الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿أمّا السَفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ في البَحْرِ فَأرَدْتُ أنْ أعِيبَها وكانَ وراءَهم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾
قَرَأ الجُمْهُورُ: "لِمَساكِينَ" بِتَخْفِيفِ السِينِ، جَمْعُ مِسْكِينَ، واخْتُلِفَ في صِفَتِهِمْ -فَقالَتْ فِرْقَةٌ: كانَتْ لِقَوْمٍ تُجّارٍ، ولَكِنَّهم مِن حَيْثُ هم مُسافِرُونَ عَلى قَلَتٍ وفي لُجَّةِ بِحْرٍ وبِحالِ ضَعْفٍ عن مُدافَعَةِ غَصْبِ جائِرٍ، عَبَّرَ عنهم بِـ "مَساكِينَ"؛ إذْ هم في حالَةٍ يُشْفَقُ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا كَما تَقُولُ لِرَجُلٍ غَنِيٍّ -إذا وقَعَ في وهْلَةٍ أو خَطَبَ-: مِسْكِينٌ. وقالَتْ (p-٦٤٦)فِرْقَةٌ: كانُوا عَشَرَةَ إخْوَةٍ أهَّلَ عاهاتٍ، خَمْسَةٌ مِنهم عامِلُونَ في السَفِينَةِ، وخَمْسَةٌ لا قُدْرَةَ بِهِمْ عَلى العَمَلِ.
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "لِمَسّاكِينَ" بِتَشْدِ السِينِ، واخْتُلِفَ في تَأْوِيلِ ذَلِكَ -فَقالَتْ فِرْقَةٌ: أرادَ بِالمَسّاكِينِ مَلّاحِي السَفِينَةِ، وذَلِكَ أنَّ المَسّاكَ هو الَّذِي يُمْسِكُ رِجْلَ المَرْكَبِ، وكُلُّ الخِدْمَةِ يَصْلُحُ لِإمْساكِهِ، فَسُمِّيَ الجَمِيعُ مَسّاكِينَ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: أرادَ بِالمَسّاكِينِ دَبَغَةَ المُسُوكِ وهي الجُلُودُ واحِدُها مَسْكٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والأظْهَرُ في ذَلِكَ القِراءَةُ الأُولى، وأنَّ مَعْناها أنَّ السَفِينَةَ لِقَوْمٍ ضُعَفاءَ يَنْبَغِي أنْ يُشْفَقَ عَلَيْهِمْ، واحْتَجَّ الناسُ بِهَذِهِ الآيَةِ في أنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لَهُ البُلْغَةُ مِنَ العَيْشِ، كالسَفِينَةِ لِهَؤُلاءِ، وأنَّهُ أصْلَحُ حالًا مِنَ الفَقِيرِ، واحْتَجَّ مَن يَرى خِلافَ هَذا بِقَوْلِ الشاعِرِ:
؎ أمًّا الفَقِيرُ الَّذِي كانَتْ حَلُوبَتُهُ ∗∗∗ وفْقَ العِيالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وتَحْرِيرُ هَذا عِنْدِي أنَّهُما لَفْظانِ يَدُلّانِ عَلى ضَعْفِ الحالِ جِدًّا، ومَعَ المَسْكَنَةِ انْكِشافٌ وذُلُّ بِسُؤالٍ، ولِذَلِكَ جَعَلَهُما اللهُ تَعالى صِنْفَيْنِ في قِسْمِ الصَدَقاتِ، فَأمّا حَدِيثُ النَبِيِّ ﷺ الَّذِي هُوَ: « "لَيْسَ المِسْكِينُ بِهَذا الطَوافِ"» فَجُعِلَ المَساكِينُ في اللُغَةِ أهْلَ الحاجَةِ الَّذِينَ قَدْ كَشَفُوا وُجُوهَهُمْ، وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا في سَبِيلِ اللهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] فَجَعَلَ الفُقَراءَ الَّذِينَ لَمْ يَكْشِفُوا وُجُوهَهم. وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في هَذِهِ المَسْألَةِ بَأوعَبَ مِن هَذا.
(p-٦٤٧)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكانَ وراءَهم مَلِكٌ﴾، قالَ قَوْمٌ: مَعْناهُ: أمامَهُمْ، وقالُوا: "وَراءُ" مِنَ الأضْدادِ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ، وابْنُ عَبّاسٍ: وكانَ أمامَهم مَلَكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالِحَةٍ، وقَرَأ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "وَكانَ وراءَهم مَلَكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالِحَةٍ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وقَوْلُهُ: "وَراءَهُمْ" هو عِنْدِي عَلى بابِهِ، وذَلِكَ أنَّ هَذِهِ الألْفاظَ إنَّما تَجِيءُ مُراعى بِها الزَمَنُ، وذَلِكَ أنَّ الحادِثَ المُقَدَّمَ الوُجُودُ هو الإمامُ، وبَيْنَ اليَدِ لِما يَأْتِي بَعْدَهُ في الزَمَنِ، والَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هو الوَراءُ وهو ما خَلَفَ، وذَلِكَ بِخِلافِ ما يَظْهَرُ بِبادِئِ الرَأْيِ، وتَأمَّلْ هَذِهِ الألْفاظَ في مَواضِعِها حَيْثُ ورَدَتْ تَجِدُها تُطْرَدُ، فَهَذِهِ الآيَةُ مَعْناها: إنَّ هَؤُلاءِ وعَمَلَهم وسَعْيَهم يَلِي بَعْدَهُ في الزَمَنِ غَصْبٌ مِنَ المَلِكِ، ومَن قَرَأ: "أمامَهُمْ" أرادَ: في المَكانِ، أيْ أنَّهم كانُوا يَسِيرُونَ إلى بَلَدِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى في التَوْراةِ والإنْجِيلِ إنَّهُما "بَيْنَ يَدَيِ القُرْآنِ" مُطْرَدٌ عَلى ما قُلْنا في الزَمانِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿مِن ورائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ [الجاثية: ١٠] مُطْرَدٌ كَما قُلْنا مُراعاةَ الزَمانِ، وقَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "الصَلاةُ أمامَكَ"» يُرِيدُ في المَكانِ، وإلّا فَكَوْنُهم في ذَلِكَ الوَقْتِ كانَ أمامَ الصَلاةِ في الزَمَنِ، فَتَأمَّلْ هَذِهِ المَقالَةَ فَإنَّها مُرِيحَةٌ مِن شَغَبِ هَذِهِ الألْفاظِ. ووَقَعَ لِقَتادَةَ في كِتابِ الطَبَرِيِّ: ﴿وَكانَ وراءَهم مَلِكٌ﴾، قالَ قَتادَةُ: أمامَهُمْ، ألا تَرى أنَّهُ يَقُولُ: ﴿مِن ورائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ [الجاثية: ١٠] وهي بَيْنُ أيْدِيهِمْ.
(p-٦٤٨)وَهَذا القَوْلُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وهَذِهِ هي العُجْمَةُ الَّتِي كانَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ يَضُجُّ مِنها. قالَهُ الزَجّاجُ. ويَجُوزُ أنْ كانَ رُجُوعُهم في طَرِيقِهِمْ عَلى الغاصِبِ فَكانَ وراءَهم حَقِيقَةٌ. وقِيلَ: اسْمُ هَذا الغاصِبِ هُدَدُ بْنُ بُدَدِ، وقِيلَ: اسْمُهُ الجَلَنْدِيُّ، وهَذا كُلُّهُ غَيْرُ ثابِتٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلَّ سَفِينَةٍ﴾ عُمُومٌ مَعْناهُ الخُصُوصُ في الجِيادِ مِنها الصِحاحِ المارَّةِ بِهِ.
{"ayah":"أَمَّا ٱلسَّفِینَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَـٰكِینَ یَعۡمَلُونَ فِی ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِیبَهَا وَكَانَ وَرَاۤءَهُم مَّلِكࣱ یَأۡخُذُ كُلَّ سَفِینَةٍ غَصۡبࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق