الباحث القرآني
(p-٥٤٦)قوله عزّ وجلّ:
﴿قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وبَيْنَكم إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ ﴿وَمَن يَهْدِ اللهُ فَهو المُهْتَدِي ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهم أولِياءَ مِن دُونِهِ ونَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا مَأْواهم جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهم سَعِيرًا﴾ ﴿ذَلِكَ جَزاؤُهم بِأنَّهم كَفَرُوا بِآياتِنا وقالُوا أإذا كُنّا عِظامًا ورُفاتًا أإنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾
رُوِيَ أنَّ المَلَأ مِن قُرَيْشٍ قالُوا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ المَقالاتِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُها، مِن عَرْضِ المُلْكِ عَلَيْهِ والغِنى وغَيْرِ ذَلِكَ، وقالُوا لَهُ في آخِرِ قَوْلِهِمْ: فَلْتَجِئْ مَعَكَ طائِفَةٌ مِنَ المَلائِكَةِ تَشْهَدُ لَكَ بِصِدْقِكَ في نُبُوَّتِكَ. قالَ المَهْدَوِيُّ: رُوِيَ أنَّهم قالُوا لَهُ: فَمَن يَشْهَدُ لَكَ؟
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ومَعْنى أقْوالِهِمْ إنَّما هو طَلَبُ شَهادَةٍ دُونَ أنْ يَذْكُرُوها، فَفي ذَلِكَ نَزَلَتِ الآيَةُ، أيِ: اللهُ يَشْهَدُ بَيْنِي وبَيْنَكُمُ، الَّذِي لَهُ الخَبَرُ والبَصَرُ بِجَمِيعِنا، صادِقَنا وكاذِبِنا. ثُمَّ رَدَّ الأمْرَ إلى خَلْقِ اللهِ واخْتِراعِهِ الهُدى والضَلالَ في قُلُوبِ البَشَرِ، أيْ: لَيْسَ بِيَدِي مِن أمْرِكم أكْثَرُ مِنَ التَبْلِيغِ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهم أولِياءَ مِن دُونِهِ﴾ وعِيدٌ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى أنَّهم يُحْشَرُونَ عَلى الوُجُوهِ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا، وهَذا قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: هي اسْتِعاراتٌ، إمّا لِأنَّهم مِنَ الحَيْرَةِ والهَمِّ والذُهُولِ يُشْبِهُونَ أصْحابَ هَذِهِ الصِفاتِ، وإمّا مِن حَيْثُ لا يَرَوْنَ ما يَسُرُّهُمْ، ولا يَسْمَعُونَ، ولا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ. وقِيلَ: هي حَقِيقَةٌ كُلُّها، وذَلِكَ عِنْدَ قِيامِهِمْ مِن قُبُورِهِمْ، ثُمَّ يَرُدُّ اللهُ تَعالى إلَيْهِمْ أبْصارَهم وسَمْعَهم ونُطْقَهُمْ، فَعِنْدَ رَدِّ ذَلِكَ إلَيْهِمْ يَرَوْنَ النارَ، ويَسْمَعُونَ زَفِيرَها، ويَتَكَلَّمُونَ بِكُلِّ ما حُكِيَ عنهم في ذَلِكَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُقالُ لِلْمُنْصَرِفِ عن أمْرٍ خائِفًا مَهْمُومًا: انْصَرَفَ عَلى وجْهِهِ، ويُقالُ لِلْبَعِيرِ: كَأنَّما يَمْشِي عَلى وجْهِهِ، ومَن قالَ ذَلِكَ في الآيَةِ حَقِيقَةً قالَ: أقْدَرَهُمُ اللهُ تَعالى عَلى النَقْلَةِ عَلى الوُجُوهِ، كَما أقْدَرَهم في الدُنْيا عَلى النَقْلَةِ عَلى الأقْدامِ، وفي هَذا المَعْنى حَدِيثٌ، «قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَمْشِي الكافِرُ عَلى وجْهِهِ؟ قالَ: "ألَيْسَ الَّذِي أمْشاهُ في الدُنْيا (p-٥٤٧)عَلى رَجُلَيْنِ قادِرًا أنْ يُمَشِّيَهُ في الآخِرَةِ عَلى وجْهِهِ"؟» قالَ قَتادَةُ: بَلى وعِزَّةِ رَبِّنا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلَّما خَبَتْ﴾ أيْ: كُلَّما فَرَغَتْ مِن إحْراقِهِمْ، فَيَسْكُنُ اللهِيبُ القائِمُ عَلَيْهِمْ قَدْرَ ما يُعادَوْنَ ثُمَّ يَثُورُ، فَتِلْكَ زِيادَةُ السَعِيرِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فالزِيادَةُ في حَيِّزِهِمْ، وأمّا جَهَنَّمُ فَعَلى حالِها مِنَ الشِدَّةِ لا يُصِيبُها فُتُورٌ. و"خَبَتِ النارُ" مَعْناهُ: سَكَنَ اللهَبُ والجَمْرُ عَلى حالِهِ، و"خَمَدَتْ" مَعْناهُ: سَكَنَ الجَمْرُ وضَعُفَ، و"هَمَدَتْ" مَعْناهُ: طُفِيَتْ جُمْلَةً، ومِن هَذِهِ اللَفْظَةِ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ لِمَنِ النارُ قُبَيْلَ الصُبْـ ∗∗∗ ـحِ عِنْدَ البَيْتِ ما تَخْبُو
؎ إذا ما أُخْمِدَتْ يُلْقى ∗∗∗.... عَلَيْها المَندَلُ الرَطْبُ؟
ومِنهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
؎ وسْطُهُ كاليَراعِ أو سُرُجِ المِجْـ ∗∗∗ ∗∗∗ ـدَلِ حِينًا يَخْبُو وحِينًا يُنِيرُ
(p-٥٤٨)وَمِنهُ قَوْلُ القَطامِيِّ:
؎ فَيَخْبُو ساعَةً ويَهُبُّ ساعًا
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ جَزاؤُهُمْ﴾، الآيَةُ إشارَةٌ إلى الوَعِيدِ المُتَقَدِّمِ بِجَهَنَّمَ. وقَوْلُهُ: "بِآياتِنا" يَعُمُّ الدَلائِلَ والحُجَجَ الَّتِي جاءَ بِها مُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، ويَعُمُّ آياتِ القُرْآنِ الكَرِيمِ وما تُضَمَّنُ مِن خَبَرٍ وأمْرٍ ونَهْيٍ. ثُمَّ عَظُمَ عَلَيْهِمْ أمْرُ إنْكارِ البَعْثِ، وخَصَّهُ بِالذِكْرِ مَعَ كَوْنِهِ في عُمُومِ الكُفْرِ بِآياتِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، ووَجْهُ تَخْصِيصِهِ التَعْظِيمُ لَهُ، والتَنْبِيهُ عَلى خَطارَةِ الكُفْرِ في إنْكارِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلافُ القُرّاءِ في الاِسْتِفْهامَيْنِ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
و"الرُفاتُ": بَقِيَّةُ الشَيْءِ الَّتِي قَدْ أصارَها البِلى إلى حال التُرابِ، و"البَعْثُ": تَحْرِيكُ الشَيْءِ الساكِنِ، وهَذا الِاسْتِفْهامُ مِنهم هو عَلى جِهَةِ الإنْكارِ والِاسْتِبْعادِ لِلْمُحالِ بِزَعْمِهِمْ.
{"ayahs_start":96,"ayahs":["قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدَۢا بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِیرَۢا بَصِیرࣰا","وَمَن یَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن یُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡیࣰا وَبُكۡمࣰا وَصُمࣰّاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَـٰهُمۡ سَعِیرࣰا","ذَ ٰلِكَ جَزَاۤؤُهُم بِأَنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَقَالُوۤا۟ أَءِذَا كُنَّا عِظَـٰمࣰا وَرُفَـٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقࣰا جَدِیدًا"],"ayah":"قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدَۢا بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِیرَۢا بَصِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق