الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أو يَأْتِيَ أمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وما ظَلَمَهُمُ اللهُ ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ ﴿فَأصابَهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿وَقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَحْنُ ولا آباؤُنا ولا حَرَّمْنا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلى الرُسُلِ إلا البَلاغُ المُبِينُ﴾
"يَنْظُرُونَ" مَعْناهُ يَنْتَظِرُونَ، و"نَظَرَ" مَتى كانَتْ مِن رُؤْيَةِ العَيْنِ فَإنَّما تُعَدِّيها العَرَبُ بِإلى، ومَتى لَمْ تَتَعَدَّ بِإلى) فَهو بِمَعْنى انْتَظَرَ، كَما قالَ امْرِؤُ القَيْسَ:
؎ فَإنَّكُما إنْ تَنْظُرانِي ساعَةً ∗∗∗ مِنَ الدَهْرِ تَنْفَعُنِي لَدى أمْ جُنْدُبِ
ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى حِكايَةً: ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣]، وقَدْ جاءَ شاذًّا نَظَرَتْ بِمَعْنى الرُؤْيَةِ مُتَعَدِّيًا بِغَيْرِ إلى كَقَوْلِ الشاعِرِ:
(p-٣٥١)باهِراتُ الجَمالِ والحُسْنِ يَنْظُرُ... نَ كَما تَنْظُرُ الأراكَ الظِباءُ
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "تَأْتِيَهِمْ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "يَأْتِيَهِمْ" بِالياءِ، وهي قِراءَةُ يَحْيى بْنِ وثّابٍ، وطِلْحَةَ، والأعْمَشِ، ومَعْنى الكَلامِ أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ لِتَقْبِضَ أرْواحَهم ظالِمِي أنْفُسِهِمْ، وقَوْلُهُ: ﴿أو يَأْتِيَ أمْرُ رَبِّكَ﴾ وعِيدٌ يَتَضَمَّنُ قِيامَ الساعَةِ أو عَذابَ الدُنْيا. ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى أنَّ هَذا كانَ فِعْلُ أسْلافِهِمْ مِنَ الأُمَمِ، أيْ: فَعُوقِبُوا، ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظُلْمًا لِأنَّهُ لَمْ يُوضَعْ ذَلِكَ العِقابُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، ولَكِنْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِأنْ وضَعُوا كُفْرَهم في جِهَةِ اللهِ تَعالى، ومَيْلِهِمْ إلى الأصْنامِ والأوثانِ، فَهَذا وضْعُ الشَيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ، أيْ: آذَوْها بِنَفْسِ فِعْلِهِمْ وإنْ كانُوا لَمْ يَقْصِدُوا ظُلْمَها ولا إذايَتَها.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأصابَهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا﴾، أيْ جَزاءُ ذَلِكَ في الدُنْيا والآخِرَةِ. "وَحاقَ" مَعْناهُ نَزَلَ وأحاطَ، وهُنا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظاهِرُ مِنَ الكَلامِ، تَقْدِيرُهُ: جَزاءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا﴾ الآيَةُ جَدَلٌ مِنَ الكُفّارِ، وذَلِكَ أنَّ أكْثَرَ الكُفّارِ يَعْتَقِدُونَ وُجُودَ اللهِ تَعالى، وأنَّهُ خالِقُهم ورازِقُهُمْ، فَإنَّ كانَ أهْلُ هَذِهِ الآيَةِ مِن هَذا الصِنْفِ فَكَأنَّهم قالُوا: يا مُحَمَّدُ، نَحْنُ مِنَ اللهِ بِمَرْأى في عِبادَتِنا الأوثانَ، واتِّخاذِها لِتَنْفَعَ وتُقَرِّبَ زُلْفى، ولَوْ كَرِهَ اللهُ فِعْلَنا لِغَيَّرَهُ مُنْذُ مُدَّةٍ، إمّا بِإهْلاكِنا وإمّا بِهِدايَتِنا. وكانَ مِنَ الكَفّارِ فَرِيقٌ لا يَعْتَقِدُونَ بِوُجُودِ اللهِ، فَإنْ كانَ أهْلُ هَذِهِ الآيَةِ مِن هَذا الصِنْفِ فَكَأنَّهم أخَذُوا الحُجَّةَ عَلى النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ مِن قَوْلِهِ، أيْ: إنَّ الرَبَّ الَّذِي تُثْبِتُهُ يا مُحَمَّدُ وهو عَلى ما تَصِفُهُ يَعْلَمُ ويَقْدِرُ، لا شَكَّ أنَّهُ يَعْلَمُ حالَنا، ولَوْ كَرِهَها لِغَيَّرَها. والرَدُّ عَلى هَذَيْنَ الفَرِيقَيْنِ هو في أنَّ اللهَ تَعالى يَنْهى عَنِ الكُفْرِ وقَدْ أرادَهُ بِقَوْمٍ، وإنَّما نَصَبَ الأدِلَّةَ وبَعَثَ الرُسُلَ ويَسَّرَ كُلًّا لِما حُتِمَ عَلَيْهِ، وهَذا الجِدالُ -بَيْنَ أيِّ الصِنْفَيْنِ فَرَضْتُهُ- (p-٣٥٢)لَيْسَ فِيهِ اسْتِهْزاءٌ، لَكِنَّ أبا إسْحاقِ الزُجاجِ قَدْ قالَ: إنَّ هَذا الكَلامَ عَلى جِهَةِ الهُزْءِ، فَذَهَبَ أبُو إسْحاقٍ -واللهُ أعْلَمُ إلى أنَّ الطائِفَةَ الَّتِي لا تَقُولُ بِالإثْمِ، ثُمَّ أقامَتِ الحُجَّةَ مِن مَذْهَبِ خَصْمِها كَأنَّها مُسْتَهْزِئَةٌ في ذَلِكَ، وهَذا جَدَلٌ مَحْضٌ، والرَدُّ عَلَيْهِ كَما ذَكَرْناهُ، وقَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ عَلى الرُسُلِ إلا البَلاغُ المُبِينُ﴾ يُشِيرُ إلى ما ذَكَرْناهُ.
وقَوْلُهُ: "وَلا حَرَّمْنا" يُرِيدُونَ البَحِيرَةَ والسائِبَةَ والوَصِيلَةَ وغَيْرَ ذَلِكَ مِمّا حَرَّمُوهُ، وأخْبَرَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى أنَّ هَذِهِ النَزْعَةَ قَدْ سَبَقَهُمُ الأوَّلُونَ مِنَ الكُفّارِ إلَيْها، كَأنَّهُ قالَ: والأمْرُ لَيْسَ عَلى ما ظَنُّوهُ مِن أنَّ اللهَ تَعالى إذا أرادَ الكُفْرَ لا يَأْمُرُ بِتَرْكِهِ، بَلْ قَدْ نَصَبَ اللهُ لِعِبادِهِ الأدِلَّةَ، وأرْسَلَ الرُسُلَ مُنْذِرِينَ، ولَيْسَ عَلَيْهِمْ إلّا البَلاغُ.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["هَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن تَأۡتِیَهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَوۡ یَأۡتِیَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَ ٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ","فَأَصَابَهُمۡ سَیِّـَٔاتُ مَا عَمِلُوا۟ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ لَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَیۡءࣲ نَّحۡنُ وَلَاۤ ءَابَاۤؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَیۡءࣲۚ كَذَ ٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِینُ"],"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ لَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَیۡءࣲ نَّحۡنُ وَلَاۤ ءَابَاۤؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَیۡءࣲۚ كَذَ ٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق