الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُوًا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكم وما أنْزَلَ عَلَيْكم مِنَ الكِتابِ والحِكْمَةِ يَعِظُكم بِهِ واتَّقُوا اللهِ واعْلَمُوا أنَّ اللهِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٣١] ﴿وَإذا طَلَّقْتُمُ النِساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنَّ إذا تَراضَوْا بَيْنَهم بِالمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ مِنكم يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكم أزْكى لَكم وأطْهَرُ واللهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ المُرادُ: آياتُهُ النازِلَةُ في الأوامِرِ والنَواهِي. وقالَ الحَسَنُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيمَن طَلَّقَ لاعِبًا أو هازِلًا، أو راجِعَ كَذَلِكَ. وقالَتْهُ عائِشَةُ، وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِكاحُ، والطَلاقُ، والرَجْعَةُ»، ووَقَعَ هَذا الحَدِيثُ في المُدَوَّنَةِ مِن كَلامِ ابْنِ المُسَيِّبِ. " النِكاحُ، والطَلاقُ، والعِتْقُ، ثُمَّ ذَكَّرَ اللهُ عِبادَهُ بِإنْعامِهِ عَلَيْهِمْ بِالقُرْآنِ والسُنَّةِ. و"الحِكْمَةُ" هي السُنَّةُ المُبَيِّنَةُ عَلى لِسانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مُرادَ اللهِ فِيما لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ في الكِتابِ، والوَصْفُ بِـ "عَلِيمٌ" يَقْتَضِيهِ ما تَقَدَّمَ مِنَ الأفْعالِ الَّتِي ظاهِرُها خِلافُ النِيَّةِ فِيها كالمُحَلِّلِ والمُرْتَجِعِ مُضارَّةً. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا طَلَّقْتُمُ النِساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾. الآيَةُ خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مِنهُمُ الأزْواجُ، ومِنهُمُ الأولِياءُ، لِأنَّهُمُ المُرادُ في "تَعْضُلُوهُنَّ". (p-٥٧٠)وَبُلُوغُ الأجَلِ في هَذا المَوْضِعِ تَناهِيهِ لِأنَّ المَعْنى يَقْتَضِي ذَلِكَ. وقَدْ قالَ بَعْضُ الناسِ في هَذا المَوْضِعِ: إنَّ المُرادَ بِـ "تَعْضُلُوهُنَّ" الأزْواجُ، وذَلِكَ بِأنْ يَكُونَ الِارْتِجاعُ مُضارَّةً عَضْلًا عن نِكاحِ الغَيْرِ. فَقَوْلُهُ: "أزْواجَهُنَّ" عَلى هَذا يَعْنِي بِهِ الرِجالَ إذْ مِنهُمُ الأزْواجُ، وعَلى أنَّ المُرادَ بِـ "تَعْضُلُوهُنَّ" الأولِياءُ، فالأزْواجُ هُمُ الَّذِينَ كُنَّ في عِصْمَتِهِمْ. والعَضْلُ: المَنعُ مِنَ الزَواجِ. وهو مِن مَعْنى التَضْيِيقِ والتَعْسِيرِ كَما يُقالُ: أعْضَلَتِ الدَجاجَةُ إذا عَسُرَ بَيْضُها، والداءُ العُضالُ العَسِيرُ البُرْءِ. نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في مِعْقَلِ بْنِ يَسارٍ وأُخْتِهِ وقِيلَ: في جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وذَلِكَ أنَّ رَجُلًا طَلَّقَ أُخْتَهُ، وقِيلَ بِنْتُ عَمِّهِ وتَرَكَها حَتّى تَمَّتْ عِدَّتَها، ثُمَّ أرادَ ارْتِجاعَها فَغارَ جابِرٌ، وقالَ: تَرَكْتَها وأنْتَ أمْلَكُ بِها، لا زَوَّجْتُكَها أبَدًا، فَنَزَلَتِ الآيَةُ. وهَذِهِ الآيَةُ تَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِّ الوَلِيِّ في إنْكاحِ ولِيَّتِهِ، وأنَّ النِكاحَ يَفْتَقِرُ إلى ولِيٍّ، خِلافَ قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ: "إنَّ الوَلِيَّ لَيْسَ مِن شُرُوطِ النِكاحِ". وقَوْلُهُ: "بِالمَعْرُوفِ" مَعْناهُ: المَهْرُ والإشْهادُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ مِنكُمْ﴾ خِطابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ رُجُوعٌ إلى خِطابِ الجَماعَةِ، والإشارَةُ في "ذَلِكَ" إلى تَرْكِ العَضَلِ، و( أزْكى وأطْهَرُ ) مَعْناهُ، أطْيَبُ لِلنَّفْسِ، وأطْهَرُ لِلْعِرْضِ والدِينِ، بِسَبَبِ العَلاقاتِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الأزْواجِ، ورُبَّما لَمْ يَعْلَمْها الوَلِيُّ فَيُؤَدِّي العَضْلُ إلى الفَسادِ والمُخالَطَةِ عَلى ما لا يَنْبَغِي، واللهُ تَعالى يَعْلَمُ مِن ذَلِكَ ما لا يَعْلَمُ البَشَرُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب