الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم كانُوا كاذِبِينَ﴾ ﴿إنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾
اللامُ في قَوْلِهِ: "لِيُبَيِّنَ" مُتَعَلِّقَةٌ بِما في ضِمْنِ قَوْلِهِ: "بَلى"، لِأنَّ التَقْدِيرَ: "بَلى يَبْعَثُ لِيُبَيِّنَ"، وقِيلَ: هي مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا﴾ [النحل: ٣٦]، والأوَّلُ أصْوَبُ في المَعْنى، لِأنَّ بِهِ يُتَصَوَّرُ كَذِبُ الكُفّارِ في إنْكارِ البَعْثِ.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّما قَوْلُنا﴾ الآيَةُ. "إنَّما" في كَلامِ العَرَبِ هي لِلْمُبالَغَةِ وتَحْقِيقِ تَخْصِيصِ المَذْكُورِينَ، فَقَدْ تَكُونُ -مَعَ هَذا- حاصِرَةً إذا دَلَّ عَلى ذَلِكَ المَعْنى، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما اللهُ إلَهٌ واحِدٌ﴾ [النساء: ١٧١]، وأمّا قَوْلُ النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "إنَّما الرِبا في النَسِيئَةِ"،» وقَوْلُ العَرَبِ: "إنَّما الشُجاعُ عنتَرَةُ " فَبَقِيَ فِيها مَعْنى المُبالَغَةِ فَقَطْ. و"إنَّما" في هَذِهِ الآيَةِ هي لِلْحَصْرِ، وقاعِدَةُ القَوْلِ في هَذِهِ الآيَةِ أنْ نَقُولَ: إنَّ الإرادَةَ والأمْرَ اللَذَيْنِ هَمّا صِفَتانِ مِن صِفاتِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى القَدِيمَةِ هُما قَدِيمانِ أزَلِيّانِ، وإنَّ ما في ألْفاظِ هَذِهِ الآيَةِ مِن مَعْنى الِاسْتِقْبالِ والِاسْتِئْنافِ إنَّما هو راجِعٌ إلى المُرادِ لا إلى الإرادَةِ، وذَلِكَ أنَّ الأشْياءَ المُرادَةَ المُكَوَّنَةَ في وُجُودِها اسْتِئْنافٌ واسْتِقْبالٌ، لا في إرادَةٍ ذَلِكَ، ولا في الأمْرِ بِهِ، لِأنَّ ذِينِكَ قَدِيمانِ، فَمِن أجْلِ المُرادِ عَبَّرَ بِـ "إذا" و"نَقُولُ". ونَرْجِعُ الآنَ عَلى هَذِهِ الألْفاظِ فَتُوَضِّحُ الوَجْهَ فِيها واحِدَةً واحِدَةً: أمّا قَوْلُهُ: "لِشَيْءٍ" فَيَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما أنَّ الأشْياءَ الَّتِي هي مُرادَةٌ وقِيلَ لَها: "كُنْ" مَعْلُومٌ أنَّ (p-٣٥٥)الوُجُودَ يَأْتِي عَلى جَمِيعِها بِطُولِ الزَمَنِ وتَقْدِيرِ اللهِ تَعالى، فَلَمّا كانَ وُجُودُها حَتْمًا جازَ أنْ تُسَمّى "أشْياءَ" وهي في حالَةِ عَدَمٍ، والوَجْهُ الثانِي أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "لِشَيْءٍ" تَنْبِيهًا لَنا عَلى الأمْثِلَةِ الَّتِي تَنْظُرُ فِيها، أيْ إنَّ كُلَّ ما تَأْخُذُونَهُ مِنَ الأشْياءِ المَوْجُودَةِ فَإنَّما سَبِيلُهُ أنْ يَكُونَ مُرادًا وقِيلَ لَهُ: "كُنْ" فَكانَ، ويَكُونُ ذَلِكَ الشَيْءُ المَأْخُوذُ مِنَ المَوْجُوداتِ مِثالًا لِما يَتَأخَّرُ مِنَ الأُمُورِ وما تَقَدَّمُ، فَبِهَذا نَتَخَلَّصُ مِن تَسْمِيَةِ المَعْدُومِ شَيْئًا، وقَوْلُهُ: ﴿إذا أرَدْناهُ﴾ مُنَزَّلٌ مَنزِلَةُ مُرادٍ، ولَكِنَّهُ أتى بِهَذِهِ الألْفاظِ المُسْتَأْنِفَةِ بِحَسَبِ أنَّ المَوْجُوداتِ تَجِيءُ وتَظْهَرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَكَأنَّهُ قالَ: "إذا ظَهَرَ المُرادُ مِنهُ"، وعَلى هَذا الوَجْهِ يَخْرُجُ قَوْلُهُ تَعالى: "فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكم ورَسُولُهُ"، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤٠]، ونَحْوَ هَذا مِمّا مَعْناهُ: ويَقَعُ مِنكم ما رَآهُ اللهُ تَعالى في الأزَلِ كُلِّهِ وعَلِمَهُ. وقَوْلُهُ: ﴿أنْ نَقُولَ﴾ نَزَلَ مَنزِلَةَ المَصْدَرِ، كَأنَّهُ قالَ: "قَوْلُنا"، ولَكِنْ "أنْ" مَعَ الفِعْلِ تُعْطِي اسْتِئْنافًا لَيْسَ في المَصْدَرِ في أغْلَبِ أمْرِها، وقَدْ تَجِيءُ في مَواضِعَ لا يُلْحَظُ فِيها الزَمَنَ كَهَذِهِ الآيَةِ، وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ﴾ [الروم: ٢٥] وغَيْرِ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ: "لَهُ" ذَهَبَ أكْثَرُ الناسِ إلى أنَّ الشَيْءَ هو الَّذِي يُقالُ لَهُ كالمُخاطَبِ، وكَأنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى قالَ في الأزَلِ لِجَمِيعِ ما خَلَقَ: "كُنْ" بِشَرْطِ الوَقْتِ والصِفَةِ، وقالَ الزَجاجُ: "لَهُ" بِمَعْنى: مِن أجْلِهِ، وهَذا يُمْكِنُ أنْ يُرِيدَ بِالمَعْنى إلى الأوَّلِ، وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّ قَوْلَهُ: "أنْ نَقُولَ" مَجازٌ، كَما تَقُولُ: قالَ بِرَأْسِهِ فَرَفَعَهُ، وقالَ بِيَدِهِ فَضَرَبَ فُلانًا، ورَدَّ عَلى هَذا المَنزَعِ أبُو مَنصُورٍ، وذَهَبَ إلى أنَّ الأوَّلَ هو الأوَّلُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "فَيَكُونُ" بِرَفْعِ النُونِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، والكِسّائِيُّ هُنا وفي "يَسِ" "فَيَكُونُ" بِنَصْبِها، وهي قِراءَةُ ابْنِ مُحَيْصِنٍ.
(p-٣٥٦)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والأوَّلُ أبْعَدُ عَلى التَعْقِيبِ الَّذِي يَصْحَبُ الفاءَ في أغْلَبِ حالِها، فَتَأمَّلَهُ.
وفِي هَذِهِ النُبْذَةِ ما يُطَّلَعُ مِنهُ عَلى عُيُونِ هَذِهِ المَسْألَةِ، وشَرْطُ الإيجازِ مَنَعَ مِن بَسْطِ الِاعْتِراضاتِ والِانْفِصالاتِ، والمَقْصُودُ بِهَذِهِ الآيَةِ إعْلامُ مُنْكِرِي البَعْثِ بِهَوانِ أمْرِهِ عَلى اللهِ تَعالى وقُرْبِهِ في قُدْرَتِهِ، لا رَبَّ غَيْرُهُ.
{"ayahs_start":39,"ayahs":["لِیُبَیِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِی یَخۡتَلِفُونَ فِیهِ وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَـٰذِبِینَ","إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَیۡءٍ إِذَاۤ أَرَدۡنَـٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"],"ayah":"إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَیۡءٍ إِذَاۤ أَرَدۡنَـٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق