الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أنْزَلَ هَؤُلاءِ إلا رَبُّ السَماواتِ والأرْضِ بَصائِرَ وإنِّي لأظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ ﴿فَأرادَ أنْ يَسْتَفِزَّهم مِنَ الأرْضِ فَأغْرَقْناهُ ومَن مَعَهُ جَمِيعًا﴾ ﴿وَقُلْنا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إسْرائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ جِئْنا بِكم لَفِيفًا﴾
رُوِيَ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وغَيْرِهِ، أنَّهُ قَرَأ: "عَلِمْتُ" بِتاءِ المُتَكَلِّمِ مَضْمُومَةً، وقالَ: "وَما عَلِمَ عَدُوُّ اللهِ قَطُّ، وإنَّما عَلِمَمُوسى ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وتَتَقَوّى هَذِهِ القِراءَةُ لِمَن تَأوَّلَ "مَسْحُورًا" عَلى بابِهِ، فَلَمّا رَماهُ فِرْعَوْنُ بِأنَّهُ قَدْ سُحِرَ (p-٥٥٣)فَفَسَدَ نَظَرُهُ وعَقْلُهُ وكَلامُهُ، رَدَّ هو عَلَيْهِ بِأنَّهُ يَعْلَمُ آياتِ اللهِ تَعالى، وأنَّهُ لَيْسَ بِمَسْحُورٍ، بَلْ مُحَرِّرٌ لِما يَأْتِي بِهِ. وهي قِراءَةُ الكِسائِيِّ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "لَقَدْ عَلِمْتَ" بِتاءِ المُخاطَبِ مَفْتُوحَةً، فَكَأنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ رَماهُ بِأنَّهُ يَكْفُرُ عِنادًا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ومِن قالَ بِوُقُوعِ الكُفْرِ عِنادًا فَلَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذِهِ الآيَةِ، وجَعْلُها كَقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤]، وقَدْ حَكى الطَبَرِيٌّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، ونَحا إلَيْهِ الزَجّاجُ وهِيَ، بَعْدُ مُعَرَّضَةٌ لِلِاحْتِمالِ عَلى أنْ يَكُونَ قَوْلُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ إبْلاغًا عَلى فِرْعَوْنَ في التَوْبِيخِ، أيْ: أنْتَ بِحالِ مَن يَعْلَمُ هَذا، وهي مِنَ الوُضُوحِ بِحَيْثُ تَعْلَمُها، ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلى جِهَةِ الخَبَرِ عن عِلْمِ فِرْعَوْنَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "بَصائِرُ" جَمْعُ بَصِيرَةٍ، وهي الطَرِيقَةُ، أيْ طَرائِقَ يُهْتَدى بِها، وكَذَلِكَ غَلَبَ عَلى البَصِيرَةِ أنَّها تُسْتَعْمَلُ في طَرِيقَةِ النَفْسِ في نَظَرِها واعْتِقادِها، ونَصْبُ "بَصائِرَ" عَلى الحالِ.
و"المَثْبُورُ": المُهْلِكُ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَحّاكُ: هو المَغْلُوبُ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هو المَخْبُولُ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّهُ فَسَّرَهُ بِالمَلْعُونِ. وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: كانَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ في أوَّلِ أمْرِهِ يَجْزَعُ، ويُؤْمَرُ بِالقَوْلِ اللَيِّنِ، ويَطْلُبُ الوَزِيرَ، فَلَمّا تَقَوَّتْ نَفْسُهُ بِقُوى النُبُوَّةِ وتَجَلَّدَ قابَلَ فِرْعَوْنَ بِأكْثَرَ مِمّا أمَرَهُ بِهِ، بِحَسْبَ اجْتِهادِهِ الجائِزِ لَهُ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: اجْتَرَأ مُوسى أنْ يَقُولَ لَهُ فَوْقَ ما أمَرَهُ اللهُ بِهِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلِ المَثْبُورُ: المَغْلُوبُ المُخَرَّعُ، وما كانَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ لِيَكُونَ لَعّانًا، ومِنَ اللَفْظَةِ قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزِبَعْرى:
؎ إذْ أُجارِي الشَيْطانَ في سُنَنِ الـ ∗∗∗ ـغَيِّ، ومَن مالَ مَيْلُهُ مَثْبُورُ
(p-٥٥٤)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأرادَ أنْ يَسْتَفِزَّهم مِنَ الأرْضِ﴾ الآيَةَ. "يَسْتَفِزُّهُمْ" مَعْناهُ: يَسْتَخِفُّهم ويُقْلِقُهُمْ، إمّا بِقَتْلٍ أو بِإجْلاءٍ، و"الأرْضُ" هي أرْضُ مِصْرَ، وقَدْ تَقَدِّمَ أنَّهُ مَتى ذُكِرَتِ "الأرْضُ" عُمُومًا فَإنَّما يُرادُ بِها ما يُناسِبُ القِصَّةَ المُتَكَلَّمُ فِيها، وقَدْ يَحْسُنُ عُمُومُها في بَعْضِ القِصَصِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
واقْتَضَبَتْ هَذِهِ الآيَةُ قِصَصَ بَنِي إسْرائِيلَ مَعَ فِرْعَوْنَ، وإنَّما ذَكَرَتْ عُظْمَ الأمْرِ وخَطِيرَهُ، وذَلِكَ طَرَفاهُ: أرادَ فِرْعَوْنُ غَلَبَتَهم وقَتْلَهُمْ، وهَذا كانَ بَدْءَ الأمْرِ، "فَأغْرَقَهُ" اللهُ تَبارَكَ وتَعالى وأغْرَقَ جُنُودَهُ، وهَذا كانَ نِهايَةَ الأمْرِ. ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ تَعالى أمْرَ بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ إغْراقِ فِرْعَوْنَ بِسُكْنى أرْضِ الشامِ.
و﴿وَعْدُ الآخِرَةِ﴾ هو يَوْمُ القِيامَةِ. و"اللَفِيفُ": الجَمْعُ المُخْتَلِطُ الَّذِي قَدْ لُفَّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَلَيْسَ ثَمَّ قَبائِلُ ولا انْحِيازٌ. قالَ بَعْضُ اللُغَوِيِّينَ: هو مِن أسْماءِ الجُمُوعِ، ولا واحِدَ لَهُ مَن لَفْظِهِ، وقالَ الطَبَرِيٌّ: هو بِمَعْنى المَصْدَرِ كَقَوْلِ القائِلِ: لَفَفْتُهُ لَفًّا ولَفِيفًا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِي هَذا نَظَرٌ فَتَأمَّلْهُ.
{"ayahs_start":102,"ayahs":["قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَاۤ أَنزَلَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَاۤىِٕرَ وَإِنِّی لَأَظُنُّكَ یَـٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورࣰا","فَأَرَادَ أَن یَسۡتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِیعࣰا","وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱسۡكُنُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفࣰا"],"ayah":"فَأَرَادَ أَن یَسۡتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِیعࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق