الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلا تَكُونُوا كالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثًا تَتَّخِذُونَ أيْمانَكم دَخَلا بَيْنَكم أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هي أرْبى مِن أُمَّةٌ إنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ ولَيُبَيِّنَنَّ لَكم يَوْمَ القِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكم أُمَّةً واحِدَةً ولَكِنْ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ ولَتُسْألُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
شَبَّهَتْ هَذِهِ الآيَةُ الَّذِي يَحْلِفُ أو يُعاهِدُ أو يُبْرِمُ عَقْدَهُ بِالمَرْأةِ الَّتِي تَغْزِلُ غَزْلَها وتَفْتِلُهُ مُحْكَمًا، وشَبَّهَ الَّذِي يَنْقَضُ عَهْدَهُ بَعْدَ الإحْكامِ بِتِلْكَ الغازِلَةِ إذا نَقَضَتْ قَوِيَّ ذَلِكَ الغَزَلِ (p-٤٠٣)فَحَلَّتْهُ بَعْدَ إبْرامِهِ، ويُرْوى أنَّ امْرَأةً حَمْقاءَ كانَتْ بِمَكَّةَ تُسَمّى رَيْطَةَ بِنْتِ سَعْدٍ كانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَبِها وقَعَ التَشْبِيهُ، قالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ، والسُدِّيُّ، ولَمْ يُسَمِّيا المَرْأةَ، وقِيلَ: كانَتِ امْرَأةٌ مُوَسْوِسَةٌ تُسَمّى خَطِّيَّةَ تَغْزِلُ عِنْدَ الحِجْرِ وتَفْعَلُ ذَلِكَ، وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: ذَلِكَ ضَرْبُ مَثَلٍ لا عَلى امْرَأةٍ مُعَيَّنَةٍ. و"أنْكاثًا" نُصِبَ عَلى الحالِ، والنَكْثُ: النَقْضُ، و"القُوَّةُ" في اللُغَةِ واحِدَةُ قُوى الغَزْلِ والحَبْلِ وغَيْرَ ذَلِكَ مِمّا يُضَفَّرُ، ومِنهُ قَوْلُ الأغْلَبِ الراجِزِ:
؎ حَبْلَ عَجُوزٍ فَتَلَتْ سَبْعُ قُوى
ويُظْهِرُ لِي أنَّ المُرادَ بِالقُوَّةِ في الآيَةِ الشِدَّةُ الَّتِي تَحْدَثُ مِن تَرْكِيبِ قُوى الغَزْلِ، ولَوْ قَدَّرْناها واحِدَةَ القُوى لَمْ يَكُنْ مَعَها ما يُنْتَقَضُ أنْكاثًا، والعَرَبُ تَقُولُ: انْتَكَثَ الحَبْلُ إذا انْتَقَضَتْ قُواهُ، أمّا إنْ عُرِّفَ الغَزْلُ أنَّهُ قُوَّةٌ واحِدَةٌ ولَكِنْ لَها أجْزاءٌ كَأنَّها قُوَّةٌ كَثِيرَةٌ لَهُ، قالَ مُجاهِدٌ: المَعْنى: مِن بَعْدِ إمْرارِ قُوَّةٍ.
و"الدَخَلُ": الدَغَلُ بِعَيْنِهِ، وهي الذَرائِعُ إلى الخُدَعِ والغَدْرِ، وذَلِكَ أنَّ المَحْلُوفَ لَهُ مُطَمْئِنٌ فَيَتَمَكَّنُ الحالِفُ مِن ضَرِّهِ بِما يُرِيدُ.
وقَوْلُهُ: ﴿أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ﴾، قالَ المُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في العَرَبِ الَّذِينَ كانَتِ القَبِيلَةُ مِنهم إذا حالَفَتِ الأُخْرى، ثُمَّ جاءَتْ إحْداهُما قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ قَوِيَّةٌ فَداخَلَتْها غَدَرَتِ الأُولى ونَقَضَتْ مَعَها ورَجَعَتْ إلى هَذِهِ الكُبْرى، فَقالَ اللهُ تَعالى: لا تَنْقُضُوا العُهُودَ مِن أجْلِ أنْ تَكُونَ قَبِيلَةٌ أزِيدَ مِن قَبِيلَةٍ في العَدَدِ والعِدَّةِ، و"الرِبا": الزِيادَةُ، ويُحْتَمَلُ أنْ (p-٤٠٤)يَكُونَ القَوْلُ مَعْناهُ: لا تَنْقُضُوا الأيْمانَ مِن أجْلِ أنْ تَكُونُوا أرَبى مَن غَيْرِكُمْ، أيْ: أزْيَدَ خَيْرًا، فَمَعْناهُ: لا تَطْلُبُوا الزِيادَةَ بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ بِنَقْضِ العُهُودَ. و"يَبْلُوكُمُ" مَعْناهُ: يَخْتَبِرُكُمْ، والضَمِيرُ في "بِهِ" يَحْتَمِلُ أنْ يَعُودَ عَلى الوَفاءِ الَّذِي أمَرَ اللهُ بِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى الرِبا، أيْ أنَّ اللهَ ابْتَلى عِبادَهُ بِالتَحاسُدِ وطَلَبِ بَعْضِهِمُ الظُهُورَ عَلى بَعْضٍ، واخْتَبَرَهم بِذَلِكَ لِيَرى مَن يُجاهِدُ نَفْسَهُ مِمَّنْ يُتْبِعُها هَواها، وباقِي الآيَةِ وعِيدٌ بَيِّنٌ بِيَوْمِ القِيامَةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿هِيَ أرْبى﴾، مَوْضِعُ "أرْبى" عِنْدَ البَصْرِيِّينَ رَفْعٌ، وعِنْدَ الكُوفِيِّينَ نَصْبٌ، و"هِيَ" عِمادٌ، ولا يَجُوزُ العِمادُ هُنا عِنْدَ البَصْرِيِّينَ؛ لَأنَّهُ لا يَكُونُ مَعَ النَكِرَةِ، و"أُمَّةٌ" نَكِرَةٌ، وحُجَّةُ الكُوفِيِّينَ أنَّ "أُمَّةٌ" وما جَرى مَجْراها مِن أسْماءِ الأجْناسِ تَنْكِيرُها قَرِيبٌ مِنَ التَعْرِيفِ، ألّا تَرى أنَّ إدْخالَ الألِفِ واللامِ عَلَيْها لا يُخَصِّصُها كَبِيرُ تَخْصِيصٍ؟ وفي هَذا نَظَرٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ الآيَةُ. أخْبَرَ اللهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ يَبْتَلِي عِبادَهُ بِالأوامِرِ والنَواهِي لِيَذْهَبَ كُلُّ أحَدٍ إلى ما يُسِّرَ لَهُ، وذَلِكَ مِنهُ تَعالى بِحَقِّ المُلْكِ، ولا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ، ولَوْ شاءَ لَكانَ الناسُ كُلُّهم في طَرِيقٍ واحِدٍ، إمّا في هُدًى وإمّا في ضَلالَةٍ، ولَكِنَّهُ تَعالى شاءَ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، ويَخُصَّ قَوْمًا بِالسَعادَةِ وقَوْمًا بِالشَقاوَةِ. و"يُضِلُّ" و"يَهْدِي" مَعْناهُ: "يَخْلُقُ ذَلِكَ في القُلُوبِ" خِلافًا لِقَوْلِ المُعْتَزِلَةِ، ثُمَّ تَوَعَّدَ في آخِرِ الآيَةِ بِسُؤالِ كُلِّ أحَدٍ يَوْمَ القِيامَةِ عن عَمَلِهِ، وهَذا سُؤالُ تَوْبِيخٍ، ولَيْسَ ثُمَّ سُؤالُ تَفَهُّمٍ، وذَلِكَ هو المَنفِيُّ في آياتٍ.
{"ayahs_start":92,"ayahs":["وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّتِی نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثࣰا تَتَّخِذُونَ أَیۡمَـٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَیۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا یَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَیُبَیِّنَنَّ لَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ","وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق