الباحث القرآني

(p-٢٦٦)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَتَرى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ في الأصْفادِ﴾ ﴿سَرابِيلُهم مِن قَطِرانٍ وتَغْشى وُجُوهَهُمُ النارُ﴾ ﴿لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إنَّ اللهُ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ ﴿هَذا بَلاغٌ لِلنّاسِ ولِيُنْذَرُوا بِهِ ولِيَعْلَمُوا أنَّما هو إلَهٌ واحِدٌ ولِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبابِ﴾ المُجْرِمُونَ هُمُ الكُفّارُ، و"مُقَرَّنِينَ" مَرْبُوطِينَ في قَرَنٍ وهو الحَبَلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رُؤُوسُ الإبِلِ والبَقَرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ وابْنُ اللَبُونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ∗∗∗ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعِيسِ و"الأصْفادُ" الأغْلالُ، واحِدُها صَفَدٌ، يُقالُ: صَفَدَهُ وأصْفَدَهُ وصَفَّدَهُ إذا غَلَّلَهُ، والِاسْمُ الصِفادُ، ومِنهُ قَوْلُ سَلامَةَ بْنِ جَنْدَلٍ: ؎ وزَيْدُ الخَيْلِ قَدْ لاقى صِفادًا ∗∗∗ ∗∗∗ يَعَضُّ بِساعِدٍ وبِعَظْمِ ساقِ وكَذَلِكَ يُقالُ في العَطاءِ، ومِنهُ قَوْلُ النابِغَةِ. ؎ فَلَمْ أُعَرِّضْ -أبَيْتَ اللَعْنَ- بِالصَفْدِ. (p-٢٦٧)وَ "السَرابِيلُ": القُمُصُ، و"القَطِرانُ" هو الَّذِي تَهْنَأُ بِهِ الإبِلُ، ولِلنّارِ فِيهِ اشْتِعالٌ شَدِيدٌ، فَلِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ قُمُصَ أهْلِ النارِ مِنهُ، ويُقالُ بِفَتْحِ القافِ وكَسْرِ الطاءِ، وبِكَسْرِ القافِ وسُكُونِ الطاءِ، وبِفَتْحِ القافِ وسُكُونِ الطاءِ، وقَرَأ عُمَرُ، وعَلَيٌّ، والحُسْنُ بِخِلافٍ- وابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو هُرَيْرَةَ، وعَلْقَمَةُ، وسِنّانُ بْنُ سَلَمَةَ، وعِكْرِمَةُ، وابْنُ سِيرِينَ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والكَلْبِيُّ، وقَتادَةُ، وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: " قَطْرٍ آنٍ"، والقَطْرُ: القَصْدِيرُ، وقِيلَ: النُحاسُ. ورُوِيَ عن عُمْرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: لَيْسَ بِالقَطْرانِ، ولَكِنَّهُ النُحاسُ يُسَرْبَلُونَهُ، و"آنٍ" صِفَةٌ، وهو الذائِبُ الحارُّ الَّذِي قَدْ تَناهى حَرُّهُ، قالَ الحَسَنُ: قَدْ سُعِّرَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ مُنْذُ خُلِقَتْ فَتَناهى حَرُّهُ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وُجُوهَهُمْ" بِالنَصْبِ "النارُ" بِالرَفْعِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالعَكْسِ، فالأوَّلُ عَلى نَحْوِ: ﴿واللَيْلِ إذا يَغْشى﴾ [الليل: ١] فَهي حَقِيقَةُ الغَشَيانِ، والثانِي عَلى نَحْوِ قَوْلِ الشاعِرِ: ؎ يُغْشَوْنَ حَتّى ما تَهِرُّ كِلابُهم ∗∗∗ ∗∗∗ لا يَسْألُونَ عَنِ السَوادِ المُقْبِلِ فَهِيَ بِتَجَوُّزٍ في الغَشَيانِ، كَأنَّ وُرُودَ الوُجُوهِ عَلى النارِ غَشَيانٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَجْزِيَ اللهُ﴾ أيْ: لِكَيْ يَجْزِيَ اللهُ واللامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ (p-٢٦٨)تَقْدِيرُهُ: أُنَفِّذُ عَلى المُجْرِمِينَ هَذا العِقابَ لِيَكُونَ في ذَلِكَ جَزاءُ المُسِيءِ عَلى إساءَتِهِ، وجاءَ مِن لَفْظَةِ الكَسْبِ بِما يَعُمُّ المُسِيءَ والمُحْسِنَ لِيُنَبِّهَ عَلى أنَّ المُحْسِنَ أيْضًا يُجازى بِإحْسانِهِ خَيْرًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَرِيعُ الحِسابِ﴾ أيْ: فاصِلَهُ بَيْنَ خَلْقِهِ بِالإحاطَةِ الَّتِي لَهُ بِدَقِيقِ أمْرِهِمْ وجَلِيلِها، لا إلَهَ غَيْرُهُ، وقِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: كَيْفَ يُحاسِبُ اللهُ العِبادَ في وقْتٍ واحِدٍ مَعَ كَثْرَتِهِمْ؟ قالَ: كَما يَرْزُقُهم في وقْتٍ واحِدٍ. وقَوْلُهُ: ﴿هَذا بَلاغٌ لِلنّاسِ﴾ الآيَةُ إشارَةٌ إلى القُرْآنِ والوَعِيدِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ، ووَصَفَهُ بِالمَصْدَرِ في قَوْلِهِ: "بَلاغٌ"، والمَعْنى: هَذا ذُو بَلاغٍ لِلنّاسِ، وهو لِيُنْذَرُوا بِهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَلِيُنْذَرُوا" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الذالِ عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأ يَحْيى بْنُ عِمارَةَ، وأحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أُسَيْدٍ: "وَلِيَنْذَرُوا" بِفَتْحِ الياءِ والذالِ، تَقُولُ العَرَبُ: "نَذَرْتُ بِكَذا" إذا أشْعَرْتُ بِهِ، وتَحَرَّزَتْ مِنهُ، وأعْدَدْتُ لَهُ. ورُوِيَ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبابِ﴾ نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ الصِدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ. انْتَهى تَفْسِيرُ سُورَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ والحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وصَلّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ المَبْعُوثِ بَشِيرًا ونَذِيرًا وعَلى آلِهِ وصَحِبَهُ وسَلَّمَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب