الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمّا رَزَقْناهم تاللهِ لَتُسْألُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهم ما يَشْتَهُونَ﴾ ﴿وَإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِالأُنْثى ظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًّا وهو كَظِيمٌ﴾ ﴿يَتَوارى مِنَ (p-٣٧١)القَوْمِ مِنَ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أمْ يَدُسُّهُ في التُرابِ ألا ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾
الضَمِيرُ في "يَجْعَلُونَ" لِلْكُفّارِ، ويُرِيدُ بِـ "ما لا يَعْلَمُونَ " الأصْنامَ، أيْ: لا يَعْلَمُونَ فِيهِمْ حُجَّةً ولا بُرْهانًا، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "يَعْلَمُونَ" الأصْنامَ، أيْ: يَجْعَلُونَ لِجَماداتٍ وهي لا تَعْلَمُ شَيْئًا- نَصِيبًا، فالمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، ثُمَّ عَبَّرَ عنهم بِعِبارَةِ مَن يَعْقِلُ بِحَسَبِ مَذْهَبِ الكُفّارِ الَّذِينَ يُسْنِدُونَ إلَيْها ما يُسْنَدُ إلى مَن يَعْقِلُ، وبِحَسَبِ أنَّهُ إسْنادٌ مَنفِيٌّ، وهَذا كُلُّهُ ضَعِيفٌ. و"النَصِيبُ" المُشارُ إلَيْهِ هو ما كانَتِ العَرَبُ سَنَّتَهُ مِنَ الذَبْحِ لِأصْنامِها، والإهْداءِ إلَيْها، والقَسَمِ لَها مِنَ الغَلّاتِ.
ثُمَّ أمْرَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ أنْ يُقْسِمَ لَهم أنَّهم سَيُسْألُونَ عَلى افْتِرائِهِمْ في أنَّ تِلْكَ السُنَنَ هي الحَقُّ الَّذِي أمَرَ اللهٌ بِهِ كَما قالَ بَعْضُهُمْ، و"الفِرْيَةُ" اخْتِلاقُ الكَذِبِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البَناتِ﴾ الآيَةُ. هَذا تَعْدِيدٌ لِقُبْحِ قَوْلِ الكُفّارِ: "المَلائِكَةُ بَناتُ اللهِ"، ورَدَّ عَلَيْهِمْ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما نِسْبَةُ النَسْلِ إلى اللهِ تَعالى عن ذَلِكَ، والآخِرُ أنَّهم نَسَبُوا مِنَ النَسْلِ الأخَسِّ المَكْرُوهِ عِنْدَهُمْ، و"ما" في قَوْلِهِ: ﴿ما يَشْتَهُونَ﴾ مُرْتَفِعَةٌ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ في المَجْرُورِ، وأجازَ الفَرّاءُ أنَّ تَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلى "البَناتِ"، والبَصْرِيُّونَ لا يُجِيزُونَ هَذِهِ الآيَةَ مِن بابِ: ضَرَبَنِي، وكانَ يَلْزَمُ عِنْدَهم أنْ يَكُونَ: "وَلِأنْفُسِهِمْ ما يَشْتَهُونَ"، والمُرادُ بِـ ﴿ما يَشْتَهُونَ﴾ الذَكُرانُ مِنَ الأولادِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا بُشِّرَ أحَدُهُمْ﴾ الآيَةُ. لَمّا صَرَّحَ بِالشَيْءِ المُبَشَّرِ بِهِ حَسُنَ ذِكْرُ البِشارَةِ فِيهِ، وإلّا فالبِشارَةُ مُطْلَقَةٌ لا تَكُونُ إلّا في خَيْرٍ. وقَوْلُهُ: ﴿ظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ عِبارَةٌ عَنِ العُبُوسِ والقُطُوبِ الَّذِي يَلْحَقُ المَغْمُومَ، وقَدْ يَعْلُو وجْهَ المَغْمُومِ سَوادٌ (p-٣٧٢)وَزَبَدٌ، وتَذْهَبُ شَراقَتُهُ، فَلِذَلِكَ يَذْكُرُ لَهُ السَوادَ. و"كَظِيمٌ" بِمَعْنى كاظِمٍ كَعَلِيمٍ وعالِمٍ، والمَعْنى أنَّهُ يُخْفِي وجْهَهُ وهَمَّهُ بِالأُنْثى.
وقَوْلُهُ: ﴿يَتَوارى مِنَ القَوْمِ﴾ الآيَةُ، هَذا التَوارِي الَّذِي ذَكَرَ اللهَ تَعالى إنَّما هو بَعْدَ البِشارَةِ بِالأُنْثى، وما يُحْكى أنَّ الرَجُلَ مِنهم كانَ إذا أصابَ امْرَأتَهُ الطَلْقُ؛ تَوارى حَتّى يُخْبَرَ بِأحَدِ الأمْرَيْنِ. فَلَيْسَ المُرادُ في الآيَةِ. ويُشْبِهُ أنَّ ذَلِكَ كانَ لِكَيْ: إذَنْ أخْبَرَ بِسارٍّ خَرَجَ، وإنْ أخْبَرَ بِسُوءٍ بَقِيَ عَلى تَوارِيهِ ولَمْ يَحْتَجْ إلى إحْداثِهِ. ومَعْنى "يَتَوارى": يَتَغَيَّبُ، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: يَتَوارى مِنَ القَوْمِ مُدْبِرًا، أيُمْسِكُهُ أمْ يَدُسُّها؟ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "أيُمْسِكُهُ" عَلى لَفْظِ "ما"، "أمْ يَدُسُّها" عَلى مَعْنى الأُنْثى. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: "أيُمْسِكُها"، "أمْ يَدُسُّها" عَلى مَعْنى الأُنْثى في المَوْضِعَيْنِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "عَلى هَوْنٍ" بِضَمِّ الهاءِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ بِفَتْحِها، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: "عَلى هَوانٍ" وهي قِراءَةُ عاصِمِ الجَحْدَرِيِّ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "عَلى سُوءٍ"، ومَعْنى الآيَةِ: يُدَبِّرُ: أيُمْسِكُ هَذِهِ الأُنْثى عَلى هَوانٍ يَتَحَمَّلُهُ، وهَمٍّ يَتَخَلَّدُ لَهُ، أمْ يَئِدُها فَيَدْفِنُها حَيَّةً، فَهو الدَسُّ في التُرابِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ اللهُ تَعالى الإخْبارَ عن سُوءِ فِعْلِهِمْ وحُكْمِهِمْ بِهَذا في بَناتِهِمْ ورِزْقُ الجَمِيعِ عَلى اللهِ.
{"ayahs_start":56,"ayahs":["وَیَجۡعَلُونَ لِمَا لَا یَعۡلَمُونَ نَصِیبࣰا مِّمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ","وَیَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَـٰتِ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا یَشۡتَهُونَ","وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدࣰّا وَهُوَ كَظِیمࣱ","یَتَوَ ٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦۤۚ أَیُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ یَدُسُّهُۥ فِی ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ"],"ayah":"وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدࣰّا وَهُوَ كَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق