الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿ذَلِكَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ ﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ سُبْحانَهُ إذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿وَإنَّ اللهَ رَبِّي ورَبُّكم فاعْبُدُوهُ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾
المَعْنى: قُلْ يا مُحَمَّدُ لِمُعاصِرِيكَ مِنَ اليَهُودِ والنَصارى: ذَلِكَ الَّذِي مِنهُ قِصَّةُ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وإنَّما قَدَّرْنا في الكَلامِ "قُلْ" لِأنَّهُ يَجِيءُ في الآيَةِ بَعْدَ "وَإنَّ اللهَ رَبِّي ورَبُّكُمْ"، وهَذِهِ مُقالَةُ بَشَرٍ، ولَيْسَ يَقْتَضِي ظاهِرُ الآيَةِ قائِلًا مِنَ البَشَرِ سِوى مُحَمَّدٍ ﷺ، وقَدْ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "ذَلِكَ عِيسى " إلى قَوْلِهِ: "فَيَكُونُ" إخْبارًا لِمُحَمَّدٍ ﷺ واعْتِراضًا أثْناءَ كَلامِ عِيسى، ويَكُونُ قَوْلُهُ: "وَأنْ" بِفَتْحِ الألِفِ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ: "الكِتابَ"، وقالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: عَهِدَ عِيسى إلَيْهِمْ "أنَّ اللهَ رَبِّي ورَبُّكُمْ"، ومَن كَسَرَ الألِفَ عَطَفَ عَلى قَوْلِهِ: "إنِّي عَبْدُ اللهِ".
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وعامَّةُ الناسِ: "قَوْلُ الحَقِّ"، وقَرَأ عاصِمْ، وابْنُ عامِرٍ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ: "قَوْلَ الحَقِّ" بِنَصْبِ "القَوْلِ" عَلى (p-٣٢)المَصْدَرِ، وقالَ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ المُقْرِي: كانَ يُجالِسُنِي ضَرِيرٌ ثِقَةٌ، فَقالَ: رَأيْتُ النَبِيَّ ﷺ في النَوْمِ يَقْرَأُ: "قَوْلَ الحَقِّ" نَصْبًا، قالَ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ: وكُنْتُ أقْرَأُ بِالرَفْعِ فَحَسْبُ، فَصِرْتُ أقْرَأُ بِها جَمِيعًا، وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "قالَ اللهُ" بِمَعْنى: كَلِمَةُ اللهِ، وقَرَأ عِيسى: "قالَ الحَقَّ".
وقَرَأ نافِعٌ والجُمْهُورُ، "يَمْتَرُونَ" بِالياءِ عَلى الكِنايَةِ عنهُمْ، وقَرَأ نافِعٌ أيْضًا وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ السُلَمِيُّ، وداوُدُ بْنُ أبِي هِنْدٍ: "تَمْتَرُونَ" بِالتاءِ عَلى الخِطابِ لَهُمْ، والمَعْنى: تَخْتَلِفُونَ أيُّها اليَهُودُ والنَصارى، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هو لِزَنْيَةٍ ونَحْوُ هَذا، ويَقُولُ بَعْضُهُمْ: هو اللهُ تَعالى، فَهَذا هو امْتِراؤُهُمْ، وسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ مِن بَعْدِ هَذا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ سُبْحانَهُ﴾ مَعْناهُ النَفْيُ وهَذا هو مَعْنى هَذِهِ الألْفاظِ حَيْثُ وقَعَتْ، ثُمْ يُضافُ إلى ذَلِكَ بِحَسْبِ حالِ المَذْكُورِ فِيها، إمّا زَجْرٌ ونَهْيٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كانَ لأهْلِ المَدِينَةِ ومَن حَوْلَهم مِنَ الأعْرابِ أنْ يَتَخَلَّفُوا﴾ [التوبة: ١٢٠]، وإمّا تَعْجِيزٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كانَ لَكم أنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها﴾ [النمل: ٦٠]، وإمّا تَبَرُّئُهُ كَهَذِهِ الآيَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿مِن ولَدٍ﴾، دَخَلَتْ "مِن" مُؤَكِّدَةً لِلْجَحْدِ، لِنَفْيِ الواحِدِ فَما فَوْقَهُ مِمّا يَحْتَلُّهُ نَظِيرُ هَذِهِ العِبارَةِ إذا لَمْ تَدَخُّلْ "مِن"، وقَوْلُهُ: "أمْرًا" أيْ: واحِدًا مِنَ الأُمُورِ، ولَيْسَ بِمَصْدَرِ "أمَرَ يَأْمُرُ"، فَمَعْنى قَضى أوجَدَ وأخْرَجَ مِنَ العَدَمِ وهَذِهِ التَصارِيفُ في هَذِهِ الأفْعالِ مِن (p-٣٣)مُضِيٍّ واسْتِقْبالٍ هي بِحَسَبِ تَجَوُّزِ العَرَبِ واتِّساعِها، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في قَوْلِهِ تَعالى: " كُنْ فَيَكُونُ ".
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو: "وَأنَّ اللهَ" بِفَتْحِ الألِفِ، وذَلِكَ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ﴾ و ﴿وَإنَّ اللهَ رَبِّي﴾، كَذَلِكَ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وعاصِمْ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "وَإنَّ اللهَ" بِكَسْرِ الألِفِ، وذَلِكَ بَيِّنٌ عَلى الِاسْتِئْنافِ، وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "إنَّ اللهَ رَبِّي ورَبُّكُمْ" بِكَسْرِ الألْفِ دُونِ واوٍ.
وقَوْلُهُ: " فاعْبُدُوهُ "، وقَفَ ثُمُ ابْتَدَأ: " هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ " أيْ: ما أعْلَمَتْكم بِهِ عَنِ اللهِ تَعالى مِن وحْدانِيَّتِهِ، ونَفْيِ الوَلَدِ عنهُ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَتَنَزَّهُ عنهُ، طَرِيقٌ واضِحٌ مُفْضٍ إلى النَجاةِ ورَحْمَةِ اللهِ تَعالى.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَۖ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِی فِیهِ یَمۡتَرُونَ","مَا كَانَ لِلَّهِ أَن یَتَّخِذَ مِن وَلَدࣲۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤۚ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ","وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ"],"ayah":"وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق