الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلا عَمّا يَعْمَلُ الظالِمُونَ إنَّما يُؤَخِّرُهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصارُ﴾ ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهم وأفْئِدَتُهم هَواءٌ﴾ ﴿وَأنْذِرِ الناسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أخِّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُسُلَ أوَلَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِن قَبْلُ ما لَكم مِن زَوالٍ﴾
هَذِهِ الآيَةُ بِجُمْلَتِها فِيها وعِيدٌ لِلظّالِمِينَ، وتَسْلِيَةٌ لِلْمَظْلُومِينَ، والخِطابُ بِقَوْلِهِ: "تَحْسَبَنَّ" لِمُحَمَّدٍ ﷺ، والمُرادُ بِالنَهْيِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ أنْ يَحْسَبَ مِثْلَ هَذا، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "وَلا تَحْسَبِ اللهَ غافِلًا" بِإسْقاطِ النُونِ، وكَذَلِكَ: "فَلا تَحْسَبِ اللهَ مُخْلِفَ وعْدِهِ"، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ، وعَبْدُ الرَحْمَنِ، والحَسَنُ، والأعْرَجُ: "نُؤَخِّرُهُمْ" بِنُونِ العَظَمَةِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يُؤَخِّرُهُمْ" بِالياءِ، أيِ اللهُ تَعالى. وتَشْخَصُ مَعْناهُ: تُحِدَّ النَظَرَ لِفَزَعِ، ولِفَرْطِ ذَلِكَ بِشَخْصِ المُحْتَضِرِ.
و"المُهْطِعُ": المُسْرِعُ في مَشْيِهِ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ، وذَلِكَ بِذِلَّةٍ واسْتِكانَةٍ، كَإسْراعِ الأسِيرِ الخائِفِ ونَحْوِهِ، وهَذا هو أرْجَحُ الأقْوالِ، وقَدْ تُوصَفُ الإبِلُ بِالإهْطاعِ عَلى مَعْنى الإسْراعِ، وقَلَّما يَكُونُ إسْراعُها إلّا خَوْفَ السَوْطِ ونَحْوَهُ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ وبِمُهْطِعٍ سُرُحٍ كَأنَّ عِنانَهُ ∗∗∗ في رَأْسِ جِذْعٍ مَن أوالِ مُشَذَّبٍ
(p-٢٥٩)وَمِن ذَلِكَ قَوْلُ عُمْرانَ بْنِ حَطّانَ:
؎ إذا دَعانا فَأهْطَعْنا لِدَعْوَتِهِ ∗∗∗ ∗∗∗ داعٍ سَمِيعٌ فَلَفُّونا وساقُونا
ومِنهُ قَوْلُ ابْنِ مُفَرَّغٍ:
؎ بِدِجْلَةَ دارُهم ولَقَدْ أراهم ∗∗∗ ∗∗∗ بِدِجْلَةَ مُهْطِعِينَ إلى السَماعِ
ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ بِمُسْتَهْطِعٍ رَسْلٍ كَأنَّ جَدِيلَهُ ∗∗∗ ∗∗∗ بِقَيْدُومِ رَعْنٍ مِن صَوامٍ مُمَنَّعُ
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو الضُحى: الإهْطاعُ: شِدَّةُ النَظَرِ مِن غَيْرِ أنْ يَطْرِفَ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الَّذِي لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وقَدْ يَكُونُ الإهْطاعُ لِلْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: الإسْراعُ وإدامَةُ النَظَرِ.
و"المُقْنِعُ" هو الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَدْمًا بِوَجْهِهِ نَحْوَ الشَيْءِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ: /
؎
يُباكِرْنَ العِضاهَ بِمُقْنَعاتٍ ∗∗∗ ∗∗∗ نَواجِذُهُنَّ كالحَدَأِ الوَقِيعِ
(p-٢٦٠)يَصِفُ الإبِلَ بِالإقْناعِ عِنْدَ رَعْيِها أعالِي الشَجَرِ. وقالَ الحَسَنُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: وُجُوهُ الناسِ يَوْمَ القِيامَةِ إلى السَماءِ، لا يَنْظُرُ أحَدٌ إلى أحَدٍ، وذَكَرَ المُبَرِّدُ فِيما حُكِيَ عن أنَّ الإقْناعَ يُوجَدُ في كَلامِ العَرَبِ بِمَعْنى خَفْضِ الرَأْسِ مِنَ الذِلَّةِ، والأوَّلُ أشْهَرٍ.
وقَوْلُهُ: ﴿لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ أيْ: لا يَطْرِفُونَ مِنَ الحَذَرِ والجَزَعِ وشِدَّةِ الحالِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَأفْئِدَتُهم هَواءٌ﴾ تَشْبِيهٌ مَحْضٌ، لِأنَّها لَيْسَتْ بِهَواءٍ حَقِيقَةً، وجِهَةُ التَشْبِيهِ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ في فَراغِ الأفْئِدَةِ مِنَ الخَيْرِ والرَجاءِ والطَمَعِ في الرَحْمَةِ، فَهي مُنْخَرِقَةٌ مُشْبِهَةٌ الهَواءَ في تَفَرُّغِهِ مِنَ الأشْياءِ وانْخِراقِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في اضْطِرابِ أفْئِدَتِهِمْ وجَيَشانِها في صُدُورِهِمْ، وأنَّها تَجِيءُ وتَذْهَبُ وتَبْلُغُ -عَلى ما رُوِيَ- حَناجِرَهُمْ، فَهي في ذَلِكَ كالهَواءِ الَّذِي هو أبَدًا في اضْطِرابٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وعَلى هاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ يُشَبَّهُ قَلْبُ الجَبانِ وقَلَّبُ الرَجُلِ المُضْطَرِبِ في أُمُورِهِ بِالهَواءِ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ولا تَكُ مِن أخْدانِ كُلِّ يَراعَةٍ ∗∗∗ ∗∗∗ هَواءٍ كَسَقْبِ النابِ جَوْفًا مَكاسِرُهْ
ومِن ذَلِكَ قَوْلُ حَسّانَ:
؎ ألّا أبْلِغْ أبا سُفْيانَ عَنِّي ∗∗∗ ∗∗∗ فَأنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواءُ
(p-٢٦١)وَمِن ذَلِكَ قَوْلٌ زُهَيْرٍ:
؎ كَأنَّ الرَحْلَ مِنهُ فَوْقَ صَعْلٍ ∗∗∗ ∗∗∗ مِنَ الظِلْمانِ جُؤْجُؤُهُ هَواءُ
فالمَعْنى أنَّهُ في غايَةِ الخِفَّةِ في إجْفالِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْذِرِ الناسَ﴾ الآيَةُ. المُرادُ بِاليَوْمِ يَوْمُ القِيامَةِ، ونَصْبُهُ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِـ "أنْذِرْ"، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِأنَّ القِيامَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطِنِ إنْذارٍ. وقَوْلُهُ: "فَيَقُولُ" رُفِعَ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ: "يَأْتِيهِمُ". وقَوْلُهُ: ﴿أوَلَمْ تَكُونُوا﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ مَعْناهُ: يُقالُ لَهُمْ، فَحَذَفَ ذَلِكَ إيجازًا إذِ المَعْنى يَدُلُّ عَلَيْهِ، وقَوْلُهُ: ﴿ما لَكم مِن زَوالٍ﴾ هو المُقْسَمُ عَلَيْهِ نَقْلُ المَعْنى، و﴿مِن زَوالٍ﴾ مَعْناهُ: مِنَ الأرْضِ بَعْدَ المَوْتِ، أيْ: لا بَعْثَ مِنَ القُبُورِ، وهَذِهِ الآيَةُ ناظِرَةٌ إلى ما حَكى عنهم في قَوْلِهِ: ﴿وَأقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨].
{"ayahs_start":42,"ayahs":["وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلًا عَمَّا یَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا یُؤَخِّرُهُمۡ لِیَوۡمࣲ تَشۡخَصُ فِیهِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ","مُهۡطِعِینَ مُقۡنِعِی رُءُوسِهِمۡ لَا یَرۡتَدُّ إِلَیۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَاۤءࣱ","وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ یَوۡمَ یَأۡتِیهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ رَبَّنَاۤ أَخِّرۡنَاۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوۤا۟ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالࣲ"],"ayah":"وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ یَوۡمَ یَأۡتِیهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ رَبَّنَاۤ أَخِّرۡنَاۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوۤا۟ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق