الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أنْ يَتَراجَعا إنْ ظَنّا أنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وتِلْكَ حُدُودَ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَإذا طَلَّقْتُمُ النِساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾
(p-٥٦٦)قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَحّاكُ، وقَتادَةُ، والسُدِّيُّ: هَذا ابْتِداءُ الطَلْقَةِ الثالِثَةِ، فَيَجِيءُ التَسْرِيحُ المُتَقَدِّمُ تَرْكُ المَرْأةِ تَتِمُّ عِدَّتُها مِنَ الثانِيَةِ.
ومِن قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ الخُلْعَ فَسْخُ عِصْمَةٍ، ولَيْسَ بِطَلاقٍ، واحْتَجَّ مِن هَذِهِ الآيَةِ بِذِكْرِ اللهِ تَعالى الطَلاقَيْنِ، ثُمَّ ذِكْرُهُ الخُلْعَ، ثُمَّ ذِكْرُهُ الثالِثَةَ بَعْدَ الطَلاقَيْنِ، ولَمْ يَكُ لِلْخُلْعِ حُكْمٌ يُعْتَدُّ بِهِ. ذَكَرَ هَذا ابْنُ المُنْذِرِ في الإشْرافِ عنهُ، وعن عِكْرِمَةَ، وطاوُسٍ، وأحْمَدَ، وإسْحاقَ، وأبِي ثَوْرٍ، وذَكَرَ عَنِ الجُمْهُورِ خِلافَ قَوْلِهِمْ.
وقالَ مُجاهِدٌ: هَذِهِ الآيَةُ بَيانُ ما يَلْزَمُ المَسْرَحَ. والتَسْرِيحُ: هو الطَلْقَةُ الثالِثَةُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أو تَسْرِيحٌ﴾ [البقرة: ٢٢٩] يُحْتَمَلُ الوَجْهَيْنِ: إمّا تَرَكَها تَتِمُّ العِدَّةَ، وإمّا إرْدافُ الثالِثَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ حُكْمَ الِاحْتِمالِ الواحِدِ، إذِ الِاحْتِمالُ الثانِي قَدْ عُلِمَ مِنهُ أنَّهُ لا حُكْمَ لَهُ عَلَيْها بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ.
و"تَنْكِحَ" في اللُغَةِ جارٍ عَلى حَقِيقَتِهِ في الوَطْءِ ومَجازٌ في العَقْدِ.
واجْتَمَعَتِ الأُمَّةُ في هَذِهِ النازِلَةِ عَلى اتِّباعِ الحَدِيثِ الصَحِيحِ في «بِنْتِ سَمَوْألَ، (p-٥٦٧)امْرَأةَ رِفاعَةَ حِينَ تَزَوَّجَها عَبْدُ الرَحْمَنِ بْنُ الزُبَيْرِ، وكانَ رِفاعَةُ قَدْ طَلَّقَها ثَلاثًا، فَقالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إنِّي لا أُرِيدُ البَقاءَ مَعَ عَبْدِ الرَحْمَنِ، ما مَعَهُ إلّا مَثَلُ الهُدْبَةِ"، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ ﷺ: لَعَلَّكَ أرَدْتَ الرُجُوعَ إلى رِفاعَةَ ؟؟ لا. حَتّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكَ وتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ». فَرَأى العُلَماءُ أنَّ النِكاحَ المُحَلَّ إنَّما هو الدُخُولُ والوَطْءُ وكُلُّهم عَلى أنَّ مَغِيبَ الحَشَفَةِ يَحِلُّ، إلّا الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ فَإنَّهُ قالَ: "لا يَحِلُّ إلّا الإنْزالُ، وهو ذَوْقُ العُسَيْلَةِ، وقالَ بَعْضُ الفُقَهاءِ: التِقاءُ الخِتانَيْنِ يَحِلُّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والمَعْنى واحِدٌ، إذْ لا يَلْتَقِي الخِتانانِ إلّا مَعَ المَغِيبِ الَّذِي عَلَيْهِ الجُمْهُورُ.
ورُوِيَ عن سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ أنَّ العَقْدَ عَلَيْها يَحِلُّها لِلْأوَّلِ، وخُطِّئَ هَذا القَوْلُ لِخِلافِهِ الحَدِيثِ الصَحِيحِ، ويَتَأوَّلُ عَلى سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ الحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ، ولَمّا رَأى العَقْدَ عامِلًا في مَنعِ الرَجُلِ نِكاحَ امْرَأةٍ قَدْ عَقَدَ عَلَيْها أبُوهُ قاسٍ عَلَيْهِ عَمِلَ العَقْدُ في تَحْلِيلِ المُطَلَّقَةِ وتَحْلِيلُ المُطَلَّقَةِ تَرْخِيصٌ، فَلا يَتِمُّ إلّا بِالأوفى، ومَنَعَ الِابْنَ شِدَّةَ تَدَخُّلٍ بِأرَقِّ الأسْبابِ عَلى أصْلِهِمْ في البِرِّ والحِنْثِ.
والَّذِي يَحِلُّ عِنْدَ مالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ: النِكاحُ الصَحِيحُ والوَطْءُ المُباحُ، والمُحَلَّلُ إذا وافَقَ المَرْأةَ: فَلَمْ تُنْكَحْ زَوْجًا، ولا يَحِلُّ ذَلِكَ، ولا أعْلَمَ في اتِّفاقِهِ مَعَ الزَوْجَةِ خِلافًا. (p-٥٦٨)وَقالَ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ: إذا قَصَدَ المُحَلِّلُ التَحْلِيلَ وحْدَهُ لَمْ يَحِلَّ، وكَذَلِكَ إنْ قَصَدَتْهُ المَرْأةُ وحْدَها. ورَخَّصَ فِيهِ -مَعَ قَصْدِ المَرْأةِ وحْدَها- إبْراهِيمُ، والشَعْبِيُّ إذا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الزَوْجُ.
وقالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: إذا هم أحَدُ الثَلاثَةِ بِالتَحْلِيلِ لَمْ تَحِلَّ لِلْأوَّلِ وهَذا شاذٌّ. وقالَ سالِمٌ والقاسِمُ: لا بَأْسَ أنْ يَتَزَوَّجَها لِيُحِلَّها إذا لَمْ يَعْلَمِ الزَوْجانِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ﴾ الآيَةُ. المَعْنى: إنْ طَلَّقَها المُتَزَوِّجُ الثانِي فَلا جَناحَ عَلَيْهِما أيِ المَرْأةُ والزَوْجُ الأوَّلُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ولا خِلافَ فِيهِ، والظَنُّ هُنا عَلى بابِهِ مِن تَغْلِيبِ أحَدِ الجائِزَيْنِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: "أيْقَنّا". وقَوْلُهُ في ذَلِكَ ضَعِيفٌ، و"حُدُودُ اللهِ" الأُمُورُ الَّتِي أمَرَ ألّا تَتَعَدّى.
وخَصَّ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ بِالذِكْرِ تَشْرِيفًا لَهُمْ، وإذْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِما بَيَّنَ، أيْ نُصِبَ لِلْعِبْرَةِ مِن قَوْلٍ أو صَنْعَةٍ.
وأمّا إنْ أرَدْنا بِالتَبْيِينِ خَلْقَ البَيانِ في القَلْبِ فَذَلِكَ يُوجِبُ تَخْصِيصَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ بِالذِكْرِ، لِأنَّ مَن طُبِعَ عَلى قَلْبِهِ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ شَيْءٌ، وقَرَأ السَبْعَةُ "يُبَيِّنُها" بِالياءِ. وقَرَأ عاصِمٌ فِيما رُوِيَ عنهُ "نُبَيِّنُها" بِالنُونِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا طَلَّقْتُمُ النِساءَ﴾ الآيَةُ -خِطابٌ لِلرِّجالِ لا يَخْتَصُّ بِحُكْمِهِ إلّا الأزْواجُ، وذَلِكَ نَهْيُ لِلرَّجُلِ أنْ يَطَوِّلَ العِدَّةَ عَلى المَرْأةِ مُضارَّةً مِنهُ لَها، بِأنْ يَرْتَجِعَ قُرْبَ انْقِضائِها، ثُمَّ يُطَلِّقُ بَعْدَ ذَلِكَ، قالَهُ الضَحّاكُ وغَيْرُهُ، ولا خِلافَ فِيهِ.
ومَعْنى ( بَلَّغْنَ أجْلهنَّ ) قارَبْنَ، لِأنَّ المَعْنى يَضْطَرُّ إلى ذَلِكَ، لِأنَّهُ بَعْدَ بُلُوغِ الأجَلِ لا خِيارَ لَهُ في الإمْساكِ.
(p-٥٦٩)وَمَعْنى "أمْسِكُوهُنَّ": راجِعُوهُنَّ و"بِمَعْرُوفٍ" قِيلَ: هو الإشْهادُ، "وَلا تُمْسِكُوهُنَّ" أيْ لا تُراجِعُوهُنَّ ضِرارًا، وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ.
{"ayahs_start":230,"ayahs":["فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَیۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۤ أَن یَتَرَاجَعَاۤ إِن ظَنَّاۤ أَن یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ یُبَیِّنُهَا لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ","وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفࣲۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارࣰا لِّتَعۡتَدُوا۟ۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰاۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ یَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"],"ayah":"وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفࣲۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارࣰا لِّتَعۡتَدُوا۟ۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰاۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ یَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق