قوله عزّ وجلّ:
﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بِالغَيْبِ وأنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ﴾
قالَتْ جَماعَةٌ مِن أهْلِ التَأْوِيلِ: هَذِهِ المَقالَةُ هي مِن يُوسُفَ عَلَيْهِ السَلامُ، أيْ: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ العَزِيزُ سَيِّدِي أنِّي لَمْ أخُنْهُ في أهْلِهِ وهو غائِبٌ، ولِيَعْلَمَ أيْضًا أنَّ اللهَ تَعالى لا يَهْدِي كَيْدَ خائِنٍ ولا يَرْشُدُ سَعْيُهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والهُدى لِلْكَيْدِ مُسْتَعارٌ، بِمَعْنى: لا يُكَلِّمُهُ ولا يُمْضِيهِ عَلى طَرِيقِ إصابَةٍ، ورُبَّ كَيْدٍ مَهْدِيٍّ إذا كانَ مَن تَقِيٍّ في مَصْلَحَةٍ.
واخْتَلَفَتْ هَذِهِ الجَماعَةُ فَقالَ ابْنُ جُرَيْجَ: هَذِهِ المَقالَةُ مِن يُوسُفَ عَلَيْهِ السَلامُ هي مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ لِلرَّسُولِ: ﴿إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٠] وفي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ؛ فالإشارَةُ بِقَوْلِهِ: "ذَلِكَ" -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- هي إلى بَقائِهِ في السِجْنِ والتِماسِهِ البَراءَةَ، أيْ: هَذا لِيَعْلَمَ سَيِّدِي أنِّي لَمْ أخُنْهُ، وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّما قالَ يُوسُفُ هَذِهِ المَقالَةَ حِينَ قالَتِ امْرَأةُ العَزِيزِ كَلامَها إلى قَوْلِها: ﴿وَإنَّهُ لَمِنَ الصادِقِينَ﴾ [يوسف: ٥١]، فالإشارَةُ -عَلى هَذا- إلى إقْرارِها وصَنِيعِ اللهِ تَعالى فِيهِ. وهَذا يَضْعُفُ؛ لِأنَّهُ يَقْتَضِي حُضُورَهُ مَعَ النِسْوَةِ عِنْدَ المَلِكِ، وبَعْدَ هَذا يَقُولُ المَلِكُ: ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾ [يوسف: ٥٤].
(p-١٠٥)وَقالَتْ فِرْقَةٌ مِن أهْلِ التَأْوِيلِ: هَذِهِ الآيَةُ مِن قَوْلِ امْرَأةِ العَزِيزِ، وكَلامُها مُتَّصِلٌ، أيْ: قَوْلِي هَذا وإقْرارِي لِيَعْلَمَ يُوسُفُ أنِّي لَمْ أخُنْهُ في غَيْبَتِهِ، بِأنْ أكْذِبَ عَلَيْهِ أو أرْمِيَهُ بِذَنْبٍ هو بَرِيءٌ مِنهُ، والتَقْدِيرُ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ-: تَوْبَتِي وإقْرارِي لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ وأنَّ اللهَ لا يَهْدِي... وعَلى أنَّ الكَلامَ مِن يُوسُفَ يَجِيءُ التَقْدِيرُ: ولِيَعْلَمَ أنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ لِیَعۡلَمَ أَنِّی لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَیۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی كَیۡدَ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ"}