الباحث القرآني
(p-٤٢١)قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ والدَمَ ولَحْمَ الخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَإنَّ اللهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
حَصَرَتْ "إنَّما" هَذِهِ المُحَرَّماتِ وقْتَ نُزُولِ الآيَةِ، ثُمَّ نَزَلَتِ المُحْرِماتُ بَعْدَ ذَلِكَ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "المَيْتَةَ" مُخَفَّفًا، وشَدَّدَها أبُو جَعْفَرِ بْنِ القَعْقاعِ، وهو الأصْلُ، والتَخْفِيفُ طارِئٌ عَلَيْهِ، والعامِلُ في نَصْبِها "حَرَّمَ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "المَيْتَةُ" بِالرَفْعِ عَلى أنْ تَكُونَ "ما" بِمَعْنى "الَّذِي".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وكَوْنُ "ما" مُتَّصِلَةً بِـ "إنَّ" يُضَعِّفُ هَذا ويَحْكم بِأنَّها حاصِرَةٌ و"ما" كافَّةٌ، وإذا كانَتْ بِمَعْنى "الَّذِي" فَيَجِبُ أنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةً، وذَلِكَ خِلافَ خَطِّ المُصْحَفِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "حَرَّمَ" عَلى مَعْنى: حَرَّمَ اللهُ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "حُرِّمَ" عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلَهُ، وهَذا بِرَفْعِ "المَيْتَةِ" ولا بُدَّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والمَيْتَةُ المُحَرَّمَةُ هي ما ماتَ مِن حَيَوانِ البَرِّ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ حَتْفَ أنْفِهِ، وأمّا ما لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ كالجَرادِ والذُبابِ والبَراغِيثِ ودُودِ التِينِ وحَيَوانِ الفُولِ وما ماتَ مِنَ الحُوتِ حَتْفَ أنْفِهِ وطَفا عَلى الماءِ فَفِيهِ قَوْلانِ في المَذْهَبِ، وما ماتَ حَتْفَ أنْفِهِ مِنَ الحَيَوانِ الَّذِي يَعِيشُ في الماءِ وفي البَرِّ كالسَلاحِفِ ونَحْوَها فَفِيهِ قَوْلانِ، والمَنعُ هُنا أظْهَرَ، إلّا أنْ يَكُونَ الغالِبُ عَلَيْهِ العَيْشَ في الماءِ.
والدَمُ المُحَرَّمُ هو المُنْسَفِحُ الَّذِي يَسِيلُ إنْ تُرِكَ مُفْرَدًا، وأمّا ما خالَطَ اللَحْمَ وسَكَنَ فِيهِ فَحَلالٌ طَبْخُ ذَلِكَ اللَحْمِ بِهِ، ولا يُكَلَّفُ أحَدٌ تَتْبَعُهُ، ودَمُ الحُوتِ مُخْتَلَفٌ في تِحْلِيلِهِ وإنْ كانَ يَنْسَفِحُ لَوْ تُرِكَ.
ولَحْمُ الخِنْزِيرِ هو مُعْظَمُهُ والمَقْصُودُ الأظْهَرُ فِيهِ، فَلِذَلِكَ خَصَّهُ بِالذِكْرِ، وأجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وغَضارِيفِهِ، ومِن تَخْصِيصِهِ اسْتَدَلَّتْ فِرْقَةٌ عَلى جَوازِ الِانْتِفاعِ بِجِلْدِهِ إذا دُبِغَ ولِبْسِهِ، والأُولى تَحْرِيمُهُ جُمْلَةً، وأمّا شِعْرُهُ فالِانْتِفاعُ بِهِ مُباحٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ، والأوَّلُ أرْجَحُ.
(p-٤٢٢)﴿وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ﴾، يُرِيدُ كُلَّ ما نُوِيَ بِذَبْحِهِ غَيْرُ التَقَرُّبِ إلى اللهِ والقِرَبُ إلى سِواهُ، وسَواءً تَكَلَّمَ بِذَلِكَ عَلى الذَبِيحَةِ أو لَمْ يَتَكَلَّمْ، لَكِنْ خَرَجَتِ العِبارَةُ عن ذَلِكَ بِـ "أُهِلَّ"، ومَعْناهُ صَحِيحٌ عَلى عادَةِ العَرَبِ، وقُصِدَ الغَضُّ مِنها، وذَلِكَ أنَّها كانَتْ إذا ساقَتْ ذَبِيحَةً إلى صَنَمٍ جَهَرَتْ بِاسْمِ ذَلِكَ الصَنَمِ وصاحَتْ بِهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾، قالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ: أُكْرِهَ، وقالَ الجُمْهُورُ: مَعْناهُ: اضْطَرَّهُ جُوعٌ واحْتِياجٌ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "فَمَنُ" بِضَمِّ النُونِ "اضْطُرَّ" بِضَمِّ الطاءِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "فَمَنِ" بِكَسْرِ النُونِ "اضْطِرَّ" بِكَسْرِ الطاءِ عَلى أنَّ الأصْلَ: "اضْطُرِرَ"، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الراءِ إلى الطاءِ وأُدْغِمَتِ الراءُ في الراءِ. وقَوْلُهُ: ﴿غَيْرَ باغٍ﴾ قالَتْ فِرْقَةٌ: هو صاحِبُ البَغْيِ عَلى الإمامِ، أو في قَطْعِ الطَرِيقِ، وبِالجُمْلَةِ في سَفَرِ المَعاصِي، والعادِي بِمَعْناهُ في أنَّهُ يَنْوِي المَعْصِيَةَ، وقالَ الجُمْهُورُ: ﴿غَيْرَ باغٍ﴾ مَعْناهُ: غَيْرَ مُسْتَعْمِلٍ لِهَذِهِ المُحَرَّماتِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِها، ﴿وَلا عادٍ﴾ مَعْناهُ: لا يَعْدُو حُدُودَ اللهِ في هَذا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا القَوْلُ أرْجَحُ وأعَمُّ في الرُخْصَةِ.
وقالَتْ فِرْقَةٌ: باغٍ وعادٍ في الشِبَعِ والتَزَوُّدِ، واخْتَلَفَ الناسُ في صُورَةِ الأكْلِ مِنَ المَيْتَةِ -فَقالَتْ فِرْقَةٌ: الجائِزُ مِن ذَلِكَ ما يُمْسِكُ الرَمَقَ فَقَطْ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ يَجُوزُ الشِبَعُ التامُّ، وقالَتْ فَرِقَّةٌ -مِنهم مالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ-: يَجُوزُ الشِبَعُ والتَزَوُّدُ، وقالَ بَعْضُ النَحْوِيِّينَ في قَوْلِهِ: "عادٍ": إنَّهُ مَقْلُوبٌ مِن عائِدٍ، فَهو كَشاكِي السِلاحِ، وكَيَوْمِ راحٍ، وكَقَوْلِ الشاعِرِ:
؎ لاثٍ بِهِ الأشاءُ والعُبْرِيُّ
(p-٤٢٣)وَقَوْلُهُ: ﴿فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يَقْتَضِي مِنهُ الإباحَةَ لِلْمُضْطَرِّ، وخَرَجَتِ الإباحَةُ في هَذِهِ الألْفاظِ تَحَرُّجًا وتَضْيِيقًا في أمْرِها، لِيَدُلَّ الكَلامُ عَلى عِظَمِ الخَطَرِ في هَذِهِ المُحَرَّماتِ، فَغايَةُ هَذا المُرَخَّصِ لَهُ غُفْرانُ اللهِ لَهُ وحَطُّهُ عنهُ ما كانَ يَلْحَقُهُ مِنَ الإثْمِ لَوْلا ضَرُورَتُهُ، وهَذا التَخْرِيجُ الَّذِي ذَكَرْناهُ يَفْهَمُهُ الفُصَحاءُ مِنَ اللَفْظِ، ولَيْسَ في المَعْنى مِنهُ شَيْءٌ، وإنَّما هو إيحاءٌ، وكَذَلِكَ جَعَلَ غايَتَهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنْ لا إثْمَ عَلَيْهِ، وإنْ كانَ "لا إثْمَ عَلَيْهِ" وقَوْلُهُ: "هُوَ لَهُ مُباحٌ" يَرْجِعانِ إلى مَعْنى واحِدٍ فَإنَّ في هَيْئَةِ اللَفْظَيْنِ خِلافًا.
{"ayah":"إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ لِغَیۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغࣲ وَلَا عَادࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق