسْخٌ لا تَخْصِيصٌ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ مُؤَكِّدَةً لِأمْرِ المُتْعَةِ، لِأنَّهُ نَزَلَ قَبْلَ ﴿حَقًّا عَلى المُتَّقِينَ﴾ فَوَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: هَذا الإيجابُ هو مِن تَأْوِيلِ الطَبَرِيِّ لا مِن لَفْظِ ابْنِ زَيْدٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: "حَقًّا" نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ، و"المُتَّقِينَ" هُنا ظاهِرُهُ أنَّ المُرادَ مَن (p-٦٠٩)تَلَبَّسَ بِتَقْوى اللهِ تَعالى، والكافُ في قَوْلِهِ: "كَذَلِكَ" لِلتَّشْبِيهِ، و"ذَلِكَ" إشارَةٌ إلى هَذا الشَرْحِ، والتَنْوِيعِ الَّذِي وقَعَ في النِساءِ وإلى إلْزامِ المُتْعَةِ لَهُنَّ، أيْ كَبَيانِهِ هَذِهِ القِصَّةَ يُبَيِّنُ سائِرَ آياتِهِ، و"لَعَلَّكُمْ" تَرَجٍّ في حَقِّ البَشَرِ، ومَن رَأى هَذا المُبَيِّنَ لَهُ رَجا أنْ يَعْقِلَ ما يُبَيِّنُ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب