الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ مِنَ السَماءِ ماءً لَكم مِنهُ شَرابٌ ومِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ ﴿يُنْبِتُ لَكم بِهِ الزَرْعَ والزَيْتُونَ والنَخِيلَ والأعْنابَ ومِن كُلِّ الثَمَراتِ إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَيْلَ والنَهارَ والشَمْسَ والقَمَرَ والنُجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمْرِهِ إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ هَذا تَعْدِيدُ نِعْمَةِ اللهِ في المَطَرِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَمِنهُ شَجَرٌ﴾ أيْ: يَكُونُ مِنهُ بِالتَدْرِيجِ، (p-٣٣٣)إذْ يَسْقِي الأرْضَ فَيُنْبِتُ عن هَذا السَقْيِ الشَجَرَ، وهَذا مِنَ التَجَوُّزِ، كَما قالَ الشاعِرُ: ؎ أسْنِمَةُ الآبالِ في رَبابِهِ وكَما سَمّى الآخَرُ العُشْبَ سَماءً في قَوْلِهِ: ؎ إذا نَزَلَ السَماءُ بِأرْضِ قَوْمٍ ∗∗∗ ∗∗∗ رَعَيْناهُ وإنْ كانُوا غِضابًا قالَ أبُو إسْحاقَ: يُقالُ لِكُلِّ ما يَنْبُتُ عَلى الأرْضِ: شَجَرٌ، وقالَ عِكْرِمَةُ: لا تَأْكُلُوا ثَمَنَ الشَجَرِ فَإنَّهُ مُسْحِتٌ، يَعْنِي الكَلَأ. و"تُسِيمُونَ" مَعْناهُ: تَرْعَوْنَ أنْعامَكُمْ، وسَوْمُها مِنَ الرَعْيِ، وتُسَرِّحُونَها، ويُقالُ لِلْأنْعامِ: السائِمَةُ، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "فِي سائِمَةِ الغَنَمِ الزَكاةُ"،» يُقالُ: أسامَ الرَجُلُ ماشِيَتَهُ إسامَةً إذا أرْسَلَها تَرْعى، وسَوَّمَها أيْضًا فَسامَتْ هِيَ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الأعْشى: ؎ ومَشى القَوْمُ بِالعِمادِ إلى الرَزْ ∗∗∗ ∗∗∗ حى، وأعْيا المُسِيمُ أيْنَ المَساقُ (p-٣٣٤)وَمِنهُ قَوْلُ الآخَرِ: ؎ مِثْلُ ابْنِ بَزْعَةَ أو كَآخَرَ مِثْلِهِ ∗∗∗ ∗∗∗ أولى لَكَ ابْنَ مُسِيمَةِ الأجْمالِ أيْ: راعِيَةُ الأجْمالِ. وفَسَّرَ المُتَأوِّلُونَ "تُسِيمُونَ" بِـ "تَرْعَوْنَ". وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يُنْبِتُ" بِالياءِ، عَلى مَعْنى: يُنْبِتُ اللهُ، يُقالُ: نَبَتَ الشَجَرُ وأنْبَتَهُ اللهُ، ويُقالُ: أنْبَتَ الشَجَرُ بِمَعْنى نَبَتَ، وكانَ الأصْمَعِيُّ يَأْبى ذَلِكَ ويَتَّهِمُ قَصِيدَةَ زُهَيْرٍ الَّتِي فِيها: ؎ حَتّى إذا أنْبَتَ البَقْلُ وقَرَأ أبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ: "نُنْبِتُ" بِنُونٍ العَظَمَةِ، وخَصَّ عَزَّ وجَلَّ ذِكْرَ هَذِهِ الأرْبَعَةِ لِأنَّها أشْرَفُ ما يَنْبُتُ وأجْمَعُها لِلْمَنافِعِ، ثُمَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن كُلِّ الثَمَراتِ﴾ [النحل: ٦٩]، ثُمَّ أحالَ القَوْلَ عَلى الفِكْرَةِ في تَصارِيفِ النَباتِ والأشْجارِ، وهي مَوْضِعُ عِبْرَةٍ في ألْوانِها واطِّرادِ خَلْقِها وتَناسُبِ ألْطافِها فَسُبْحانَ الخَلّاقِ العَظِيمِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَيْلَ والنَهارَ﴾ الآيَةُ. قَرَأ الجُمْهُورُ بِإعْمالِ "سَخَّرَ" في (p-٣٣٥)جَمِيعِ ما ذَكَرَ، ونَصَبَ "مُسَخَّراتٍ" عَلى الحالِ المُؤَكَّدَةِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا﴾ [فاطر: ٣١] وكَما قالَ الشاعِرُ: ؎ أنا ابْنُ دارَةَ مَعْرُوفًا بِها نَسَبِيِ ونَحْوَ هَذا، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: "والشَمْسُ والقَمَرُ والنُجُومُ مُسَخَّراتٌ" بِرَفْعٍ هَذا كُلِّهِ، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمٍ "والنُجُومُ مُسَخَّراتٌ" بِالرَفْعِ، ونَصَبَ ما قَبْلَ ذَلِكَ، والمَعْنى في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ هَذِهِ المَخْلُوقاتِ مُسَخَّراتٌ عَلى رُتْبَةٍ قَدِ اسْتَمَرَّ بِها انْتِفاعُ البَشَرِ مِنَ السُكُونِ بِاللَيْلِ والمَعايِشِ وغَيْرِ ذَلِكَ بِالنَهارِ، وأمّا مَنافِعُ الشَمْسِ والقَمَرِ فَأكْثَرُ مِن أنْ تُحْصى، وأمّا النُجُومُ فَهِداياتٌ، ولِهَذا الوَجْهِ اعْتَدَتْ في جُمْلَةِ النِعَمِ عَلى بَنِي آدَمَ، ومِنَ النِعْمَةِ بِها ضِياؤُها أحْيانًا، قالَ الزَجاجُ: وعَلِمَ عَدَدَ السِنِينَ والحِسابِ بِها. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وفِي هَذا نَظَرٌ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، والأعْمَشُ، وطَلْحَةُ بْنُ مَصْرِفٍ: "والرِياحُ مُسَخَّراتٌ" في مَوْضِعِ "والنُجُومِ". ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ﴾ لِعِظَمِ الأمْرِ، لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِمّا ذُكِرَ آيَةٌ في نَفْسِهِ لا يَشْتَرِكُ مَعَ الآخَرِ، وقالَ في الآيَةِ قَبْلُ: "لَآيَةٍ" لِأنَّ شَيْئًا واحِدًا يَعُمُّ تِلْكَ الأرْبَعَةِ وهو النَباتُ، وكَذَلِكَ في ذِكْرِ ما ذَرَأ لِيَسارَتِهِ بِالإضافَةِ، وأيْضًا فَإنَّهُ بِمَعْنى "آياتٍ"، واحِدٌ يُرادُ بِهِ الجَمْعُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب