الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وهو كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هو ومَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَماواتِ والأرْضِ وما أمْرُ الساعَةِ إلا كَلَمْحِ البَصَرِ أو هو أقْرَبُ إنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿واللهُ أخْرَجَكم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكم لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وجَعَلَ لَكُمُ السَمْعَ والأبْصارَ والأفْئِدَةَ لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ ﴿ألَمْ يَرَوْا إلى الطَيْرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ السَماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إلا اللهُ إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ هَذا مَثَلٌ لِلَّهِ تَعالى والأصْنامِ، فَهي كالأبْكَمِ لا نُطْقَ لَهُ ولا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، وهو عِيالٌ عَلى مَن والاهُ مِن قَرِيبٍ أو صَدِيقٍ، و"الكُلُّ": الثِقْلُ والمُؤَوِّنَةُ، وكُلٌّ مَحْمُولٌ فَهو كُلُّ وسُمِّي اليَتِيمُ كُلًّا، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ أكُولٌ لِمالِ الكُلِّ قَبْلَ شَبابِهِ ∗∗∗ إذا كانَ عَظْمُ الكُلِّ غَيْرَ شَدِيدِ كَما أنَّ الأصْنامَ تَحْتاجُ إلى أنَّ تُنْقَلُ وتُخْدَمُ ويُتَعَذَّبُ بِها، ثُمَّ لا يَأْتِي مِن جِهَتِها خَيْرٌ البَتَّةَ، هَذا قَوْلُ قَتادَةُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: هو مَثَلٌ لِلْكافِرِ. وقَرَأ ابْنُ (p-٣٩٠)مَسْعُودٍ: "يُوَجِّهُ"، وقَرَأ عَلْقَمَةُ: "يُوَجَّهُ"، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يُوَجِّهْهُ"، وهي خَطُّ المُصْحَفِ، وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ: "تَوَجَّهَ"، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ أيْضًا: "تُوَجِّهْهُ" عَلى الخِطابِ، وضَعَّفَ أبُو حاتِمٍ قِراءَةَ عَلْقَمَةَ لِأنَّهُ لازِمٌ، و"الَّذِي يَأْمُرُ بِالعَدْلِ" هو اللهُ تَعالى، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو المُؤْمِنُ، و"الصِراطُ": الطَرِيقُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَماواتِ والأرْضِ﴾ الآيَةُ، أخْبَرَ تَعالى أنَّ الغَيْبَ لَهُ يَمْلِكُهُ ويَعْلَمُهُ، وقَوْلُهُ: ﴿وَما أمْرُ الساعَةِ إلا كَلَمْحِ البَصَرِ﴾ إخْبارٌ بِالقُدْرَةِ، وحُجَّةٌ عَلى الكُفّارِ، والمَعْنى عَلى ما قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ: "ما تَكُونُ الساعَةُ وإقامَتُها في قُدْرَةِ اللهِ تَعالى إلّا أنْ يَقُولَ لَها: كُنْ"، فَلَوِ اتَّفَقَ أنْ يَقِفَ عَلى ذَلِكَ مُحَصِّلٌ مِنَ البَشَرِ لَكانَتْ مِنَ السُرْعَةِ بِحَيْثُ يَقُولُ: هَلْ هي كَلَمْحِ البَصَرِ أو هي أقْرَبُ مِن ذَلِكَ؟، فَـ "أو" -عَلى هَذا- عَلى بابِها في الشَكِّ، وقِيلَ: هي لِلتَّخْيِيرِ، و"لَمْحُ البَصَرِ" هو وُقُوعُهُ عَلى المَرْئِيِّ، وقُوى هَذا الإخْبارُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، يُرِيدُ: عَلى كُلِّ شَيْءٍ مَقْدُورٌ، ومَن قالَ: " ﴿وَما أمْرُ الساعَةِ﴾ أيْ: وما إتْيانُها ووُقُوعُها بِكُمْ، عَلى جِهَةِ التَخْوِيفِ مِن حُصُولِها" -فَفِيهِ بُعْدٌ وتَجُوزٌ كَثِيرٌ. (p-٣٩١)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ مِن قَوْلِ النَبِيِّ ﷺ: « "بُعِثْتُ أنا والساعَةَ كَهاتَيْنِ"،» ومَن ذِكْرِهِ ما ذَكَرَ مِن أشْراطِ الساعَةِ ومُهْلَتَها، ووَجْهُ التَأْوِيلِ أنَّ القِيامَةَ لَمّا كانَتْ آتِيَةً ولا بُدَّ جُعِلَتْ مِنَ القُرْبِ كَلَمْحِ البَصَرِ، كَما يُقالُ: ما السَنَةُ إلّا لَحْظَةٌ، إلّا أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أو هو أقْرَبُ﴾ يَرُدُّ أيْضًا هَذِهِ المَقالَةَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللهُ أخْرَجَكم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ الآيَةُ تَعْدِيدُ نِعْمَةٍ بَيِّنَةٍ لا يُنْكِرُها عاقِلٌ، وهي نِعْمَةٌ مَعَها كُفْرُها وتَصْرِيفُها في الإشْراكِ بِالَّذِي وهَبَها، فاللهُ تَعالى أخْبَرَ أنَّهُ أخْرَجَ ابْنَ آدَمَ لا يَعْلَمُ شَيْئًا، ثُمَّ جَعَلَ حَواسَّهُ الَّتِي قَدْ وهَبَها لَهُ في البَطْنِ سُلَّمًا إلى إدْراكِ المَعارِفِ لِيَشْكُرَ عَلى ذَلِكَ ويُؤْمِنَ بِالمُنْعِمِ عَلَيْهِ. و"أُمَّهاتُ" أصْلُها أُمّاتٌ، وزِيدَتِ الهاءُ مُبالِغَةً وتَأْكِيدًا، كَما زادُوا الهاءَ في "أهْرَقْتَ الماءَ"، قالَهُ أبُو إسْحاقٍ. وفي هَذا المَثَلِ نَظَرٌ، وقِيلَ غَيْرُ هَذا، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسّائِيُّ: "إمَّهاتِكُمْ" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "فِي بُطُونِ مِهاتِكُمْ" بِحَذْفِ الهَمْزَةِ وكَسْرِ المِيمِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي لَيْلى بِحَذْفِ الهَمْزَةِ وفَتْحِ المِيمِ مُشَدَّدَةً، قالَ أبُو حاتِمٍ: "حَذْفُ الهَمْزَةِ رَدِيءٌ، ولَكِنَّ قِراءَةَ ابْنِ أبِي لَيْلى أصْوَبُ"، والتَرَجِّي الَّذِي في "لَعَلَّ" هو بِحَسَبِها، وهَذِهِ الآيَةُ تَعْدِيدُ نِعَمٍ ومَوْضِعِ اعْتِبارٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ يَرَوْا إلى الطَيْرِ﴾ الآيَةُ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مَصْرِفٍ، والأعْمَشُ، وابْنُ هُرْمُزٍ: "ألَمْ تَرَوْا" بِالتاءِ، وقَرَأ أهْلُ مَكَّةَ والمَدِينَةِ: "ألَمْ يَرَوْا" بِالياءِ عَلى الكِنايَةِ عنهُمْ، واخْتَلَفَ عَنِ الحَسَنِ، وعاصِمٍ، وأبِي عَمْرُو، وعِيسى الثَقَفِيِّ. و"الجَوُّ": مَسافَةُ ما بَيْنَ السَماءِ والأرْضِ، وقِيلَ: هو ما يَلِي الأرْضَ مِنها، وما فَوْقَ ذَلِكَ هو اللَوْحُ، والآيَةُ عِبْرَةٌ بَيِّنَةٌ المَعْنى، تَفْسِيرُها تَكَلُّفٌ بَحْتٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب