الباحث القرآني
(p-٥)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ مَرْيَمَ
هَذِهِ السُورَةُ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعٍ، إلّا السَجْدَةَ مِنها، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: هي مَكِّيَّةٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي مَدَنِيَّةٌ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿كهيعص﴾ ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا﴾ ﴿إذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي وهَنَ العَظْمُ مِنِّي واشْتَعَلَ الرَأْسُ شَيْبًا ولَمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ ﴿وَإنِّي خِفْتُ المَوالِيَ مِن ورائِي وكانَتِ امْرَأتِي عاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ولِيًّا﴾ ﴿يَرِثُنِي ويَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾
اخْتَلَفَ الناسُ في الحُرُوفِ الَّتِي في أوائِلِ السُوَرِ عَلى قَوْلَيْنِ: فَقالَتْ فِرْقَةٌ: هي سِرُّ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى في القُرْآنِ، لا يَنْبَغِي أنْ يَعْرِضَ لَهُ، يُؤْمَنُ بِظاهِرِهِ ويُتْرَكُ باطِنَهُ. وقالَ الجُمْهُورُ: بَلْ يَنْبَغِي أنْ يُتَكَلَّمَ فِيها وتُطْلَبَ مَعانِيَها؛ فَإنَّ العَرَبَ قَدْ تَأْتِي بِالحَرْفِ الواحِدِ دالًّا عَلى كَلِمَةٍ، ولَيْسَ في كِتابِ اللهِ ما لا يُفْهَمُ، ثُمُ اخْتَلَفَ هَذا الجُمْهُورُ عَلى أقْوالٍ قَدِ اسْتَوْفَيْنا ذِكْرَها في سُورَةِ البَقَرَةِ، ونَذْكُرُ الآنَ ما يَخْتَصُّ بِهَذِهِ السُورَةِ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والضَحّاكُ: هَذِهِ حُرُوفٌ دالَّةٌ عَلى أسْماءٍ مِن أسْماءِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، الكافُ مِن "كَبِيرٍ"، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ أيْضًا: الكافُ مِن "كافٍ"، وقالَ أيْضًا: هي مِن "كَرِيمٍ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَمُقْتَضى أقْوالِهِ أنَّها دالَّةٌ عَلى كُلِّ اسْمٍ فِيهِ كافٌ مِن أسْمائِهِ تَعالى. قالُوا: والهاءُ مِن "هادٍ"، والياءُ مِن "عَلِيٍّ"، وقِيلَ: مِن "حَكِيمٍ"، وقالَ الرَبِيعُ بْنُ أنَسٍ: هي (p-٦)مِن "يَأْمَنُ لا يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ". قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: والعَيْنُ مِن "عَزِيزٍ"، وقِيلَ: مِن "عَلِيمٍ"، وقِيلَ: مِن "عَدْلٍ"، والصادُ مِن "صادِقٌ". وقالَ قَتادَةُ: بَلْ "كَهَيَعَصَ" بِجُمْلَتِهِ اسْمٌ لِلسُّورَةِ، وقالَتْ فَرْقَةٌ: بَلْ هي اسْمٌ مِن أسْماءِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى، ورُوِيَ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: "يا كَهَيَعَصَ اغْفِرْ لِي".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَهَذا يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مِن أسْماءِ اللهِ تَعالى، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنْ يُنادِيَ اللهَ تَعالى بِجَمِيعِ الأسْماءِ الَّتِي تَضَمَّنَها "كَهَيَعَصَ"، كَأنَّهُ أرادَ أنْ يَقُولَ: يا كَرِيمُ يا هادِي يا عَلِيُّ يا عَزِيزُ يا صادِقُ اغْفِرْ لِي، فَجَمَعَ هَذا كُلَّهُ بِاخْتِصارٍ في قَوْلِهِ: "يا كَهَيَعَصَ". وقالَ ابْنُ المُسْتَنِيرِ وغَيْرُهُ: "كَهَيَعَصَ" عِبارَةٌ عن حُرُوفِ المُعْجَمِ، ونَسَبَهُ الزَجّاجُ إلى أكْثَرِ أهْلِ اللُغَةِ، أيْ: هَذِهِ الحُرُوفُ مِنها ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وعَلى هَذا يَتَرَكَّبُ قَوْلُ مَن يَقُولُ: ارْتَفَعَ "ذِكْرُ" بِأنَّهُ خَبَرٌ عن "كَهَيَعَصَ"، وهي حُرُوفُ تَهَجٍّ يُوقَفُ عَلَيْها بِالسُكُونِ.
وقَرَأ الجَمِيعُ: "كافْ" بِإثْباتِ الألِفِ والفاءِ، وقَرَأ نافِعٌ "الهاءُ والياءُ" وبَيْنَ الكَسْرِ والفَتْحِ، ولا يُدْغِمُ الدالُّ في الذالِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ أيْضًا بِفَتْحِ الهاءِ والياءِ، وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ بِضَمِّ الهاءِ وفَتْحِ الياءِ، وقَدْ رُوِيَ عنهُ ضَمُّ الياءِ، ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ قَرَأ: "كافْ" بِضَمِّ الفاءِ، قالَ أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ: مَعْنى الضَمِّ في الهاءِ والياءِ إشْباعُ التَفْخِيمِ، ولَيْسَ بِالضَمِّ الخالِصِ الَّذِي يُوجِبُ القَلْبَ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو بِكَسْرِ الهاءِ وفَتْحِ الياءِ، وقَرَأ عاصِمْ بِكَسْرِها، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ بِإظْهارِ النُونِ مِن "عَيِينْ"، وهي قِراءَةُ حَفْصٍ عن عاصِمْ، وهو القِياسُ؛ إذْ هي حُرُوفٌ مُنْفَصِلَةٌ، وقَرَأ الجَمِيعُ: "عَيِينْ" بِإخْفاءِ النُونِ، جَعَلُوها في حُكْمِ الِاتِّصالِ، وقَرَأ الأكْثَرُ بِإظْهارِ الدالِّ مِن "صادْ"، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو بِإدْغامِهِ في الذالِ مِن قَوْلِهِ: "ذِكْرُ"، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ بْنُ القَعْقاعِ بِإظْهارِ هَذِهِ الحُرُوفِ كُلِّها وتَخْلِيصِ بَعْضِها مِن بَعْضٍ.
(p-٧)وارْتَفَعَ قَوْلُهُ: "ذِكْرُ" -فِيما قالَتْ فِرْقَةٌ- بِقَوْلِهِ: "كَهَيَعَصَ"، وقَدْ تَقَدَّمَ وجْهُ ذَلِكَ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: ارْتَفَعَ عَلى خَبَرِ مُبْتَدَإٍ تَقْدِيرُهُ: هَذا ذِكْرُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: ارْتَفَعَ بِالِابْتِداءِ والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيرُهُ: "فِيما أُوحِيَ إلَيْكَ ذِكْرُ". وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ، وابْنُ يَعْمُرَ: "ذَكَّرَ رَحْمَةَ رَبِّكَ"، بِفَتْحِ الذالِ والكافِ "المُشَدَّدَةِ" والراءِ، عَلى مَعْنى: هَذا المَتْلُوُّ ذَكَّرَ رَحْمَةَ رَبِّكَ عَبْدَهُ، ومَن قالَ:"فِي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ" فَقَدْ تَعَسَّفَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "زَكَرِيّاءَ" بِالمَدِّ، وقَرَأ الأعْمَشُ، ويَحْيى، وطَلْحَةُ: "زَكَرِيّا" بِالقَصْرِ، وهُما لُغَتانِ، وفِيهِ لُغاتٌ غَيْرُهُما.
وقَوْلُهُ تَعالى: "نادى" مَعْناهُ: بِالدُعاءِ والرَغْبَةِ. واخْتُلِفَ في مَعْنى "إخْفائِهِ" هَذا النِداءَ، فَقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ذَلِكَ لِأنَّ الأعْمالَ الخَفِيَّةَ أفْضَلُ وأبْعَدُ مِنَ الرِياءِ، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: «خَيْرُ الذِكْرِ الخَفِيُّ»، وقالَ غَيْرُهُ: يُسْتَحَبُّ الإخْفاءُ بَيْنَ العَبْدِ ومَوْلاهُ في الدُعاءِ الَّذِي هو في مَعْنى العَفْوِ والمَغْفِرَةِ، لِأنَّهُ يَدُلُّ مِنَ الإنْسانِ عَلى أنَّهُ خَيْرٌ، فَإخْفاؤُهُ أبْعَدُ مِنَ الرِياءِ، وأمّا دُعاءُ زَكَرِيّا وطَلَبُهُ فَكانَ في أمْرِ دُنْيا وهو طَلَبُ الوَلَدِ فَإنَّما إخْفاؤُهُ لِئَلّا يَلُومَهُ الناسُ في ذَلِكَ، ولِيَكُونَ عَلى أوَّلِ أمْرِهِ، إنْ أُجِيبَ نالَ بُغْيَتَهُ، وإنْ لَمْ يُجَبْ لَمْ يَعْرِفْ أحَدٌ بِذَلِكَ. ويُقالُ: وُصِفَ بِالخَفاءِ لِأنَّهُ كانَ في جَوْفِ اللَيْلِ.
و "وَهَنَ" مَعْناهُ: ضَعُفَ، والوَهْنُ في الشَخْصِ أوِ الأمْرِ: الضَعْفُ. وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَهِنَ" بِكَسْرِ الهاءِ. "واشْتَعَلَ" مُسْتَعارَةٌ لِلشَّيْبِ مِنَ اشْتِعالِ النارِ، عَلى التَشْبِيهِ بِهِ، و"شَيْبًا" نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ في قَوْلِ مَن رَأى "اشْتَعَلَ" في مَعْنى شابٍّ، وعَلى التَمْيِيزِ في قَوْلِ مَن لا يَرى ذَلِكَ، بَلْ رَآهُ فِعْلًا آخَرَ، فالأمْرُ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِمْ: وامْتَلَأتْ غَيْظًا.
قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ شُكْرٌ لِلَّهِ تَعالى عَلى سالِفِ أيادِيهِ عِنْدَهُ، مَعْناهُ: قَدْ أحْسَنْتَ إلَيَّ فِيما سَلَفَ، وسَعِدْتُ بِدُعائِي إيّاكَ، فالإنْعامُ يَقْتَضِي أنْ يَشْفَعَ آخِرُهُ أوَّلَهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنِّي خِفْتُ المَوالِيَ﴾ الآيَةُ، اخْتَلَفَ الناسُ في المَعْنى (p-٨)الَّذِي مِن أجْلِهِ خافَ المَوالِيَ، فَقالَ ابْنُ عامِرٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وأبُو صالِحٍ: خافَ أنْ يَرِثُوا مالَهُ وأنْ تَرِثَهُ الكَلالَةُ، فَأشْفَقَ مِن ذَلِكَ، ورَوى قَتادَةُ، والحَسَنُ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «يَرْحَمُ اللهُ أخِي زَكَرِيّا، ما كانَ عَلَيْهِ مِمَّنْ يَرِثُ مالَهُ»، وقالَتْ فِرْقَةٌ: إنَّما كانَ مَوالِيهِ مُهْمِلِينَ لِلدِّينِ، فَخافَ بِمَوْتِهِ أنْ يَضِيعَ الدِينُ، فَطَلَبَ ولِيًّا يَقُومُ بِالدِينِ بَعْدَهُ، حَكى هَذا القَوْلَ الزَجّاجُ، وفِيهِ أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَسْألَ زَكَرِيّا مَن يَرِثُ مالَهُ إذِ الأنْبِياءُ لا تُورَثُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا يُؤَيِّدُ قَوْلَ النَبِيِّ ﷺ: «إنّا مَعْشَرَ الأنْبِياءِ لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ»، ويُوهِنُهُ ذِكْرُ العاقِرِ، والأكْثَرُ مِنَ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّهُ أرادَ وِراثَةَ المالِ، ويَحْتَمَلُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: «إنّا مَعْشَرَ الأنْبِياءِ لا نُورَثُ» ألّا يُرِيدَ بِهِ العُمُومَ، بَلْ عَلى أنَّهُ غالِبُ أمْرِهِمْ، فَتَأمَّلْهُ. والأظْهَرُ الألْيَقُ بِزَكَرِيّا عَلَيْهِ السَلامُ أنْ يُرِيدَ وِراثَةَ العِلْمِ والدِينِ، فَتَكُونَ الوِراثَةُ مُسْتَعارَةً، ألا تَرى أنَّهُ إنَّما طَلَبَ ولِيًّا، ولَمْ يُخَصِّصْ ولَدًا فَبَلَّغَهُ اللهُ أمَلَهُ عَلى أكْمَلِ الوُجُوهِ؟ وقالَ أبُو صالِحٍ وغَيْرُهُ: قَوْلُهُ: "يَرِثُنِي" يُرِيدُ المالَ، وقَوْلُهُ: ﴿وَيَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ﴾ يُرِيدُ العِلْمَ والنُبُوَّةَ، وقالَ السُدِّيُّ: رَغِبَ زَكَرِيّا في الوَلَدِ.
و "خِفْتُ" مِنَ الخَوْفِ، هي قِراءَةُ الجُمْهُورِ، وعَلَيْها هو هَذا التَفْسِيرُ، وقَرَأ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وسَعِيدُ بْنُ العاصِي، وابْنُ يَعْمُرَ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، وغَيْرُهُمْ: "خَفَّتِ" بِفَتْحِ الخاءِ وفَتْحِ الفاءِ وشَدِّها وكَسْرِ التاءِ، وعَلى إسْنادِ الفِعْلِ إلى "المَوالِيَ"، والمَعْنى -عَلى هَذا-: انْقَطَعَ أولِيائِي وماتُوا، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فَإنَّما طَلَبَ ولِيًّا يَقُولُ بِالدِينِ. و"المَوالِيَ": بَنُو العَمِّ والقُرابَةُ الَّذِينَ يَلُونَ بِالنَسَبِ. وقَوْلُهُ: ﴿مِن ورائِي﴾ أيْ: مِن بَعْدِي في الزَمَنِ، فَهم (p-٩)الوَراءُ عَلى ما بَيَّنّاهُ في سُورَةِ الكَهْفِ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ في هَذِهِ الآيَةِ: أيْ مِن بَيْنِ يَدِي ومِن أمامِي، وهَذا قِلَّةُ تَحْرِيرٍ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "مِن ورائِيَ" بِالمَدِّ والهَمْزِ وفَتْحِ الياءِ، وقَرَأ أيْضًا ابْنُ كَثِيرٍ: "مِن ورايَ" بِالياءِ المَفْتُوحَةِ مِثْلُ "عَصايَ"، والباقُونَ هَمَزُوا ومَدُّوا وسَكَّنُوا الياءَ.
و "العاقِرُ" مِنَ النِساءِ الَّتِي لا تَلِدُ مِن غَيْرِ كِبَرٍ، وكَذَلِكَ العاقِرُ مِنَ الرِجالِ، ومِنهُ قَوْلُ عامِرِ بْنِ الطُفَيْلِ:
؎ لَبِئْسَ الفَتى إنْ كَنْتُ أعْوَرَ عاقِرًا جَبانًا فَما عُذْرِي لَدى كُلِّ مَحْضَرِ
و "زَكَرِيّا" عَلَيْهِ السَلامُ لِما رَأى مِن حالِهِ إنَّما طَلَبَ ولِيًّا، ولَمْ يُصَرِّحْ "بِالوَلَدِ" لِبُعْدِ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِسَبَبِ المَرْأةِ، ثُمْ وصَفَ الوَلِيَّ بِالصِفَةِ الَّتِي هي قَصْدُهُ، وهو أنْ يَكُونَ وارِثًا، وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ طَلَبَ الوَلَدَ، ثُمْ شَرَطَ أنْ تَكُونَ الإجابَةُ في أنْ يَعِيشَ حَتّى يَرِثَهُ، تَحَفُّظًا مِن أنْ تَقَعَ الإجابَةُ في الوَلَدِ لَكِنْ يَخْتَرِمْ فَلا يَتَحَصَّلُ مِنهُ الغَرَضُ المَقْصُودُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يَرِثُنِي ويَرِثُ" بِرَفْعِ الفِعْلَيْنِ عَلى مَعْنى الصِفَةِ لِلْوَلِيِّ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ: "يَرِثْنِي ويَرِثْ" بِجَزْمِ الفِعْلَيْنِ، وهَذا عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ لَيْسَ هو جَوابَ "هَبْ"، إنَّما تَقْدِيرُهُ: إنْ تَهَبْهُ يَرِثْنِي، والأوَّلُ أصْوَبُ في المَعْنى؛ لِأنَّهُ طَلَبَ وارِثًا مَوْصُوفًا، ويُضْعِفُ الجَزْمَ أنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَوْهُوبٍ يَرِثُ. وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، (p-١٠)وابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وغَيْرُهُما: "يَرِثُنِي وارِثٌ مِن آلِ يَعْقُوبَ"، قالَ أبُو الفَتْحِ: وهَذا مَعْناهُ التَجْرِيدُ، التَقْدِيرُ: يَرِثُنِي مِنهُ أو بِهِ وارِثٌ، وقَرَأ مُجاهِدٌ: "يَرِثُنِي ويَرِثُ" عَلى التَصْغِيرِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن آلِ يَعْقُوبَ﴾ يُرِيدُ مِنهُمُ الحِكْمَةَ والعِلْمَ والنُبُوَّةَ، والمِيراثُ في هَذا كُلِّهِ اسْتِعارَةٌ. و "رَضِيٌّ" مَعْناهُ: مَرْضِيٌّ، فَهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["كۤهیعۤصۤ","ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِیَّاۤ","إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَاۤءً خَفِیࣰّا","قَالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّی وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَیۡبࣰا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَاۤىِٕكَ رَبِّ شَقِیࣰّا","وَإِنِّی خِفۡتُ ٱلۡمَوَ ٰلِیَ مِن وَرَاۤءِی وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣰا فَهَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا","یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنۡ ءَالِ یَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِیࣰّا"],"ayah":"ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِیَّاۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق