الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أنِ اُعْبُدُوا اللهَ واجْتَنِبُوا الطاغُوتَ فَمِنهم مَن هَدى اللهَ ومِنهم مَن حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَلالَةُ فَسِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ ﴿إنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهم فَإنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلُّ وما لَهم مَن ناصِرِينَ﴾ ﴿وَأقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلى وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ولَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ﴾
لَمّا أشارَ قَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ عَلى الرُسُلِ إلا البَلاغُ المُبِينُ﴾ [النحل: ٣٥] إلى إقامَةِ الحُجَّةِ حَسَبَ ما ذَكَرْناهُ بَيْنَ ذَلِكَ في هَذِهِ الآيَةِ، أيْ إنَّهُ بَعْثَ الرُسُلِ آمِرًا بِعِبادَتِهِ وتَجَنُّبِ عِبادَةِ غَيْرِهِ. و"الطاغُوتَ" في اللُغَةِ كُلُّ ما عَبَدَ مِن دُونِ اللهِ مِن آدَمِيٍّ راضٍ بِذَلِكَ أو حَجَرٍ أو خَشَبٍ، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّ مِنهم مَنِ اعْتَبَرَ وهَداهُ اللهُ ونَظَرَ بِبَصِيرَتِهِ، ومِنهم مَن أعْرِضُ وكَفَرَ فَحَقَّتْ عَلَيْهِ الضَلالَةُ، وهي مُؤَدِّيَةٌ إلى النارِ حَتْمًا، ومِنهم مَن أدَّتْهُ إلى عَذابِ اللهِ في الدُنْيا، ثُمَّ أحالَهم في عِلْمِ ذَلِكَ عَلى الطَلَبِ في الأرْضِ، واسْتِقْراءِ الأُمَمِ، والوُقُوفِ عَلى عَواقِبِ الكافِرِينَ المُكَذِّبِينَ،.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ تَحْرِصْ﴾ الآيَةُ، الحِرْصُ: أبْلَغُ الإرادَةِ في الشَيْءِ، وهَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، أيْ أنَّ حِرْصَكَ لا يَنْفَعُ، فَإنَّها أُمُورٌ مَحْتُومَةٌ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرُو، وابْنُ عامِرٍ، والحَسَنُ، والأعْرَجُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، ومُجاهِدٌ، وشِبْلُ، ومُزاحِمُ الخُراسانِيُّ، وأبُو رَجاءٍ العَطارِدِيِّ، وابْنُ سِيرِينِ: "لا يُهْدى" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الدالِّ، وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "لا يَهْدِي" بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ (p-٣٥٣)الدالِّ، وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ المُسَيِّبِ، وجَماعَةٍ، وذَلِكَ عَلى مَعْنَيَيْنِ: أيْ أنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَن قَضى بِإضْلالِهِ، والمَعْنى الآخَرُ أنَّ العَرَبَ تَقُولُ: "يَهْدِي الرَجُلُ" بِمَعْنى "اهْتَدى"، حَكاهُ الفَرّاءُ، وفي القُرْآنِ: ﴿لا يَهِدِّي إلا أنْ يُهْدى﴾ [يونس: ٣٥]، وجَعَلَهُ أبُو عَلِيٍّ وغَيْرُهُ بِمَعْنى "يَهْتَدِي"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ الهاءِ والدالِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يُهْدِي" بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الدالِّ، وهي ضَعِيفَةٌ، وفي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "فَإنَّ اللهَ لا هادِيَ لِمَن أضَلَّ"، وحَكاها أبُو حاتِمٍ: "فَإنَّهُ لا هادِيَ لِمَن أضَلَّ"، قالَ أبُو عَلِيٍّ: "الراجِعُ إلى اسْمِ "إنَّ" مُقَدَّرٌ في "يُضِلُّ" عَلى كُلِّ قِراءَةٍ إلّا قِراءَةَ "يَهْدِي" بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ الدالِّ، أيْ: يَهْدِي اللهُ، فَإنَّ الراجِعَ مُقَدَّرٌ في "يَهْدِي". وقَوْلُهُ: ﴿وَما لَهم مِن ناصِرِينَ﴾ ضَمِيرٌ عَلى مَعْنى "مِن"، وتَقُولُ العَرَبُ: حَرَصَ يَحْرُصُ وحَرَصَ يَحْرِصُ، والكَسْرُ في المُسْتَقْبَلِ لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وإبْراهِيمُ، وأبُو حَيْوَةَ بِفَتْحِ الراءِ في قَوْلِهِ "حَرَصَ" وقَرَأ إبْراهِيمُ: "وَإنْ تَحْرِصْ" بِزِيادَةِ الواوِ.
والضَمِيرُ في قَوْلِهِ: "وَأقْسَمُوا" لِكُفّارِ قُرَيْشٍ، وذَكَرَ أنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ جاوَرَ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ، فَقالَ في حَدِيثِهِ: "لا والَّذِي أرْجُوهُ بَعْدَ المَوْتِ"، فَقالَ لَهُ الكافِرُ: "أو بَعَثَ بَعْدَ المَوْتِ"؟ قالَ: "نَعَمْ"، فَأقْسَمَ الكافِرُ مُجْتَهِدًا في يَمِينِهِ أنَّ اللهَ لا يَبْعَثُ أحَدًا بَعْدَ المَوْتِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، و"جَهْدَ" مَصْدَرٌ، ومَعْناهُ: بِغايَةِ جُهْدِهِمْ، ثُمَّ رَدَّ اللهُ تَعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: "بَلى" فَأوجَبَ بِذَلِكَ البَعْثَ. وقَوْلُهُ: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ مَصْدَرانِ مُؤَكِّدانِ، وقَرَأ الضَحاكُ: "بَلى وعْدٌ عَلَيْهِ حَقٌّ" بِالرَفْعِ في المَصْدَرَيْنِ، (p-٣٥٤)وَأكْثَرُ الناسِ في هَذِهِ الآيَةِ الكُفّارُ المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ، والبَعْثُ مِنَ القُبُورِ مِمّا يُجَوِّزُهُ العَقْلُ، وأثْبَتَهُ خَبَرُ الشَرِيعَةِ عَلى لِسانِ جَمِيعِ النَبِيِّينَ، وقالَ بَعْضُ الشِيعَةِ: إنَّ الإشارَةَ بِهَذِهِ الآيَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وإنَّ اللهَ سَيَبْعَثُهُ في الدُنْيا، وهَذا هو القَوْلُ بِالرَجْعَةِ، وقَوْلُهم هَذا باطِلٌ وافْتِراءٌ عَلى اللهِ، وبُهْتانٌ مِنَ القَوْلِ رَدَّهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وغَيْرُهُ.
{"ayahs_start":36,"ayahs":["وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِی كُلِّ أُمَّةࣲ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلطَّـٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَیۡهِ ٱلضَّلَـٰلَةُۚ فَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ","إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَن یُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِینَ","وَأَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ لَا یَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن یَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَیۡهِ حَقࣰّا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"وَأَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ لَا یَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن یَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَیۡهِ حَقࣰّا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق