الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَعَسى رَبِّي أنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِن جَنَّتِكَ ويُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا مِن السَماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ ﴿أو يُصْبِحَ ماؤُها غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أنْفَقَ فِيها وهي خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ويَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أحَدًا﴾ ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وما كانَ مُنْتَصِرًا﴾ ﴿هُنالِكَ الوَلايَةُ لِلَّهِ الحَقِّ هو خَيْرٌ ثَوابًا وخَيْرٌ عُقْبًا﴾
هَذا التَرَجِّي بِـ "عَسى" يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ: في الدُنْيا، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: في الآخِرَةِ، وتَمَنِّي ذَلِكَ في الآخِرَةِ أشْرَفُ مَقْطَعًا، وأذْهَبُ مَعَ الخَيْرِ والصَلاحِ، وأنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُرادُ بِهِ الدُنْيا أذْهَبُ في نِكايَةِ هَذا المُخاطَبِ، وأشَدُّ إيلامًا لِنَفْسِهِ.
و"الحُسْبانُ": العَذابُ كالبَرْدِ والصَرِّ ونَحْوَهُ، واحِدُ الحُسْبانِ: حُسْبانَةٌ، وهي المَرامِي مِن هَذِهِ الأنْواعِ المَذْكُورَةِ، وهي سِهامٌ تُرْمى دَفْعَةً بِآلَةٍ لِذَلِكَ. و"الصَعِيدُ": وجْهُ الأرْضِ، و"الزَلَقُ": الَّذِي لا يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ، يَعْنِي أنَّهُ تَذْهَبُ أشْجارُهُ ونَباتُهُ، ويَبْقى أرْضًا قَدْ ذَهَبَتْ مَنافِعُها حَتّى مَنفَعَةَ المَشْيِ، فَهي وحْلٌ لا تُنْبِتُ ولا تَثْبُتُ فِيها قَدَمٌ.
(p-٦١١)وَ "الغَوْرُ" مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ الماءُ المُفْرَدُ والمِياهُ الكَثِيرَةُ، كَقَوْلِكَ: رَجُلٌ عَدْلٌ وامْرَأةُ عَدْلٌ ونَحْوَهُ، ومَعْناهُ: ذاهِبًا في الأرْضِ لا يُسْتَطاعُ تَناوُلُهُ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "غُورًا" بِضَمِّ الغَيْنِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "غُؤُرًا" بِضَمِّ الغَيْنِ وهَمْزِ الواوِ، و"غَوْرٌ" مِثْلُ "نَوْحٍ" يُوصَفُ بِهِ الواحِدُ والجَمْعُ، المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ تَظَلُّ جِيادُها نَوْحًا عَلَيْهِ ∗∗∗ مُقَلَّدَةٌ أعِنَّتَها صُفُونا
وهَذا كَثِيرٌ، وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ الآيَةُ. هَذا خَبَرٌ مِنَ اللهِ تَعالى عن إحاطَةِ العَذابِ بِحالِ هَذا المُمَثَّلِ بِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في الثَمَرِ، غَيْرَ أنَّ الإحاطَةَ كِنايَةٌ عن عُمُومِ العَذابِ والفَسادِ. و﴿يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ يُرِيدُ: يَضَعُ بَطْنَ إحْداهُما عَلى ظَهْرِ الأُخْرى، وذَلِكَ فِعْلُ المُتَلَهِّفِ المُتَأسِّفِ عَلى فائِتٍ أو خَسارَةٍ أو نَحْوَها، ومَن عَبَّرَ بِـ "يُصَفِّقُ" فَلَمْ يُتْقِنْ. وقَوْلُهُ: ﴿خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها﴾ يُرِيدُ أنَّ السُقُوفَ وقَعَتْ، وهي العُرُوشُ، ثُمَّ تَهَدَّمَتِ الحَيِّطانُ عَلَيْها، فَهي خاوِيَةٌ والحَيِّطانُ عَلى العُرُوشِ. ﴿وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أحَدًا﴾، قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: هي حِكايَةٌ عن قَوْلِ الكافِرِ هَذِهِ المَقالَةَ في الآخِرَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ أنَّهُ قالَها في الدُنْيا عَلى جِهَةِ التَوْبَةِ بَعْدَ حُلُولِ المُصِيبَةِ، ويَكُونُ فِيها زَجْرٌ لِلْكَفَرَةِ مِن قُرَيْشٍ أو غَيْرِهِمْ؛ لِئَلّا تَجِيءَ لَهم حالٌ يُؤْمِنُونَ فِيها بَعْدَ نِقَمٍ تَحُلُّ بِهِمْ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرُو، والحَسَنُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ: "وَلَمْ تَكُنْ" بِالتاءِ عَلى لَفْظِ الفِئَةِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ وثّابٍ: "وَلَمْ يَكُنْ" بِالياءِ عَلى المَعْنى. و"الفِئَةُ": الجَماعَةُ الَّتِي يَلْجَأُ إلى نَصْرِها، قالَ مُجاهِدٌ: هي العَشِيرَةُ.
(p-٦١٢)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهِيَ عِنْدِي مِن: فاءَ يَفِيءُ، وزْنُها فِعْلَةٌ "فِيئَةٌ" حُذِفَتِ العَيْنَ تَخْفِيفًا، وقَدْ قالَ أبُو عَلِيٍّ وغَيْرُهُ: هي مِن فَأوتُ ولَيْسَتْ مِن فاءَ، وهَذا الَّذِي قالُوهُ أدْخَلَ في التَصْرِيفِ، والأوَّلُ أحْكَمٌ في المَعْنى. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "فِئَةٌ تَنْصُرُهُ".
وقَوْلُهُ تَعالى: "هُنالِكَ" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِقَوْلِهِ: "مُنْتَصِرًا"، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ "الوَلايَةُ" مُبْتَدَأً و"هُنالِكَ" خَبُرُهُ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، والأعْمَشُ، ويَحْيى بْنُ وثّابٍ: "الوِلايَةُ" بِكَسْرِ الواوِ، وهي بِمَعْنى الرِياسَةِ والزَعامَةِ ونَحْوَهُ، وقَرَأ الباقُونَ: "الوَلايَةُ" بِفَتْحِ الواوِ، وهي بِمَعْنى المُوالاةِ والصِلَةِ ونَحْوَهُ، ويُحْكى عن أبِي عَمْرُو، والأصْمَعِيُّ أنَّ كَسْرَ الواوِ هُنا لَحْنٌ؛ لِأنَّ (فِعالَةَ) إنَّما تَجِيءُ فِيما كانَ صَنْعَةً أو مَعْنًى مُتَقَلَّدًا، ولَيْسَ هُنا تَوَلِّي أمْرٍ.
وقَرَأ أبُو عَمْرُو، والكِسائِيُّ: "الحَقُّ" بِالرَفْعِ عَلى جِهَةِ النَعْتِ لِ "الوَلايَةُ"، وقَرَأ الباقُونَ: "الحَقِّ" بِالخَفْضِ عَلى النَعْتِ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "لِلَّهِ الحَقَّ" بِالنَصْبِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "عُقُبًا" بِضَمِّ العَيْنِ والقافِ، وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والحَسَنُ: "عُقْبًا" بِضَمِّ العَيْنِ وسُكُونِ القافِ وتَنْوِينِ الباءِ، وقَرَأ عاصِمٌ أيْضًا: "عُقْبى" بِياءِ التَأْنِيثِ. والعُقْبُ والعُقُبُ بِمَعْنى المُعاقَبَةِ.
{"ayahs_start":40,"ayahs":["فَعَسَىٰ رَبِّیۤ أَن یُؤۡتِیَنِ خَیۡرࣰا مِّن جَنَّتِكَ وَیُرۡسِلَ عَلَیۡهَا حُسۡبَانࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَتُصۡبِحَ صَعِیدࣰا زَلَقًا","أَوۡ یُصۡبِحَ مَاۤؤُهَا غَوۡرࣰا فَلَن تَسۡتَطِیعَ لَهُۥ طَلَبࣰا","وَأُحِیطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ یُقَلِّبُ كَفَّیۡهِ عَلَىٰ مَاۤ أَنفَقَ فِیهَا وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَیَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّیۤ أَحَدࣰا","وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةࣱ یَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا","هُنَالِكَ ٱلۡوَلَـٰیَةُ لِلَّهِ ٱلۡحَقِّۚ هُوَ خَیۡرࣱ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ عُقۡبࣰا"],"ayah":"وَأُحِیطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ یُقَلِّبُ كَفَّیۡهِ عَلَىٰ مَاۤ أَنفَقَ فِیهَا وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَیَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّیۤ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق