الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا﴾ ﴿وَأعْتَزِلُكم وما تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وأدْعُو رَبِّي عَسى ألا أكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ ﴿فَلَمّا اعْتَزَلَهم وما يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ وكُلا جَعَلْنا نَبِيًّا﴾ ﴿وَوَهَبْنا لَهم مِن رَحْمَتِنا وجَعَلْنا لَهم لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾
قَرَأ أبُو البَرَهْسَمِ: "سَلامًا" بِالنَصْبِ. واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في مَعْنى تَسْلِيمِهِ عَلَيْهِ - فَقالَ بَعْضُهُمْ: هي تَحِيَّةُ مُفارِقٍ، وجَوَّزُوا تَحِيَّةَ الكافِرِ، وأنْ يُبْدَأ بِها، وقالَ الجُمْهُورُ: ذَلِكَ التَسْلِيمُ بِمَعْنى المُسالَمَةِ لا بِمَعْنى التَحِيَّةِ، قالَ الطَبَرِيُّ: مَعْناهُ: أمَنَةٌ مِنِّي لَكَ، وهَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، وهم لا يَرَوْنَ ابْتِداءَ الكافِرِ بِالسَلامِ. وقالَ النَقّاشُ: حَلِيمٌ خاطَبَ سَفِيهًا، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَإذا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان: ٦٣]، ورَفْعَ "السَلامُ" بِالِابْتِداءِ، وجازَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ نَكِرَةً مُخَصَّصَةً، فَقَرُبَتْ مِنَ المَعْرِفَةِ، ولِأنَّهُ في مَوْضِعِ المَنصُوبِ الَّذِي هُوَ: سَلَّمْتَ سَلامًا، وهَذا كَما يَجُوزُ ذَلِكَ فِيما هو في مَعْنى الفاعِلِ، كَقَوْلِهِمْ: "شَرٌّ أهَرَّ ذا نابٌ"، هَذا مَقالُ سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ.
(p-٣٩)وَقَوْلُهُ: ﴿سَأسْتَغْفِرُ﴾ مَعْناهُ: سَأدْعُو اللهَ تَعالى في أنْ يَهْدِيَكَ، فَيَغْفِرُ لَكَ بِإيمانِكَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا أظْهَرُ مِن أنْ يُتَأوَّلَ عَلى إبْراهِيمَ الخَلِيلِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ أنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أنَّ اللهَ تَعالى لا يَغْفِرُ لِكافِرٍ، وقَدْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَلامُ أوَّلَ نَبِيٍّ أُوحِيَ إلَيْهِ أنْ لا يُغْفَرُ لِكافِرٍ؛ لِأنَّ هَذِهِ العَقِيدَةَ إنَّما طَرِيقُها السَمْعُ، فَكانَتْ هَذِهِ المَقالَةُ مِنهُ لِأبِيهِ قَبْلَ أنْ يُوحى إلَيْهِ ذَلِكَ، وإبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَلامُ إنَّما تَبَيَّنَ لَهُ في أبِيهِ أنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ بِأحَدِ وجْهَيْنِ: إمّا بِمَوْتِهِ عَلى الكُفْرِ كَما رُوِيَ، وإمّا بِأنْ أُوحِيَ إلَيْهِ تَعَسُّفُ الحَتْمِ عَلَيْهِ. وقالَ مَكِّيٌّ عَنِ السُدِّيِّ: أخَّرَهُ بِالِاسْتِغْفارِ إلى السَحَرِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا تَعَسُّفٌ، وإنَّما ذُكِرَ ذَلِكَ في أمْرِ يَعْقُوبَ وبَنِيهِ، وأمّا هَذا فَوَعْدٌ بِاسْتِغْفارٍ كَثِيرٍ مُؤْتَنِفٍ، فالسِينُ مُتَمَكِّنَةٌ.
و"الحَفِيُّ": المُبْتَهِلُ المُتَلَطِّفُ، وهَذا شُكْرٌ مِن إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ لِنِعَمِ اللهِ تَعالى عَلَيْهِ. ثُمْ أخْبَرَهُ أنَّهُ يَعْتَزِلُهُمْ، أيْ: يَصِيرُ عنهم بِمَعْزِلٍ، ويُرْوى أنَّهم كانُوا بِأرْضِ كَوْثى، فانْتَقَلَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَلامُ إلى الشامِ، وفي هِجْرَتِهِ تِلْكَ لَقِيَ الجَبّارُ الَّذِي أخْدَمَ هاجَرَ بِسارَّةَ.... الحَدِيثُ بِطُولِهِ. و"تَدْعُونَ": تَعْبُدُونَ. وقَوْلُهُ: "عَسى" تَرَجٍّ وفي ضِمْنِهِ خَوْفٌ شَدِيدٌ.
وقَوْلُهُ: ﴿فَلَمّا اعْتَزَلَهم وما يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾ الآيَةُ إخْبارٌ مِنَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى لِمُحَمَّدٍ ﷺ أنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ لَمّا رَحَلَ عن بَلَدِ أبِيهِ وبَلَدِ قَوْمِهِ عَوَّضَهُ اللهُ مِن ذَلِكَ ابْنَهُ إسْحاقَ وابْنَ ابْنِهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِما السَلامُ، وجُعِلَ لَهُ الوَلَدُ تَسْلِيَةً وشَدًّا لِعَضُدِهِ، وإسْحاقُ أصْغَرُ مِن إسْماعِيلَ ؛ ولَمّا حَمَلَتْ هاجَرُ بِإسْماعِيلَ غارَتْ سارَّةُ فَحَمَلَتْ بِإسْحاقَ فِيما رُوِيَ.
(p-٤٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَوَهَبْنا لَهم مِن رَحْمَتِنا﴾ يُرِيدُ العِلْمَ والمَنزِلَةَ والشَرَفَ في الدُنْيا والنَعِيمَ في الآخِرَةِ، كُلُّ ذَلِكَ مِن رَحْمَةِ اللهِ، و"لِسانُ الصِدْقِ" هو الثَناءُ الباقِي عَلَيْهِمْ آخِرَ الأبَدِ، قالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما. واللِسانُ في كَلامِ العَرَبِ المَقالَةُ الذائِعَةُ كانَتْ في خَيْرٍ أو شَرٍّ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ إنِّي أتَتْنِي لِسانٌ لا أُسِرُّ بِها مِن عُلُوٍّ لا كَذِبَ فِيها ولا سَخِرَ
وقالَ آخَرٌ:
؎ نَدِمْتُ عَلى لِسانٍ فاتَ مِنِّي ∗∗∗..............
وإبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَلامُ - وذُرِّيَّتُهُ - مُعَظَّمٌ في جَمِيعِ الأُمَمِ والمَمالِكِ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ.
(p-٤١)
{"ayahs_start":47,"ayahs":["قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّیۤۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِی حَفِیࣰّا","وَأَعۡتَزِلُكُمۡ وَمَا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدۡعُوا۟ رَبِّی عَسَىٰۤ أَلَّاۤ أَكُونَ بِدُعَاۤءِ رَبِّی شَقِیࣰّا","فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا یَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَۖ وَكُلࣰّا جَعَلۡنَا نَبِیࣰّا","وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِیࣰّا"],"ayah":"وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق