الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَإذا رَأى الَّذِينَ أشْرَكُوا شُرَكاءَهم قالُوا رَبَّنا هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إلَيْهِمُ القَوْلَ إنَّكم لَكاذِبُونَ﴾ ﴿وَألْقَوْا إلى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَلَمَ وضَلَّ عنهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عن سَبِيلِ اللهِ زِدْناهم عَذابًا فَوْقَ العَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ﴾ ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ وجِئْنا بِكَ شَهِيدًا عَلى هَؤُلاءِ ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً وبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾
أخْبَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى أنَّهم إذا رَأوا يَوْمَ القِيامَةِ بِأبْصارِهِمُ الأوثانَ والأصْنامَ وكُلَّ مَعْبُودٍ مِن دُونِ اللهِ -لَأنَّها تُحْشَرُ مَعَهم تَوْبِيخًا لَهم عَلى رُؤُوسِ الأشْهادِ- أشارُوا إلَيْهِمْ وقالُوا: هَؤُلاءِ كُنّا نَعْبُدُهم مِن دُونِ اللهِ، كَأنَّهم أرادُوا بِذَلِكَ تَذْنِيبَ المَعْبُودِينَ وإدْخالَهم في المَعْصِيَةِ، وأضافُوا الشُرَكاءَ إلى أنْفُسِهِمْ مِن حَيْثُ هم جَعَلُوهم شُرَكاءَ، وهَذا كَما يَصِفُ رَجُلٌ آخَرَ بِأنَّهُ خَيْرٌ فَتَقُولُ لَهُ أنْتَ: ما فَعْلَ خَيْرُكَ؟ فَأضَفْتَهُ إلَيْهِ مِن حَيْثُ وصَفَهُ هو بِتِلْكَ الصِفَةِ، والضَمِيرُ في "القَوْلِ" عائِدٌ عَلى الشُرَكاءِ، فَمَن كانَ مِنَ المَعْبُودِينَ مِنَ البَشَرِ ألْقى القَوْلَ المَعْهُودَ بِلِسانِهِ، وما كانَ مِنَ الجَماداتِ تَكَلَّمَتْ بِقُدْرَةِ اللهِ بِتَكْذِيبِ المُشْرِكِينَ في وصْفِهِمْ بِأنَّهم آلِهَةٌ وشُرَكاءُ لِلَّهِ، فَفي هَذا وقَعَ الكَذِبُ لا في العِبادَةِ. وقالَ الطَبَرِيُّ: المَعْنى: إنَّكم لَكاذِبُونَ، ما كُنّا نَدْعُوكم إلى عِبادَتِنا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَكَأنَّهم كَذَّبُوهم في التَذْنِيبِ لَهم.
وقَوْلُهُ: ﴿وَألْقَوْا إلى اللهِ﴾، الضَمِيرُ في "ألْقَوْا" عائِدٌ عَلى المُشْرِكِينَ، والمَعْنى: ألْقَوْا إلَيْهِ الِاسْتِسْلامَ، وألْقَوْا ما بِأيْدِيهِمْ وذَلُّوا لِحُكْمِهِ ولَمْ تَكُنْ لَهم حِيلَةٌ ولا دَفْعٌ، و"السَلَمَ": الِاسْتِسْلامُ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "السَلَمَ" بِفَتْحِ اللامِ، ورَوى يَعْقُوبُ عن أبِي عَمْرٍو سُكُونَ اللامِ، وقَرَأ مُجاهِدٌ: "السُلُمَ" بِضَمِّ السِينِ واللامِ.
وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآيَةُ في ضِمْنِ قَوْلِهِ: ﴿وَضَلَّ عنهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أنَّهُ (p-٣٩٨)حَلَّ بِهِمْ عَذابُ اللهِ وباشَرُوا نِقْمَتَهُ، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَأخْبَرَ أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ومَنَعُوا غَيْرَهم مِنَ الدُخُولِ في الدِينِ وسُلُوكِ سَبِيلِ اللهِ زادَهم عَذابًا أجَلَّ مِنَ العَذابِ العامِّ لِجَمِيعِ الكُفّارِ عُقُوبَةً عَلى إفْسادِهِمْ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "الَّذِينَ" بَدَلًا مِنَ الضَمِيرِ في "يَفْتَرُونَ"، و"زِدْناهُمْ" فِعْلٌ مُسْتَأْنَفٌ إخْبارُهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "الَّذِينَ" ابْتِداءَ "زِدْناهُمْ"، ورُوِيَ في ذَلِكَ أنَّ اللهَ تَعالى سَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَقارِبَ وحَيّاتٍ لَها أنْيابٌ كالنَخْلِ الطِوالِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وقالَ عَبِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ: حَيّاتٌ لَها أنْيابٌ كالنَخْلِ، وعَقارِبُ كالبِغالِ الدُلْمِ، ونَحْوَ هَذا، ورُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ لِجَهَنَّمَ سَواحِلَ فِيها هَذِهِ الحَيّاتُ وهَذِهِ العَقارِبُ، فَيَفِرُّ الكُفّارُ إلى السَواحِلِ مِنَ النارِ، فَتَتَلَقّاهم هَذِهِ الحَيّاتُ والعَقارِبُ، فَيَفِرُّونَ مِنها إلى النارِ، فَتَتْبَعُهم حَتّى تَجِدَ حَرَّ النارِ فَتَرْجِعُ، قالَ: وهي في أسْرابٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ﴾ الآيَةُ، في ضِمْنِها وعِيدٌ، والمَعْنى: واذْكُرْ يَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْها، وهو رَسُولُها الَّذِي شاهَدَ في الدُنْيا تَكْذِيبَها وكُفْرَها، وإيمانَها وهُداها، ويَجُوزُ أنْ يَبْعَثَ اللهُ شَهِيدًا مِنَ الصالِحِينَ مَعَ الرُسُلِ، وقَدْ قالَ بَعْضُ الصَحابَةِ: إذا رَأيْتَ أحَدًا عَلى مَعْصِيَةٍ فانْهَهُ، فَإنْ أطاعَكَ وإلّا كُنْتَ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ.
قَوْلُهُ: ﴿مِن أنْفُسِهِمْ﴾ بِحَسْبِ أنَّ بِعْثَةَ الرُسُلِ كَذَلِكَ هي في الدُنْيا، وذَلِكَ أنَّ الرَسُولَ الَّذِي مِن نَفْسِ الأُمَّةِ في اللِسانِ والسِيرَةِ وفَهْمِ الأغْراضِ والإشاراتِ مُتَمَكِّنُ لَهُ إفْهامُهم والرَدُّ عَلى مُعانَدَتِهِمْ، ولا يَتَمَكَّنُ ذَلِكَ مِن غَيْرِ مَن هو مِنَ الأُمَّةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْعَثِ اللهُ نَبِيًّا قَطُّ إلّا مِنَ الأُمَّةِ المَبْعُوثِ إلَيْهِمْ. وقَوْلُهُ: "هَؤُلاءِ" إشارَةً إلى هَذِهِ الأُمَّةِ. و"الكِتابَ": القُرْآنُ، وقَوْلُهُ: "تِبْيانًا" اسْمٌ ولَيْسَ بِمَصْدَرٍ، كالنُقْصانِ، والمَصادِرُ في مِثْلِ هَذا التَأْوِيلِ مِنها مَفْتُوحَةٌ كالتَرْدادِ والتَكْرارِ، ونُصِبَ "تِبْيانًا" عَلى الحالِ، وقَوْلُهُ: ﴿لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ مِمّا نَحْتاجُ في الشَرْعِ ولا بُدَّ مِنهُ في المِلَّةِ، كالحَلالِ والحَرامِ والدُعاءِ إلى اللهِ والتَخْوِيفِ مِن عَذابِهِ، وهَذا حَصْرُ ما اقْتَضَتْهُ عِباراتُ المُفَسِّرِينَ، وقالَ (p-٣٩٩)ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "أُنْزِلَ في هَذا القُرْآنِ كُلُّ عِلْمٍ، وكُلُّ شَيْءٍ قَدْ بُيِّنَ لَنا في القُرْآنِ"، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ.
{"ayahs_start":86,"ayahs":["وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ شُرَكَاۤءَهُمۡ قَالُوا۟ رَبَّنَا هَـٰۤؤُلَاۤءِ شُرَكَاۤؤُنَا ٱلَّذِینَ كُنَّا نَدۡعُوا۟ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡا۟ إِلَیۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","وَأَلۡقَوۡا۟ إِلَى ٱللَّهِ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ","ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ زِدۡنَـٰهُمۡ عَذَابࣰا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ یُفۡسِدُونَ","وَیَوۡمَ نَبۡعَثُ فِی كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدًا عَلَیۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِیدًا عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ"],"ayah":"وَیَوۡمَ نَبۡعَثُ فِی كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدًا عَلَیۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِیدًا عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق